منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   مـا أحـوجـنـا لـلـشـورى للشيخ سمير المبحوح (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=4095)

رائد علي أبو الكاس 07 Mar 2010 09:56 PM

مـا أحـوجـنـا لـلـشـورى للشيخ سمير المبحوح
 
بسم الله الرحمن الرحيم
مـا أحـوجـنـا لـلـشـورى


الحمد لله ربِّ العالمين, و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.

اهتم الإسلام كثيراً بمبدأ الشورى ,و جعلها مِن صفات المؤمنين , لأنّ حياتهم تقوم على الشورى, بل أمْرُهم كلُّه شورى بينهم , و ذلك لينتفع الناس بها , و يمارسونها في حياتهم وواقعهم , و مِن خلالها يتم التوصل إلى إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لأوضاعهم و مشكلاتهم.

قال تعالى:" و أمْرُهم شورى بينهم " و قال :" فاعفُ عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر "

قال ابن عطية – رحمه الله - :" و الشورى مِن قواعد الشريعة و عزائم الأحكام , مَنْ لا يستشير أهل العلم و الدين , فعزله واجب , هذا ما لا خلاف فيه "
( تفسير ابن عطية 3 / 397 )
و قال ابن خويز منداد :" واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون , و فيما أشكل عليهم مِن أمور الدين , ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب , ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح , ووجوه الكتّاب و الوزراء و العمال فيما يتعلق بمصالح العباد و عماراتها "
( تفسير القرطبي 4 / 261 )
و إذا كان النبي – صلى الله عليه و سلم – المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى , قد أمره الله – عز و جل – أن يستشير أصحابه , فكيف بغيره مِن الأمراء و العلماء و طلاب العلم , فهي في حقهم أوجب .

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال:"ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه مِن رسول الله

– صلى الله عليه و سلم– "
( رواه أحمد و الشافعي )
فشاور – صلى الله عليه و سلم – صحابته يوم بدر في الذهاب إلى العير , و شاورهم أين يكون المنزل , و شاورهم في أحد في القعود في المدينة أو الخروج إلى العدو , و شاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة , و شاورهم يوم الحديبية , و شاورهم في حادثة الإفك , وغيرها مِن المواقف .

قال – صلى الله عليه و سلم – لأبي بكر و عمر :" لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما "
( رواه أحمد و إسناده حسن )
و لقد مارس الصحابة – رضي الله عنهم – مِن بعد رسول الله – صلى الله عليه و سلم – الشورى في حياتهم , فقد كان أبو بكر- رضي الله عنه- يكثر مِن مشاورة عمر – رضي الله عنه- و كان أحياناً يجمع الصحابة – رضي الله عنهم - يستشيرهم في أمر لا يجد فيه نصاً مِن الكتاب و السنة , و استشار عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – الناس في الخليفة الذي يخلف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – و ما حصل في سقيفة بني ساعدة فيمن يخلف رسول الله – صلى الله عليه و سلم- .

و إذا كانت المرأة الكافرة بلقيس ملكة سبأ باليمن لم تنفرد برأيها عندما جاءها الكتاب مِن نبي الله سلــيمـان – عليه السلام - يطلب منها الدخول في دين الله , بل استشارت الملأ مِن قومها , قال تعالى :" و قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون "

و لهذا نحن أولى بالشورى مِن هذه المرأة الكافرة و ألزمُ بها , يا مَنْ تنفردون بآرائكم بدون استشارة العلماء و إخوانكم مِن طلاب العلم , و ذلك لأنها الطريق السليم التي يُتوصل بها إلى أحسن و أفضل الآراء و الحلول لتحقيق المصالح العامة للأفراد و الجماعات و الدول , و هي سبب مِن أسباب النصر و التمكين . ففي أثناء الفتح الإسلامي لأرض فارس , طلب قائد جيش الفرس أنْ يلتقي بالقائد العربي قبل المعركة ليتفاوض معه في حقن الدماء , و بعد أنْ عرض الفارسي مقالته , قال العربي :أمهلني حتى أستشير القوم , فدُهش الفارسي و قال : ألستَ أمير الجند ؟ قال : بلى , قال الفارسي : إننا لا نُؤمِّر علينا مَنْ يشاور , قال له العربي : و لهذا نحن نهزمكم دائماً , أما نحن فلا نؤمِّر علينا مَنْ لا يشاور "
( الحرية السياسية في الإسلام ص 188 )
فعلى الأمراء و العلماء و طلبة العلم أنْ يتّخذوا بطانة صالحة لهم مِن أهل الحل و العقد مِن الأمناء و أصحاب العقول الراجحة , و مَن له حظ و افر في العلم و الدين , و أهل الاختصاص في أمور الحياة , لأنّ المستشار مؤتَمن , كما جاء في الحديث :" المستشار مؤتَمن"
( رواه ابن ماجه و الحديث صحيح )
و قال – صلى الله عليه و سلم - :" إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق : إنْ نسي ذكّره , و إن ذكر أعانه , و إذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره , و إن ذكر لم يُعِنْه "
( رواه أبو داود و الحديث صحيح )
قال الإمام القرطبي – رحمه الله - :" قال العلماء : وصِفة المستشار إنْ كان في الأحكام أنْ يكون عالماً ديِّناً , و قلما يكون ذلك إلا في عاقل . قال الحسن : ما كمُل دين أمريءٍ ما لم يكمل عقله , فإذا استُشير مَنْ هذه صفته و اجتهد في الصلاح و بذل جهده فوقعت الإشارة خطأ , فلا غرامة عليه "
( تفسير القرطبي 4 / 262 )
و النبي – صلى الله عليه و سلم – حثَّ على اتخاذ البطانة الصالحة التي تقوِّم ما اعوجَّ مِن سلوك أو تقصير , و خاصةً مِن أصحاب المكانة الرفيعة مِن الأمراء و العلماء .

قال – صلى الله عليه و سلم - :" ما بعث الله مِن نبي و لا استخلف مِن خليفة إلا كانت له بطانتان , بطانة تأمره بالمعروف و تحضّه عليه , و بطانة تأمره بالشر و تحضّه عليه , فالمعصوم مَنْ عصم اللهُ تعالى "
( رواه البخاري )
قال أبو عبيدة :" البطانة : الدخلاء , و الدخيل : هو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته , و يُفضي إليه بسره , و يصدقه فيما يخبر به مما يخفى عليه مِن أمر رعيته و يعمل بمقتضاه "
( فتح الباري 13 / 190 )
و نقل ابن التين عن أشهب أنّه ينبغي للحاكم أنْ يخذ مَن يستكشف له أحوال الناس في السرّ , و ليكن ثقة مأموناً فطناً عاقلاً , لأنّ المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون مِن قََبُوله قول مَن لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به , فيجب عليه أنْ يتثبت في مثل ذلك "
( المصدر نفسه 13 / 190 )
فما أحوجنا إلى مثل هذه البطانة الصالحة , التي تتقِ الله في الرعية و تخشاه , لأنّه ليس كل واحد منهم يصلح لأنْ يكون مِن أهل الشورى "

قال الإمام الزهري – رحمه الله - :" نِعم وزير العلم الرأي الحسن "
( رواه الدارمي في المقدمة )
و قال – صلى الله عليه و سلم – ما مِن نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له مِن أمته حواريون و أصحاب يأخذون بسنته و يتقيدون بأمره ..... الحديث "
( رواه مسلم )
قال قتادة - رحمه الله - : الحواري هو الذي يصلح للخلافة , و عنه : هو الوزير , و عن ابن عيينة : هو الناصر.

كما حذرنا الله – عزّ و جلّ – مِن اتخاذ البطانة السيئة , قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً مِن دونكم لا يألونكم خبالاً " قال ابن كثير – رحمه الله - : يقول الله تبارك و تعالى : ناهياً عباده المؤمنين مِن اتخاذ المنافقين بطانة : أي يطلعونهم على سرائرهم و ما يضمرونه لأعدائهم , و المنافقون بجهدهم و طاقاتهم لا يألون المؤمنين خبالاًُ , أي يسعون في مخالفتهم و ما يضرُّهم بكل ممكن , و بما يستطيعون مِن المكر و الخديعة "
( تفسير القرآن العظيم 1 / 595 )
و قدِمَ أبو موسى الأشعري على عمر – رضي الله عنهما – بحساب فرفعه إلى عمر فأعجبه , و جاء عمر بكتاب , فقال لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس ؟ فقال : إنه لا يدخل المسجد , فقال : لِمَ ! أجُنُبٌ هوَ ؟ قال : إنه نصراني , فانتهره , و قال : لا تُدنِهم و قد أقصاهم الله , و لا تكرمْهم و قد أهانهم الله , و لا تأمنْهم و قد خوّنهم الله "
( تفسير القرطبي 4 / 188 )
و لأهمية الشورى , يا حبّذا لو سلكنا نحن معشر طلاب العلم مسلك النبي – صلى الله عليه و سلم – و صحابته الكرام , مبدأ الشورى مع علمائنا و مشايخنا و إخواننا مِن طلبة العلم الثقات , مِن قبل أن نتعجل في إصدار الأحكام و اتخاذ القرارات الفردية , حتى نتدارك الأخطاء و العيوب التي فينا مِن قبل الندم , حين لا ينفع الندم , و نكون سبباً في انحراف بعض الشباب عن منهج الأنبياء و الرسل في الدعوة إلى الله , و بهذا نكون قد تفادينا كثيراً مما نعاني منه مِن الأنانية و حب الذات و الشهرة .


و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

كتبه

سمير المبحوح

25 / ربيع الأول / 1431 هـ



الساعة الآن 11:02 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013