منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   قاعدة شريفة نافعة في باب الصفات (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=8602)

عبد العزيز بوفلجة 21 May 2012 01:16 PM

قاعدة شريفة نافعة في باب الصفات
 
بسم الله الرحمن الرحيم

قاعدة شريفة نافعة في باب الصفات
الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل


الحمد لله أولاً وآخراً, ظاهراً وباطناً, له الثناء الحسن لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه, وأصلي وأسلم على السراج المنير, والهادي البشير, النبي الأمي, محمد رسول الله, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى من اقتفى أثره إلى يوم الدين, أما بعد:
فباب الصفات من أشرف الأبواب على الإطلاق؛ إذ هو متعلق بأشرف المعلومات على الإطلاق, فشرف العلم يتبع شرف المعلوم, وباب الصفات أحد أركان التوحيد التي لا يتم إيمان العبد إلا بها, فمن لم يوحد الله -عزوجل- في صفاته وأسمائه وألوهيته وربوبيته لم يكن موحدا ناجيا, فهذه الأركان متلازمة لا تنفك عن بعضها البعض.

ولقد اهتم أئمة السلف -رحمهم الله- بالأبواب كلها, فلم يغفلوا بابا واحدا من تلك الأبواب, لكن كان اهتمام -رحمهم الله- في بدء الأمر بالتركيز على باب الأسماء والصفات؛ إذ قد ظهر في الأمة آنذاك بدعة الجهمية المعطلة, النفاة لصفات الرب -عزوجل-, وكان لازم مذهبهم تعطيل عبادة الرحمن, فتصدوا لهذه البدعة الشنعاء, فصنفوا المصنفات في تقرير مذهب السلف والرد عليهم, نصرةً لدين الله -عزوجل-, وإعلاءً لكلمة التوحيد, وكان في كلامهم الشفا والغنية عن ما أحدثه المتكلمون من علم الكلام, فتضمن كلامهم من القواعد والأصول والضوابط ما قطع حجة كل معطل جاحد.

وكان من تلك الأصول السلفية, والقواعد السُّنية: قاعدة الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل.فهذه القاعدة العظيمة تعد أصلا سلفيا استعمله السلف والأئمة في تقرير ثبوت الصفات بذات الرب -عزوجل-, وفي الرد على المعطلة بدرجاتهم في إنكارهم قيام الصفات بذات الرب -عزوجل-, وهي وإن لم يكن مصرحا بها بهذه الطريقة في كلام من تقدم من أئمة السلف, إلا أن كلامهم -رحمهم الله- كان متضمنا لها, لكن جاء بعدهم من الأئمة من حررها وقررها بهذه الطريقة -كما سيأتي ذكر كلامهم-.

وشرح القاعدة: أن الصفة لا بد لها من محل تقوم به؛ إذ لا يتصور صفة لا محل لها قائمة به, فالصفات لا تقوم بأنفسها, وإذا قامت الصفة بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره, فالعلم إذا قام بمحل كان ذلك المحل هو العالم, والكلام إذا قام بمحل كان ذلك المحل هو المتكلم, والإرادة إذا قامت بمحل كان ذلك المحل هو المريد, وهكذا طرد هذا الأصل في جميع الصفات, سواءً كانت صفات ذاتية؛ كالسمع والبصر والقدرة وأمثالها, أو صفات فعلية؛ كالخلق والرزق والإحسان والعدل, والاستواء والنزول والضحك والفرح, ونحو ذلك.

وهذا كما أن الحركة والسواد والبياض وغيرها لا بد لها من محالٍّ تقوم بها, وإذا قامت بمحالها عاد حكمها على تلك المحالِّ, فمن قامت به الحركة فإنه يسمى متحركاً, ومن قام به السواد فإنه يوصف بالسواد, ومن قام به البياض فإنه يوصف بالبياض وهكذا, وهذا مما هو معلوم ببدائه العقول, وهو مستقر في فطر الناس تعلمها قلوبهم علما فطريا ضروريا.

وإن شئت قلت على وجه التفصيل: أن الصفة إذا قامت بمحل لزمها أربعة أمور:

الأمر الأول: أن يشتق لذلك المحل منها اسم, كما يشتق لمحل العلم عليم, ولمحل السمع سميع, ولمحل البصر بصير, وهكذا, ويمكن أن تستفيد هاهنا قاعدة أخرى نافعة في باب الصفات - يحسن إفرادها-, وهي: قاعدة( صدق المشتق لا ينفك عن صدق المشتق منه)..

الأمر الثاني: أن يعود حكمها على ذلك المحل دون غيره, فمن قام به صفة الكلام كان هو المتكلم دون من لم يقم به, ومن قامت به صفة الإرادة كان هو المريد بهذه الإرادة دون غيره, وهكذا طرد هذا الأصل في جميع الصفات.

فهذان أمران ثبوثيان, وهما أهم ما في المسألة, ويلزم منهما أمران سلبيان؛ إذ من لوازم الإثبات النفي, وهما:

الأمر الثالث: وهو يقابل الأمر الأول, وهو أن يمتنع اشتقاق الاسم لغير ذلك المحل, كما يمتنع أن يشتق لمن من لم يقم به صفة العلم اسم العليم, وهكذا باقي الصفات.

الأمر الرابع: وهو يقابل الأمر الثاني, وهو أن لا يعود حكمها على غير ذلك المحل, فالمتكلم هو من قام به صفة الكلام, لا من قام بغيره.

وهذا الأصل السلفي حرره وقرره بهذه الطريقة: إمامان من أئمة السنة -أعني: ابن تيمية الحراني, وتلميذه ابن قيم الجوزية -رحمهما الله-, وتبعهما على ذلك أهل السنة والجماعة, وأنا أورد بعض كلامهما ثم أتبع ذلك ببيان أصله ومبدئه.

يقول ابن تيمية: (فإن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل, ولم يعد على غيره, واشتق لذلك المحل منه اسم ولم يشتق لغيره). منهاج السنة النبوية(3/355),
ويقول أيضا: (وهنا أربع مسائل: مسألتنا عقليتان, ومسألتان سمعيتان لغويتان:
الأولى: أن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها إلى ذلك المحل, فكان هو الموصوف بها, فالعلم والقدرة والكلام والحركة والسكون إذا قام بمحل كان ذلك المحل هو العالم القادر المتكلم, أو المتحرك أو الساكن.
الثانية: أن حكمها لا يعود على غير ذلك المحل؛ فلا يكون عالما بعلم يقوم بغيره, ولا قادرا بقدرة تقوم بغيره, ولا متكلما بكلام يقوم بغيره, ولا متحركا بحركة تقوم بغيره, وهاتان عقليتان.
الثالثة: أنه يشتق لذلك المحل من تلك الصفة اسم إذا كانت تلك الصفة مما يشتق لمحلها منها اسم, كما إذا قام العلم أو القدرة أو الكلام أو الحركة بمحل, قيل عالم أو قادر أو متكلم أو متحرك, بخلاف أصناف الروائح التي لا يشتق لمحلها منها اسم .
الرابعة: أنه لا يشتق الاسم لمحل لم يقم به تلك الصفة فلا يقال لمحل لم يقم به العلم أو القدرة أو الإرادة أو كلام أو الحركة إنه عالم أو قادر أو مريد أو متكلم أو متحرك) شرح الأصبهانية(ص484) -دار المنهاج-.
وانظر من كتبه أيضاً: التسعينية(2/443), ومجموع الفتاوى(12/434).

ويقول ابن القيم: (الصفة متى قامت بموصوف لزمها أموراً أربعة: أمران لفظيان, وأمران معنويان:
فاللَّفظيان: ثبوتي وسلبي؛ فالثبوتي: أن يشتق للموصوف منها اسم, والسلبي: أن يمتنع الاشتقاق لغيره.
والمعنويان: ثبوتي وسلبي؛ فالثبوتي: أن يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه, والسلبي: أن لا يعود حكمها إلى غيره, فهذه قاعدة عظيمة في معرفة الأسماء والصفات))بدائع الفوائد(1/292) -دار عالم الفوائد-.

وأما عن أصله ومبدأه, فهذه بعض النقول عن بعض الأئمة الفحول:

روى أبو القاسم اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة)-(1/291) رقم: (451)- عن أحمد بن الحسن الترمذي قال: (قلت لأحمد بن حنبل: إن الناس قد وقعوا في القرآن, فكيف أقول؟. فقال: أليس أنت مخلوقا؟. قلت: نعم. قال: فكلامك منك مخلوق؟ قلت: نعم. قال: أفليس القرآن من كلام الله؟.قلت: نعم. قال: وكلام الله من الله؟قلت: نعم. قال: فيكون من الله شيء مخلوق؟!.).
قال ابن تيمية شارحا كلام أحمد: (بين أحمد للسائل: أن الكلام من المتكلم وقائم به, لا يجوز أن يكون الكلام غير متصل بالمتكلم, ولا قائم به, بدليل أن كلامك أيها المخلوق منك, لا من غيرك, فإذا كنت أنت مخلوقاً وجب أن يكون كلامك أيضا مخلوقا, وإذا كان الله تعالى غير مخلوق, امتنع أن يكون ما هو منه وبه مخلوقا...).

والشاهد من قوله: (أن الكلام من المتكلم وقائم به, لا يجوز أن يكون الكلام غير متصل بالمتكلم ولا قائم به) وهذا معنى القاعدة.

ويقول الإمام أبو عثمان سعيد الدارمي: (وليس شيء من صفاته مخلوقاً, وكلُّ كلامٍ صفة كلُّ متكلم به, خالقٍ أو مخلوقٍ, غير أنه لا يقاس به من الخالق والمخلوق سائر الصفات: من اليد, والوجه, والنفس, والسمع, والبصر, وما أشبهها من الصفات التي إذا بانت من الموصوف واستبان مكانها منه, قام البائن منه بعينه في مكان آخر). نقض الدرامي على المريسي(1/485) -دار الرشد-.

والشاهد من قوله: (وكلُّ كلامٍ صفة كلُّ متكلم به) وهذا معنى القاعدة.

وهذه القاعدة هي معنى قول السلف المتفق عليه: (كلام الله -عزوجل- من الله)؛ أي أنه صفة من صفاته, والصفة مما تدخل في مسمى اسمه, كما أن العلم من الله وله, وعلم الله منه, وهكذا جميع صفاته فهي منه؛ لأنه قائمة به دون غيره سبحانه وتعالى.

فهذا نظم القاعدة وصورتها, ويتبعها -إن شاء الله عزوجل- تطبيقاتها وتفريعاتها.
فاللهم أعن ويسر.

أبو عثمان سعيد مباركي 22 May 2012 10:42 AM

السلام عليكم
جزاك الله خيرا واللهم زدنا علما وجعلنا من محقيقي هذا الأصل -آمين-

عبد العزيز بوفلجة 22 May 2012 11:15 AM

جزانا الله وإياك أخي الفاضل.

أبو معاذ محمد مرابط 22 May 2012 11:20 AM

بارك الله فيك أخي الفاضل على المقال المفيد

عبد العزيز بوفلجة 22 May 2012 11:23 AM

وأنت كذلك أخي الكريم محمد .

عبد الصمد بن أحمد السلمي 23 May 2012 06:38 PM

اقتباس:

وشرح القاعدة: أن الصفة لا بد لها من محل تقوم به؛ إذ لا يتصور صفة لا محل لها قائمة به, فالصفات لا تقوم بأنفسها, وإذا قامت الصفة بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره, فالعلم إذا قام بمحل كان ذلك المحل هو العالم, والكلام إذا قام بمحل كان ذلك المحل هو المتكلم, والإرادة إذا قامت بمحل كان ذلك المحل هو المريد, وهكذا طرد هذا الأصل في جميع الصفات, سواءً كانت صفات ذاتية؛ كالسمع والبصر والقدرة وأمثالها, أو صفات فعلية؛ كالخلق والرزق والإحسان والعدل, والاستواء والنزول والضحك والفرح, ونحو ذلك.
قاعدة متينة جدا ،بارك الله فيكم وهي فرع عن قول أهل السنة صفات الله كلها مشتقة دالة على مسماها

بارك الله في جهودكم

عبد العزيز بوفلجة 23 May 2012 07:35 PM

وفيكم بارك الله, ورحم الله أئمة السلف ومن سار على طريقتهم من أئمة السنة.

أبو أنس عبد الله الجزائري 25 Jun 2012 06:11 PM

بارك الله فيك أخي الكريم, وكلام العلماء في تقرير هذه القاعدة السنية كثير وفيها يقول شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى" (12/ 297):
" وكذلك سائر ما وصف به نفسه من الإرادة والمحبة والمشيئة والرضى والغضب والمقت وغير ذلك من الأمور لو كان مخلوقا في غيره لم يكن الرب تعالى متصفا به بل كان يكون صفة لذلك المحل؛ فإن المعنى إذا قام بمحل كان صفة لذلك المحل ولم يكن صفة لغيره, فيمتنع أن يكون المخلوق أو الخالق موصوفا بصفة موجودة قائمة بغيره؛ لأن ذلك فطري فما وصف به نفسه من الأفعال اللازمة يمتنع أن يوصف الموصوف بأمر لم يقم به. وهذا مبسوط في مواضع أخر".اهـ


والله أعلم

محمد رحيل 26 Jun 2012 06:00 PM

بارك الله فيكم أخانا عباس,زادك الله فقها وعلما.

أبو البراء 26 Jun 2012 09:32 PM

مما يثلج الصدر أن يقف الواحد في منتدياتنا الطيبة على مثل هذه المقالات المحررة بحسن الفهم ولغة العلم
فبارك الله فيك أيها الفاضل وفقك لمثلها وأكثر.

عبد العزيز بوفلجة 28 Jun 2012 08:47 PM

الإخوة الأفاضل أبو أنس, محمد رحيل, خالد حمودة بارك الله فيكم جميعا, ووفقني الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.


الساعة الآن 11:03 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013