صدق الوفاء ... وبركة التواضع والدعاء
 

الحمد الله والصّلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فالخلق الحسن عبادة واسعة الأثر ... ولا يبلغ الطالب المعالي إلا بالاعتراف الصادق بفضل شيخه عليه قولا وعملا ، وما نال من سمته وتواضعه ليبقى ذلك الخلق متوارثا جيلا بعد جيل وبمثابة " التربية العلمية العملية " .
وخليل ابن إسحاق المالكي (ت 776 هج) صاحب "المختصر" ممن حاز قصب السبق في هذه المكارم ، فلقد كان محمود السيرة معروفا بالفضل والتقوى والزهد والتواضع والرباط ، قال عنه بن مخلوف : "مجمع على فضله وجلالته وجمعه بين العلم والعمل" (1) ، وكان لشيخه عبد الله المنوفي أحد شيوخ مصر وأفاضلها علما (ت 749 هج) الأثرُ الكبير على سلوكه ، ماجعله يترجم له في مؤلف مستقل والموسوم "بمناقب المنوفي" (2) وقف عليه ابن حجر كما في الدرر وأشار إليه ابن فرحون في الديباج . (3)
وقد بلغ شيخه من التواضع ولين الجانب مع الطلبة المستوى المرموق فقد ذكر خليل من حاله مع تلاميذه :
"كان مع عظيم علمه لا يدعي ..، بل يعترف بالتقصير ، ولا يرى نفسه أهلا للإقراء ... ويقول للطلبة :
نحن إخوان نتذاكر العلم ، فمن ظهر الحق معه قبلناه ."(4)
وأما خدمته لشيوخه ونيله منهم صالح الدعاء فهو مجاله، فقد ذكر ابن غازي المكناسي في "شفاء الغليل" :
ومما يحكى أنه جاء يوما إلى منزل بعض شيوخه ، فوجد كنيف المنزل مفتوحا ، ولم يجد الشيخ هناك فقيل له :
إنه يشوشه أمر هذا الكنيف ، فذهب - الشيخ - يطلب من يستأجر له على تنقيته ، فقال خليل :
أنا أولى بتنقيته ، فشمَّر ونزل ينقيه ، وجاء الشيخ فوجده على تلك الحال ، والناس قد حلّقوا ينظرون إليه تعجبا من فعله ، فقال الشيخ : من هذا ؟!!
قالوا خليل ، فاستعظم الشيخ ذلك ، وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونيّة صادقة ، فنال بركة دعائه، ووضع الله تعالى البركة في عمره ." (5)
هذا وإني أوصي نفسي وإخواني بحرمة المشايخ وتقديرهم وذكر مآثرهم وخدمتهم والنيل من حظ علمهم ودعائهم ....
ولله عاقبة الأمور ، وكتب : إسماعيل القارئ كان الله في عونه .
___________________________
(1) شجرة النور الزكية ص: 223
(2) مناقب الشيخ المنوفي لخليل مخطوط بالخزانة العامة
بالرباط تحت رقم : 3733 . من عزو وانتقاء د محمد
المصلح " كشف المصطلحات الفقهية " ص: 48
(3) الدرر الكامنة 86 /2 و الديباج 357 /1
(4) " مناقب المنوفي " السابق .
(5) "شفاء الغليل " لابن غازي ص: 2

أحسن الله إليك شيخ إسماعيل
نسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ من مثل هذه الموقف والأخلاق الراقية