منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   "في حكم اعتبار إذن الحاكم بالمظاهرات والمسيرات" للشيخ الأستاذ محمد علي فركوس ـ حفظه الله ـ (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=6961)

أبو الحارث وليد الجزائري 31 May 2011 04:30 PM

"في حكم اعتبار إذن الحاكم بالمظاهرات والمسيرات" للشيخ الأستاذ محمد علي فركوس ـ حفظه الله ـ
 
.:: في حكم اعتبار إذن الحاكم بالمظاهرات والمسيرات ::.
للشّيخ الفَاضِل أبي عَبدِ المعِزّ مُحمَّد عَلي فَركُوس - حفظه الله -

السـؤال:
هل إذنُ الحاكمِ بالمظاهراتِ والمسيراتِ يسوِّغها شرعًا؟ وهل يجوز المشاركةُ فيها؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمَّا بعد:
فالمظاهراتُ والمسيراتُ والإضراباتُ والاعتصاماتُ ليستْ من أعمالِ المسلمين، ولا من وسائلِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، ولا هي من الدينِ الإسلاميِّ الذي شرعه اللهُ لعبادِه، بل المظاهراتُ وأخواتُها -غالبًا- ما تكون جالبةً للفتنِ والمفاسدِ والأضرارِ، من سفكِ الدماءِ، وتخريبِ المنشآتِ، وتضييعِ الأموالِ، وتعطيلِ العملِ، وإشاعةِ الفوضى، واختلاطِ الذكورِ بالإناثِ، وغيرِها من موجاتِ الفسادِ والشرورِ التي تأباها الفطرةُ السليمةُ وينهى عنها الإسلامُ. إنَّ طلبَ تحصيلِ حقوقِ المتظاهرين والمُضْرِبين وإدراكِ غاياتِها الشريفةِ لا يسوِّغ وسائلَها وطُرُقَها، لأنَّ الإسلامَ يرفض النظريَّةَ الميكيافيليَّةَ القائلةَ إنَّ: «الغَايَةَ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ»، التي تجوِّز للفردِ التوصُّلَ إلى الغاياتِ النبيلةِ والمقاصدِ المشروعةِ بأيِّ وسيلةٍ وإن كانت ممنوعةً في الشرائعِ ومذمومةً في الفِطَرِ السليمةِ والأخلاقِ الفاضلةِ والأعرافِ.
وإنَّما الحقوقُ يُتوصَّل إليها بالمطالبةِ الشرعيَّةِ، وذلك بتحصيلِ الوسائلِ المشروعةِ أو إيجادِ البدائلِ الصحيحةِ التي تُغني عن الوسائلِ المنهيِّ عنها، قال ابنُ تيميَّةَ -رحمه الله-: «ليس كلُّ سببٍ نال به الإنسانُ حاجتَه يكون مشروعًا ولا مباحًا، وإنَّما يكون مشروعًا إذا غلبتْ مصلحتُه على مفسدتِه ممَّا أَذِنَ فيه الشرعُ»)، فلذلك كان حكمُ مخالَفةِ الشرعِ في الوسائلِ كحكمِ مخالفتِه في المقاصدِ، كلاهما يدخل في الوعيدِ الواردِ في قولِه تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، فإنَّ قولَه تعالى: ﴿أَمْرِهِ﴾ نكرةٌ مضافةٌ إلى معرفةٍ، فتفيد العمومَ وهي شاملةٌ لبابِ المقاصدِ والوسائلِ، وعليه فمن راعى شرعيَّةَ المقاصدِ وأهمل شرعيَّةَ الوسائلِ فشأنُه كمَن عمل ببعضِ الدينِ وترك بعضَه الآخَرَ، وقد قبَّح اللهُ هذا الفعلَ وأنكره على اليهودِ، قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 85]، وفي الآيةِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ الإيمانَ يقتضي فِعْلَ الأوامرِ واجتنابَ النواهي سواء في جانبِ المقاصدِ أو الوسائلِ.

هذا، وأسلوبُ المظاهراتِ والمسيراتِ والإضراباتِ من مضامينِ النظامِ الديمقراطيِّ الذي يَعُدُّ هذه الأساليبَ ظاهرةً صحِّيَّةً حيث إنَّ القوانينَ الوضعيَّةَ القائمةَ على هذا النِّظامِ تخوِّل للشعبِ أو لفئاتِه تصحيحَ الأوضاعِ السياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ والتربويَّةِ والمهنيَّةِ، والمطالبةَ بعلاجِ آفاتِها ومضارِّها بالتغييرِ إلى ما هو أسمى وأحسنُ انطلاقًا مِن هذه الأساليبِ، لذلك يأتي إذنُ الإمامِ الحاكمِ مبنيًّا على مقتضَياتِ النظامِ الديمقراطيِّ وتطبيقًا لقوانينِه التي تجعل الحاكميَّةَ للشعبِ: يصحّح نفْسَه بنفسِه، وهذا -بلا شكٍّ- مرفوضٌ شرعًا عند كلِّ موحِّدٍ، لأنَّ اللهَ تعالى لا يرضى بشركِ غيرِه له في الربوبيَّةِ والحكمِ ولا في الألوهيَّةِ والعبادةِ، ولم يأذنْ لغيرِه في التشريعِ، قال تعالى: ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 26]، وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: 21].

وعلى فرضِ أنَّ إذْنَ الحاكمِ بالمظاهَراتِ والمسيراتِ لم يكنْ مستمَدًّا ممَّا تُمليه عليه دساتيرُ الديمقراطيَّةِ؛ فإنَّ إذنَه لا يؤثِّر في الحكمِ ولا يصيِّر المنكرَ معروفًا ولا الممنوعَ مباحًا، ذلك لأنَّ المحرِّمَ والمبيحَ في الإسلامِ هو الشارعُ الحكيمُ نفْسُه، والطاعةُ له مطلقةٌ، وطاعةُ غيرِه تَبَعٌ لطاعتِه، ولا تكون إلاَّ في المعروفِ دون المعصيةِ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»).
هذا، والأسلمُ لدينِ المسلمِ أنْ لا يتوسّلَ إلى الخيرِ والمقاصدِ الحسنةِ بالشرِّ والفسادِ، وإنَّما يتوسَّل إلى كلِّ ما ظهرتْ مصلحتُه على مفسدتِه من مختلفِ الطاعاتِ وفعلِ الخيراتِ بسلوكِ الوسائلِ المأذونِ فيها شرعًا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الخمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين وسلم تسليما.

الجزائر في: 16 ربيع الثاني 1432ﻫ
الموافق ﻟ: 21 مارس 2011م


ــــــــــــــ
١- «مختصر الفتاوى المصريّة» لابن تيميّة (169).
٢- أخرجه البخاريّ في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7145)، ومسلم في «الإمارة» (1840)، من حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.



الساعة الآن 06:03 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013