منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   دفع الشكوك والأوهام عن نبي الله يونس عليه السَّلام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=17029)

عبد القادر شكيمة 02 Sep 2015 09:17 AM

دفع الشكوك والأوهام عن نبي الله يونس عليه السَّلام
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد :
قد يتبادر إلى الأذهان عند قراءة آية من القرآن معنى ما، وعند الرجوع إلى كتب التفسير نجد معنى آخر مخالفا لما تبادر إلى الذهن، لذا يحرم على المرء أن يفسر القرآن برأيه.
فمن الآيات التي قد تزل فيها الأفهام, وتزرع حولها الأوهام، قول رب الأنام: { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]
فيحتار القارئ قائلا في نفسه: أيظن نبي الله يونس عليه السلام أن الله لا يقدر عليه؟
فهي معي أخي ننظر في تفسيرها حتى تزول الحيرة ويطمئن القلب وندفع عن نبي الله ما ظاهره الكفر.
- المعنى الإجمالي للآية:
واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه; لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين.(1)
ودليل تفسير: "أن لن نقدر عليه" أي "أن لن نضيق عليه" قوله تعالى: { اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}[الرعد:26] أَيْ: وَيُضَيِّقُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَقَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} الْآيَةَ [الطلاق: 07] . فَقَوْلُهُ: "وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ" أَيْ: وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ.
وقيل في معناها(2): لَنْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْقَدَرِ وَالْقَضَاءِ. «وَقَدَرَ» بِالتَّخْفِيفِ تَأْتِي بِمَعْنَى «قَدَّرَ» الْمُضَعَّفَةِ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر: 12] أَيْ: قَدَّرَهُ اللَّهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ - وَأَنْشَدَهُ ثَعْلَبٌ شَاهِدًا لِذَلِكَ -:
فَلَيْسَتْ عَشِيَاتُ الْحِمَى بِرَوَاجِعٍ *** لَنَا أَبَدًا مَا أَوْرَقَ السَّلِمُ النَّضِرُ
وَلَا عَائِدٌ ذَاكَ الزَّمَانُ الَّذِي مَضَى *** تَبَارَكْتَ مَا تَقْدِرُ يَقَعُ لَكَ الشُّكْرُ(3)
تَقْدِرُ أي تقدِّر.
- ذكر من دافع من المفسرين عن النبي يونس عليه السلام:
قول الإمام الطبري:
وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عَنَى به: فظنّ يونس أن لن نحبسه ونضيق عليه، عقوبة له على مغاضبته ربه.
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة؛ لأنه لا يجوز أن ينسب إلى الكفر وقد اختاره لنبوته، ووصفه بأن ظنّ أن ربه يعجز عما أراد به ولا يقدر عليه، ووصف له بأنه جهل قدرة الله، وذلك وصف له بالكفر، وغير جائز لأحد وصفه بذلك(4).
قول الإمام الشنقيطي:
أما قول من قال: إن "لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ" من القدرة، فهو قول باطل بلا شك؛ لأن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله على كل شيء، كما لا يخفى(5)
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتبه: أبو عبد الغني عبد القادر شكيمة
الأربعاء 18 ذو القعدة 1436 هـ / 02/09/2015 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) التفسير الميسر: 329
(2) أضواء البيان:4/241
(3)الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي: 6/302
(4) تفسير الطبري: 18/516
(5) أضواء البيان: 4/241

أبو البراء 02 Sep 2015 09:49 AM

<جزاكم الله خيرا> أخي عبد القادر وبارك فيك على هذا التنبيه المهم، فكم ممن يحمل القرآن على لغته هو والمعهود من اصطلاحات قومه فيقع في الوهم والغلط، وقد رأيت كتيبًا عصريًّا جمع فيه صاحبه (100) آية يغلط الناس في معناها بسبب حملها على المعنى المتبادر إلى أذهانهم، والآية المذكورة هي فيه برقم (52)، وقد ذكر فيها نحو ما ذكرتم أثابكم الله.

أبو عبد السلام جابر البسكري 02 Sep 2015 10:39 AM

<جزاكم الله خيرا> أستاذ عبد القادر ، والله كنت أعتقد ذلك وأشك في نفسي أن النبي يونس عليه سلام بعيدا أن يقول هذا ، ثم رأيت تفسيرها وذهب ذلك الشك باليقين.

أحسن الله إليك يا أستاذ وبارك كذلك في شيخنا خالد.

أبو سلمة يوسف عسكري 02 Sep 2015 10:56 AM

<شكر الله لكم>؛
ومما يُذكر في هذا الباب ما اشتَهر على ألسِنَتِنا أنَّ المقصودَ من قوله تعالى: <{>وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ<}> -وهي بعض آية من آخر آية «المُدَايَنَة» من سورة البقرة-
أنَّ <<العلم ثمرةُ التَّقوى>>، لأن الآية كثيرا ما يُستدل بها عند الكلام على فضائل طلب العلم وثمراته، وتجدني واحدا ممن فهم هذا المعنى، حتى نبَّهني أحد إخواننا -جزاه الله خيرا-
<<بل هذا المعنى ممَّا اشتهر أيضا على ألسنة المتصوِّفة الاستدلال بها على ما سبق، يغطُّون بها تقاعسهم وإعراضهم عن الاشتغال بعلوم الشَّريعة من الفقه وغيره،
زاعمين أنَّ ما يأتونه في طريقتهم من الرِّياضة وتلاوة الأوراد والأحزاب تُثمر لهم العلومَ الإلهيَّة وغيرها بدون تعلُّم>> ([1]).

يقول ابن القيم <رحمه الله>: «وأمَّا قوله تعالى: <{>وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ<}> فليس من هذا الباب، بل هما جملتان مستقلَّتان: طلبيَّة وهي الأمر بالتَّقوى،
وخبريَّة وهي قوله تعالى
: <{>وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ<}>، أي: والله يعلِّمكم ما تتَّقون، وليست جوابًا للأمر بالتَّقوى، ولو أُريد بها الجزاء لأتى بها مجزومةً مجرَّدةً عن الواو،
فكان يقول: «
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمْكُمُ» أو «إن تتَّقوه يعلِّمكم» كما قال: <{>إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا<}> [الأنفال: 29]، فتدبَّره»([2]).

قال محمَّد بن جرير <رحمه الله> في «تفسيره» (5/121): «القول في تأويل قوله جلَّ ثناؤه: <{>وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (282)<}> يعني -جلَّ ثناؤه- بقوله: <{>وَاتَّقُوا اللَّهَ<}>: وخافوا الله أيُّها المتداينون في الكُتَّاب والشُّهود أنْ تضارُّوهم، وفي غير ذلك من حدوده أن تضيِّعوها.
ويعني بقوله: <{>وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ<}>: ويبيِّن اللهُ لكم الواجبَ لكم وعليكم فاعملوا به.
<{>وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ<}> يعني من أعمالكم وغيرها يحصيها عليكم فيجازيكم بها».

وقال أبو حيَّان <رحمه الله>: «وليست في معنى واحد؛ فالأولى حثٌّ على التَّقوى، والثَّانية تُذكِّر بالنِّعم، والثَّالثة تتضمَّن الوعد والوعيد» ([3]).

إلا أن معنى عبارة:
<<العلمُ ثمرةُ التَّقوَى>> صحيح؛ لكن يُستفاد من أدلة أخرى غير هذه الآية، منها قوله تعالى : <{>يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا<}> [الأنفال: 29]،
فالفرقان في هذه الآية العلم الَّذي يفرَّق به بين الحقِّ والباطل
([4])،
و
كذلك قوله تعالى: <{>
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)<}> [سورة الحديد]،
فقوله: <{>
وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ<}>، يعني عِلْمًا وهدًى تفرِّقون به بين الحقِّ والباطل([5]).

وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية <رحمه الله> :([6]):
<<وقد شاع في لسان العامَّة أنَّ قوله: <{>وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ<}> من الباب الأوَّل، حيث يستدلُّون بذلك على أنَّ التَّقوى سبب تعليم الله؛ وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدَّلالة؛
لأنَّه لم يربط الفعل الثَّاني بالأوَّل ربطَ الجزاء بالشَّرط، فلم يقل: «واتَّقوا الله ويعلِّمكم»
، ولا قال: «فيعلِّمكم»، وإنَّما أتى بواو العطف، وليس من العطف ما يقتضي أنَّ الأوَّل سبب الثَّاني، وقد يُقال: العطف قد يتضمَّن معنى الاقتران والتَّلازم، كما يُقال: «زرني وأزورك»، و«سلِّم علينا ونسلِّم عليك»، ونحو ذلك ممَّا يقتضي اقتران الفعلين والتَّعاوض من الطَّرفين،
كما لو قال لسيِّده: «أعتقني ولك عليَّ ألف» أو قالت المرأة لزوجها: «طلِّقني ولك ألف» أو «اخلعني ولك ألف»، فإنَّ ذلك بمنزلة قولها: «بألف» أو «عليَّ ألف».

وكذلك أيضًا لو قال: «أنت حرٌّ وعليك ألف» أو «أنت طالق وعليك ألف»؛ فإنَّه كقوله: «عليَّ ألف» أو «بألف» عند جمهور الفقهاء، والفرق بينهما قول شاذٌّ،
ويقول أحد المتعاوضين للآخر: «أعطيك هذا وآخذ هذا»، ونحو ذلك من العبارات، فيقول الآخر: «نعم»؛ وإن لم يكن أحدهما هو السَّبب للآخر دون العكس،
فقوله:
<{>وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ<}> قد يكون من هذا الباب، فكلٌّ مِنْ تعليم الرَّبِّ وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضيه، فمتى علَّمه الله العلم النَّافع اقترن به التَّقوى بحسب ذلك، ومتى اتَّقاه زاده من العلم وهلمَّ جرًّا>> اهـ.

والعلم عند الله تعالى.


فاصلفاصلفاصل
([1]) «تفسير المنار» (3/128)، بتصرف
([2]) «مفتاح دار السَّعادة» (1/178).
([3]) «البحر المحيط» (1/371)
([4]) «أضواء البيان» (2/260).
([5]) «أضواء البيان» (1/261).
([6]) «مجموع الفتاوى» (18/177 ـ 178).

بوزرارة حسان 02 Sep 2015 01:57 PM

السلام عليكم بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا

عبد القادر شكيمة 02 Sep 2015 04:09 PM

بارك الله فيك شيخ خالد على مرورك، وجزى الله خيرا الإخوة الأفاضل جابر، يوسف، حسان، على ما علقوا مستفيدين ومفيدين.

شعبان معتوق 02 Sep 2015 06:44 PM

<جزاكم الله خيرا> و بارك فيكم أخي عبد القادر على هذه الفوائد، و بذلك نعلمُ أهميةَ و فضلَ القراءة في كتب التَّفسِير و إمعانَ النَّظرِ فيها.

عبد القادر شكيمة 03 Sep 2015 07:45 PM

أحسن الله إليك أخي شعبان

فؤاد عطاء الله 10 Sep 2015 06:44 PM

جزاكم الله خيرا أخي العزيز الأستاذ عبد القادر وبارك الله في علمكم.

عبد القادر شكيمة 12 Sep 2015 04:11 PM

بارك الله فيك أخي فؤاد سررت بدعائك


الساعة الآن 06:31 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013