منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   (فائدة) من مبتكرات القرآن التقييد و التخصيص. (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=20314)

أبو عبد الرحمن العكرمي 03 Feb 2017 08:20 PM

(فائدة) من مبتكرات القرآن التقييد و التخصيص.
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله على نبيه و مصطفاه و آله وصحبه و من والاه و بعد :





قال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير و التنوير" (مجلد1/ص120) , ساردا أضربًا من المبتكرات القرآنية في البلاغة و الخطابة و النظم و القصص : (و أعدّ من جملة ذلك أنه جاء بالجمل الدالة على معانٍ مفيدة محررة شأن الجمل العلمية والقواعد التشريعية,فلم يأت بعموميات شأنها التخصيص غير مخصصة , و لا بمطلقات تستحق التقييد غير مقيدة , كما كان يفعله العرب لقلة اكتراثهم بالأحوال القليلة و الأفراد النادرة ,مثاله قوله تعالى : {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون} وقوله: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير (أ)هدى من الله} فبيّن أنّ الهوى قد يكون محمودا إذا كان هوى المرء عن هدى , وقوله{إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا} ).اهـ


و في تلك الأمثلة التي سردها العلامة ابن عاشور –رحمه الله- تدليل على الابتكار القرآني المقصود بالبيان , ففي مثل قوله تعالى : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون} (الآية 95 سورة النساء) بيانٌ لما كان شأنه التقييد فقُيِّد و لم يهمل , لكيلا يظلم أحد شيئا , و لا يحمّل اْمرء ما لا يطيق من جهد , و المعنى لا يستوي القاعدون من المؤمنين و المجاهدون منهم عند الله, فلكل مكانة بحسب بذله و جهده , إلاّ أن يكون القاعد من أولي الضرر , فإنه غير مقصود بالمفاضلة , و هو التقييد المقصود من عموم المفاضلة بين العامل و العاطل و لو كان من المؤمنين ,و لذلك يقول ابن كثير رحمه الله تعالى : (فقوله تعالى :{لا يستوي القاعدون من المؤمنين}كان مطلقا ، فلما نزل بوحي سريع:{غير أولي الضرر}صار ذلك مخرجا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد - من العمى والعرج والمرض - عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.


ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين ، قال ابن عباس: {غير أولي الضرر}وكذا ينبغي أن يكون لما ثبت في الصحيح عند البخاري من طريق زهير بن معاوية ، عن حميد ، عن أنس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه "قالوا : وهم بالمدينة يا رسول الله ؟ قال:"نعم حبسهم العذر"(1) ).اهـ


وقد ساق قبل ذلك الإمام ابن كثير –رحمه الله- حديث البخاري -رحمه الله- عن البراء –رضي الله عنه- في نزول الآية و اعتذار ابن أم مكتوم-رضي الله عنه – وقت نزولها و كتابتها بالعمى المانع من الجهاد , فكان أن نزل الله قوله :{غير أولي الضرر} (2) , و أورد البخاري –أيضًا- طريقا أخرى ساقها ابن كثير –أيضا- من حديث زيد بن ثابت –رضي الله عنه- يصف فيها كيف كان نزول الوحي بقوله تعالى :{غير أولي الضرر} فيقول –رضي الله عنه-: (فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفخذه على فخذي ، فثقلت علي حتى خفت أن تُرَّضَ فخذي ، ثم سري عنه ، فأنزل الله : (غير أولي الضرر)(3).


و في الثاني من قوله تعالى : {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} (الآية 50 سورة القصص) يقول الإمام ابن جرير الطبري –رحمه الله – في تفسيره : (يقول تعالى ذكره : {وَمَنْ أَضَلُّ}عن طريق الرشاد, وسبيل السداد ممن اتبع هوى نفسه بغير بيان من عند الله, وعهد من الله)اهـ


يشير ابن جرير-رحمه الله- إلى المعنى في تقييد المطلق من مبتكرات القرآن , إذ حكم بالضلالة , بل بغاية ما يكون منه , فقال :{ومنْ أضل} و المعنى لا أحد أضلُّ من الذي اتبع هواه , ثم عطف بقوله تعالى : { بغير هدًى من الله} أي : إلا أن يكون هواه موافقا لمراد الله , منساقا في مراضيه , ببيان الله و هداه . و في بيان معنى العموم المنفيِّ المأخوذِ من قوله تعالى :{و من أضلُّ} يقول ابن عاشور –رحمه الله-: (و {مَنْ}اسم استفهام عن ذات مبهمة وهو استفهام الإنكار فأفاد الانتفاء فصار معنى الاسمية الذي فيه في معنى نكرة في سياق النفي أفادت العموم فشمل هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم وغيرهم).اهـ


و يقول –رحمه الله- تتميما لبيان المعنى : (وقوله {بغير هدى من الله} الباء فيه للملابسة وهو في موضع الحال من فاعل {اتبع هواه} وهو حال كاشفة لتأكيد معنى الهوى لأن الهوى لا يكون ملابساً للهدى الرباني ولا صاحبه ملابساً له لأن الهدى يرجع إلى معنى إصابة المقصد الصالح).اهـ


-هذا تمام ما أحببت الإفادة به , فإن كان من صواب في الجمع فمن توفيقه و هداه , وإن كان من زلل فمن نفس عجولة ! و لعلي أطرح ختاما اشكالا على تفسير العلامة ابن عاشور للآية الأخيرة , و ذلك حين حكمه باعتبار قوله تعالى : { بغير هدى من الله} في موضع حالٍ كاشفةٍ لتأكيد المعنى!

إذ كيف يصح هذا الاعتبار للكشف , و قد اعتُبِرَ قبلُ التقييد!


و لا شك أن الكشف و التقييد متنافران , فالكشف زيادة إظهار و بيانٍ , و التقييد تخصيص للمفهوم , كما هو معلوم! فهل كلام ابن عاشور من باب ذكر الأوجة المتعددة في التفسير , أم أن للاشكال صورة جمعٍ لم يدركها فكري الهزيل ,ورحم الله امرءً علّق فأفاد.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(أ) في تفسير العلامة الطاهر سقط قوله تعالى :{بغير} , فليصحح من عنده التفسير.
(1)صحيح البخاري .كتاب المغازي حديث رقم 4423.مسند الإمام أحمد.رقم12874.
(2) صحيح البخاري.كتاب الجهاد رقم 2831.
(3) صحيح البخاري.كتاب الجهاد رقم 2832.


الساعة الآن 06:58 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013