منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   إرشاد الخلق إلى طريق التخلص من موانع قبول الحق (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=21941)

عبد الصمد سليمان 26 Oct 2017 10:09 PM

إرشاد الخلق إلى طريق التخلص من موانع قبول الحق
 
إرشاد الخلق إلى طريق التخلص من موانع قبول الحق
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه، وبعد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في هداية الحيارى ص39 1 :
وَالْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ كَثِيرَةٌ جِدًّا
فَمِنْهَا: الْجَهْلُ بِهِ، وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ وَعَادَى أَهْلَهُ.
فَإِنِ انْضَافَ إِلَى هَذَا السَّبَبِ بُغْضُ مَنْ أَمَرَهُ بِالْحَقِّ وَمُعَادَاتُهُ لَهُ وَحَسَدُهُ كَانَ الْمَانِعُ مِنَ الْقَبُولِ أَقْوَى.
فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ إِلْفُهُ وَعَادَتُهُ وَمُرَبَّاهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ وَيُعَظِّمُهُ قَوِيَ الْمَانِعُ.
فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي دُعِيَ إِلَيْهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَاهِهِ وَعِزِّهِ وَشَهَوَاتِهِ وَأَغْرَاضِهِ قَوِيَ الْمَانِعُ مِنَ الْقَبُولِ جِدًّا.
فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ خَوْفُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَجَاهِهِ كَمَا وَقَعَ لِهِرَقْلَ مَلِكِ النَّصَارَى بِالشَّامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ازْدَادَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ قُوَّةً، فَإِنَّ هِرَقْلَ عَرَفَ الْحَقَّ وَهَمَّ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُطَاوِعْهُ قَوْمُهُ وَخَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَاخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ قِصَّتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ:" الْحَسَدُ" فَإِنَّهُ دَاءٌ كَامِنٌ فِي النَّفْسِ، وَيَرَى الْحَاسِدُ الْمَحْسُودَ قَدْ فُضِّلَ عَلَيْهِ، وَأُوتِيَ مَا لَمْ يُؤْتَ نَظِيرُهُ، فَلَا يَدَعُهُ الْحَسَدُ أَنْ يَنْقَادَ لَهُ وَيَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ. وَهَلْ مَنَعَ إِبْلِيسَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ إِلَّا الْحَسَدُ؟! فَإِنَّهُ لَمَّا رَآهُ قَدْ فُضِّلَ عَلَيْهِ وَرُفِعَ فَوْقَهُ، غُصَّ بِرِيقِهِ وَاخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ.
التعليق:
اعلم رحمك الله أن هذه الأسباب المناعة من قبول الحق يمكن دفعها والتخلص منها مجتمعة أو منفردة بأمرين اثنين وهما العلم النافع والعمل الصالح وبيان ذلك كالتالي:
- فيدفع العبد السبب الأول الذي هو الجهل بضده وهو العلم؛ فيحرص على طلب العلم والاجتهاد في تحصيله، في أبواب الدين بأكملها عقيدة وعبادة وأخلاقا ومعاملة، ومن ذلك أن يحرص على الاطلاع على ما عند أهل السنة والجماعة؛ لأن كثيرا ممن يعاديهم ويحاربهم وينفر الناس عنهم إنما سببه أنه جاهل بما عندهم، لم يطلع على أدلتهم وبراهينهم النقلية والعقيلة في المسائل المختلفة، وهذا من أعظم أسباب الشقاق والفراق بين المسلمين، بل هو اليوم من أكبر أسباب الخلاف بين بعض السلفيين فيخالف أخاه دون أن يطلع على دليله، ولو اطلع على أدلته لكان من موافقيه ومناصريه والشادين لأزره والمقوين لساعده؛ ولذلك صدق ابن القيم رحمه الله حيث قال:" فَمِنْهَا: الْجَهْلُ بِهِ، وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ وَعَادَى أَهْلَهُ" فمن أكبر أسباب دفع هذا المانع المتفشي طلب العلم الشرعي.

- ويدفع السبب الثاني وهو أن يكون مبغضا للآمر بالحق معاديا حاسدا له بأن يجعل لزوم الحق مقصده، وقبوله غايته، أيا كان القائل به، والمرغب فيه، والحاث عليه؛ لأن رد الحق رذيلة ومضرة، وقبوله فضيلة ومسرة، ثم إن قبول الحق حتى ولو كان من المبغوض المحسود من أقوى الأدلة على أن القابل له عبد لله قاهر لهواه.
واعلم أن هذا السبب لوحده يمنع من قبول الحق فَإِنِ انْضَافَ إِلَى السبب الأول وهو الجهل قوي المانع كما قرر الإمام ابن القيم رحمه الله؛ ولذلك فدفعهما يكون بالعلم الرافع للجهل، والانقياد الدافع للعمل، ولو لا العلم ما انقاد للعمل؛ لأن العلم هو الذي يجعله مقدما للأعلى على الأدنى، ومؤثرا للدار الآخرة على حظوظ النفس الخاسرة.

- ويدفع السبب الثالث وهو الإلف والعادة وما تربى عليه مما كان عليه آباؤه ومن يحبه ويعظمه بالعلم تارة وبالعمل تارة أخرى:
بالعلم بأن يعلم النصوص الشرعية التي تنعى على الذي يتبع الآباء والأجداد والمعظمين المحبوبين في الباطل، ولا يتفكر فيما هم عليه من الاعتقاد الفاسد والعمل السافل، أولئك الذينعطل عقله وألغى فكره تعظيما لهم وإكبارا لشأنهم؛ ومن تلكم النصوص قول الله تعالى:" وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)" سورة الزخرف. وقال تعالى:" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)" سورة البقرة. وغيرها من الآيات.
وبالعمل بأن يوطن نفسه على مخالفة إلفه وعادته إذا خالفت شرع ربه، وأن يحدث عادة ثانية توافق الوحي ولو خالفت هواه طاعة لمولاه، وأن يروض نفسه على تعظيم الحق وتقديمه، ورد الباطل وتحقيره وأهله ولو كانت نفسه التي بين جنبيه، وهذا لا يهون على المرء إلا بالعلم الذي يصير هواه تبعا لما جاء به نبيه، ومحابه هي محاب خالقه، ومساخطه ما سخطه ربه ومولاه، أي فيصبح منقادا لله باطنا وظاهرا، متفاعلا مع شرعه الذي ترك لأجله فكره وعقله وذوقه واستحسانه، فضلا عن فكر وعقل وذوق واستحسان غيره.

- ويدفع السبب الرابع وهو تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي دُعِيَ إِلَيْهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَاهِهِ وَعِزِّهِ وَشَهَوَاتِهِ وَأَغْرَاضِهِ بالعلم والعمل أيضا:
فبالعلم يعرف ويتيقن أن لزوم الحق لا ينقص من جاهه وعزه، ولا يمنعه من شهواته وأغراضه؛ وإنما يحولها ويعلي من قدرها:
فبعد أن كانت جاها وعزا في الباطل، صارت جها وعزا في الحق الكامل، واعتبر ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم ورضي الله عنهم كيف أصبحوا أعز جانبا وأعظم جاها في الإسلام منهم في الجاهلية، بل اعتَبَروا عز الجاهلية الذي كانوا عليه ذلا أنقذهم الله سبحانه بالإسلام منه؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ" رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني رحمهم الله جميعا في السلسلة الصحيحة عند تخريجه للحديث رقم51.
أما بالنسبة لشهواته وأغراضه فبالعلم يعرف أنه لن يحرم منها، ولن يفقدها، بل ينال منها أطيبها وأنفعها، ويتجنب أخبثها وأضرها، ثم هي له يوم قيامة خالصة إن هو جانب مثيلاتها في الدنيا مما حرم الله عليه؛ قال الله تعالى:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)" سورة الأعراف.
وبالعمل يعلم يقينا أن الله يعزه ويرفع قدره ويعظم جاهه، كيف وقد صار له إن كان من أولياء الله جاها عظيما عند الله عز وجل تحصل له بسببه الخيرات وتنزل عليه به البركات؛فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ الرُّبَيِّعَ - وَهْيَ ابْنَةُ النَّضْرِ - كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ:" يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ". فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:" إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ" رواه البخاري ومسلم. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّبِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِيلأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" رواه البخاري.
وبالعمل والاستقامة على دين الله يعلم أن شهواته وأغراضه لا تضيع عليه، ولا تنقص منه؛ بل يستطيب منها ما لا يستطيبه غيره، ويجد من اللذة فيها ما لا يجده سواه؛ لأنه لا يتناول منها إلا الحلال الطيب في مكسبه وذاته.

- ويدفع السبب الخامس وهو خَوْفُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَجَاهِهِ بالعلم المزيل للأوهام والظنون، وبالعمل المثبت للحقائق والعلوم:
فبالعلم يعرف أن الطائعَ لربه المستسلمَ له الملتزمَ بالحق العاضَّ عليه له الأمن التام بقدر ما معه من الاستسلام، فلا يمكن لمن كان الله معه أن يتضرر ولو اجتمع الجن والإنس عليه، ونصوص الكتاب والسنة يؤكدان هذا ومنها: قال الله تعالى:" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)" سورة الأنعام. وقال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)" سورة النحل. وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ:" يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رواه الترمذي وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم 3051.
فإن امتحنه الله بأعدائه وتكالبوا عليه لم يضروه إلا أذى ثم تكون العاقبة له، ويمكنه الله من خصومه؛ قال الله تعالى:" لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)" سورة آل عمران، وقال تعالى:" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)" سورة الأعراف. وقال تعالى:" تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)" سورة القصص. واعتبر ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم كيف نصرهم الله سبحانه وجعل العاقبة لهم بعد أن آذاهم المشركون وأخرجوهم من ديارهم وتسلطوا على أموالهم وممتلكاتهم.
وبالعمل تندفع تلك الأوهام عنه، وتضمحل من قلبه؛ لأنه بمجرد أن يلزم الحق يعلم يقينا بأن ما خوفه منه الشيطان من ضرر يناله من المخالفين للحق - من العشيرة والأهل والأصحاب - في نفسه وماله لا حقيقة له، ولا أثر لوجوده، وأن جاهه وسلطانه الذي خاف بلزوم الحق ذهابه بقي عنده، ولم يسلب منه؛ فهرقل عظيم الروم الذي ترك لزوم الحق والإيمان به خوفا من عشيرته وقومه، ومن أن يسلب ملكه منه، فكفر بالله إبقاء على سلطانه، كان واهما؛ ومن أعظم ما يدل على وهمه، ووهم من يفكر كمثله؛ قصة النجاشي رحمه الله الذي آمن بالله واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أبقاه الله حاكما في بني قومه، معظما عندهم، ومكرما بينهم، مع كفرهم وإيمانه، ومخالفتهم واتباعه، إلى أن لقي الله سبحانه فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب ومدحه وأثنى عليه عند أصحابه، وحتى لو فرضنا أن الملك يزول عنه ويسلب منه فهو شيء تافه لا قيمة له مع ملك الآخرة الذي لا يفنى، ثم كم من مَلِكٍ زال عنه ملكه وسلب من بين يديه ولم يكن ذلك في سبيل الله ولا بسبب لزوم طريق رسول الله، فلزوم الحق ليس هو سبب زوال الملك عند من نور الله بصيرته.

- ويدفع السبب السادس وهو الحسد وهو أعظمها بالعلم الذي يجلي حقيقته ويبرز قبحه وبشاعته فينفر النفوس السليمة عنه وبالعمل بشرع الله الذي يبقيه في مكمنه ولا يسمح له بالخروج للإفساد منه:
فبالعلم يعلم قبح الحسد وشناعته ومفاسده التي تترتب عليه والأدلة التي تمنع منه وتنفر عنه، فيعلم أن الحسد كامن في النفوس وأن المطلوب من العبد تركه، وعدم العمل به والاستجابة له؛ لأنه اعتراض على الله، واستجابة للشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وتشبه بالشيطان واليهود، واعتداء على إخوانه المسلمين، وضلال عن الصراط المستقيم، ومع هذا كله فهو غير مجد عن صاحبه، ولا نافع له، ولا محقق لأغراضه، فهو من كبائر الذنوب التي يجب أن ينزه نفسه عنها، ويطهر قلبه منها.
وبالعمل بالشرع يتخلص منه ويسلم من شروره المترتبة عليه، وإلا فلا يخلو جسد منه؛ كما قال الحسن البصري رحمه الله:" مَا خَلَا جَسَدٌ مِنْ حَسَدٍ لَكِنَّ اللَّئِيمَ يُبْدِيهِ وَالْكَرِيمَ يُخْفِيهِ. وَقَدْ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ؟ فَقَالَ مَا أَنْسَاك إخْوَةَ يُوسُفَ لَا أَبَا لَك وَلَكِنْ عَمَهٌ فِي صَدْرِك فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّك مَا لَمْ تَعْدُ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج10 ص77 2 بعد أن نقل هذا الأثر:" فَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَسَدًا لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ التَّقْوَى وَالصَّبْرَ. فَيَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ دِينٌ لَا يَعْتَدُونَ عَلَى الْمَحْسُودِ فَلَا يُعِينُونَ مَنْ ظَلَمَهُ وَلَكِنَّهُمْ أَيْضًا لَا يَقُومُونَ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ بَلْ إذَا ذَمَّهُ أَحَدٌ لَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى ذَمِّهِ وَلَا يَذْكُرُونَ مَحَامِدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ مَدَحَهُ أَحَدٌ لَسَكَتُوا وَهَؤُلَاءِ مَدِينُونَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ فِي حَقِّهِ مُفَرِّطُونَ فِي ذَلِكَ؛ لَا مُعْتَدُونَ عَلَيْهِ وَجَزَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ يَبْخَسُونَ حُقُوقَهُمْ فَلَا يُنْصَفُونَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ وَلَا يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ كَمَا لَمْ يَنْصُرُوا هَذَا الْمَحْسُودَ وَأَمَّا مَنْ اعْتَدَى بِقَوْلِ أَوْ فِعْلٍ فَذَلِكَ يُعَاقَبُ. وَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الظَّالِمِينَ نَفَعَهُ اللَّهُ بِتَقْوَاهُ".

والخلاصة: أن هذه ستة أمور تمنع من قبول الحق والانقياد له، وتوجد غيرها اقتضى المقام من الإمام ابن القيم رحمه الله أن لا ينبه عليها؛ كالكبر وغيره، والذي يعنينا ويهمنا الآن أن نعرف أن من أعظم ما يخلص منها، ويعينك على دفعها: العلم النافع، والعمل الصالح، فاجتهد فيهما قدر استطاعتك، واعلم أن خيري الدنيا والآخرة معلقان بهما فابذل فيهما وسعك، والله هو الموفق لا إله غيره.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان.
الجمعة 06 صفر 1439 هـ / 27/10/2017 م

- 1-طبعة دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع تحقيق عثمان جمعة ضميرية إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد.
- 2-طبعة دار الوفاء اعتنى بها وخرج أحاديثها عامر الجزار وأنور الباز.

أبو عبد الله محمد بن عامر 28 Oct 2017 07:24 PM

جزاكم الله خيرا أبا عبد السلام ، ما أحوج إخوانك إلى مثل هذه الكلمات النافعة من ابن القيم ، و التعليقات الجياد التي جادت بها قريحتكم و خطتها يمينكم ، فسلمكم الله أخانا المفضال عبد الصمد .

عبد الصمد سليمان 03 Nov 2017 06:02 AM

جزاك الله خيرا أبا عبد الله وبارك فيك على كلماتك الطيبة وجعلك مباركا حيثما كنت

لزهر سنيقرة 03 Nov 2017 09:53 AM

بوركت أخي الحبيب، مقالة في الصميم كلنا محتاج لما تضمنته من تلك المعاني الجليلة والآثار المنيرة للطريق، وفقك الله أخي عبدالصمد وزادك علما وحلما ونفع الله بك إخوانك

أبو الضحى سالم ناسي 03 Nov 2017 03:22 PM

بارك الله فيك أخي الفاضل على ما رقمت يمينك
وللإضافة فللعلامة السعدي رحمه الله تعالى رسالة نافعة لطيفة بعنوان (سؤال وجواب في أهم المهمات في تعليم أصول الإيمان وبيان موانع الإيمان ) ذكر فيها مجموعة من موانع قبول الحق وقد كنت حاولت نظم بعضا منها تجدها على هذا الرابط :

http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=17237

يوسف صفصاف 04 Nov 2017 11:57 AM

جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب عبد الصمد
والله اشتقنا إليكم

معبدندير 04 Nov 2017 04:40 PM

جزاكم الله خيرا

عبد الصمد سليمان 04 Nov 2017 06:17 PM

جزاكم الله خيرا إخواني الكرام على تعليقاتكم وأدعيتكم والشوق متبادل أخانا يوسف أسأل الله أن يجمعنا دائما على طاعته هذا أولا
وثانيا أخص بالشكر شيخنا الكريم ووالدنا الحميم أزهر حفظه الله ورعاه على كلماته الطبية وأدعيته الكريمة وأقول له جزاك الله خيرا واكرمك وادامك ناصحا ومربيا ومشجعا لأبنائك وطلبتك وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظك ويرفع قدرك في الدنيا والآخرة آمين

أبو أنس بلال بوميمز 05 Nov 2017 12:54 AM

جزاك الله خيراً أخي عبد الصمد سليمان

عبد الصمد سليمان 06 Nov 2017 09:44 AM

وانت جزاك الله خيرا أبا أنس وبارك فيك

أسامة لعمارة 09 Nov 2017 03:59 PM

جزاك الله خيرا أخي عبد الصمد ونفع بك.

عبد الصمد سليمان 10 Nov 2017 10:19 AM

جزاك الله خيرا أخانا الكريم وبارك فيك وسدد على الحق خطاك

أبو صهيب موسى البشاري 13 Nov 2017 04:01 PM

جزاك الله خيرا اخي عبد الصمد على ما أنرت به صفحات هذا المنتدى المبارك و بينت به دواء نافعا لقلب السالك فما أحوجنا الى مثل ما يرشد الخلق الى طريق الحق بوركت اخي ودمت خادما لهذه الدعوة المباركة

محمد بن شريف التلمساني 14 Nov 2017 02:45 PM

بارك الله فيك أخي أبو عبد السلام و نسأل الله ان ينفعنا بهذا المقال القيم

عبد الصمد سليمان 15 Nov 2017 07:30 AM

جزاكما الله خيرا وبارك فيكما ونفع سبحانه وتعالى بكما وجعلكما مباركين أينما كنتما


الساعة الآن 06:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013