منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   شد المآزر لاغتنام العشر الأواخر (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=24416)

أبو البراء خالد 26 May 2019 04:31 PM

شد المآزر لاغتنام العشر الأواخر
 
<بسملة1>
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فنحن في عشية العشرين من رمضان، بغروب شمس هذا اليوم نكون قد دخلنا في العشر الأواخر الَّتي هي أفضل ليالي هذا الشَّهر، بل أفضل ليالي السَّنة مطلقا، وذلك لما أودعه الله جلَّ وعلا فيها من الفضائل والخيرات والأجور المضاعفات، فيها ليلة هي خير من ألف شهر، ليلة القدر الَّتي قال فيها ربنا جلَّ وعلا: <{> إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)<}> وهو سؤال تفخيم وتعظيم يأتي بعده الجواب المبيَّن: <{> لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ <}>فلذلك كان من هدي رسول الله <صلى الله عليه وسلم> أنه إذا دخلت هذه العشر يكون له معها شأن.
كان نبيُّنا <صلى الله عليه وسلم> يشدُّ مئزره ويحيي ليله ويوقظ أهله(1) اهتماما بهذه الليلة وطلبا لها، وكان عليه السلام يعتكف في مسجده العشر كلَّها(2) طلبا لإدراك هذه الَّليلة التي قال فيها <صلى الله عليه وسلم>: «من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»[متفق عليه]، فهي فضيلة عظيمة في أوقات قليلة وليال معدودة، من وفقه الله لاغتنامها واستدراك خيرها وطلب معروفها وبرِّها فقد وُفق لخير عظيم.


ينبغي علينا أن نستحضر أنَّ من أدرك هذه الليالي فقد أنعم الله تعالى عليه بنعمةٍ عظمى، وشهودُ هذه النعمة واستحضارها يقوِّي العزم على استغلالها، فإذا هو رُزِق فيها الاجتهاد والجدَّ في العبادة فقد رزق الخير العظيم.
وليمثِّل أحدنا: لو أنَّ الله تبارك وتعالى قبضه قبل رمضان، كيف سيردُ على ربه؟! تقصير في العمل، وذنوب وآثام، وقلوب ملطَّخة بالأمراض وأدواء النفوس، سيرد أحدنا على ربه عز وجل وحاله هذه الحال!
فالله تعالى قد أكرمنا وأنعم عليها ووفقنا لإدراك رمضان، بل لإدراك العشر منه، فلْنُرِ الله تبارك وتعالى من أنفسنا خيرا، فإنَّما هي أيام قليلة وليال معدودة عن قريب ستمضي فليجتهد أحدنا في أن ينال نصيبه منها، ولنعلم أنَّ العمل الصالح هو أنيسنا في وحشة القبر، وهو شفيعنا يوم الحشر، وهو وسيلتنا إلى رب العالمين، فإنَّ عباد الله الصالحين الذين يُلقَّون النعيم يوم القيامة يقال لهم: <{> كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19)<}>[سورة الطُّور] فما عند الله جل وعلا لا ينال بالأماني، وإنما ينال بالاجتهاد في العمل الصالح، أن يرى الله تعالى منك اجتهادا وصدقا في طلب ما عنده وفي نيل رضاه، فهذا الذي يُبلَّغ، وهو الَّذي يُعطى ويُحذى، وأمَّا من يخلد إلى النوم والكسل ويتمنَّى على الله الأماني، فهذا مغفَّل، مضيِّع لحظِّ نفسه، مفوِّت لخيرها.


نجمةكان من هدي النَّبيِّ <صلى الله عليه وسلم>كما مرَّ في الحديث أنَّه يزداد من العمل في هذه الأيام، فنبيُّنا <صلى الله عليه وسلم>كان في رمضان حاله مع العمل الصَّالح على وجهين:
الوجه الأول: أن يزداد من الخير الَّذي كان يعمله في غير رمضان من ذكر وصلاة وتلاوة وما إلى ذلك، كان عمله <صلى الله عليه وسلم>في رمضان أكثر من عمله في غيره.
الوجه الثاني: أن يُحدِث من العبادات ما لم يكن يتعبَّد به في غير رمضان، كما كان يحدث عبادة الاعتكاف في العشر الأواخر، وكما كان يدارس جبريل عليهما الصَّلاة والسَّلام القرآن في رمضان.
وقد جمع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بين الوجهين في قوله: « كَانَ النَّبِيُّ <صلى الله عليه وسلم>أَجْوَدَ النَّاسِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ » وهو في الصَّحيحين.
فالنَّبيِّ<صلى الله عليه وسلم> كان يجود ويتصدق في كلِّ أيام السنة، لكنَّه في رمضان كان يضاعف الجود، ويزيد في العمل، وكان يحدث عبادة أخرى وهي مدارسة القرآن مع جبريل عليه السلام.
فإذن؛ الاقتداء بالنَّبيِّ <صلى الله عليه وسلم> في هذا ـ وقد أفلح وأنجح من اقتدى به<صلى الله عليه وسلم> ـ يقتضي أن يكون على هذين الوجهين: ما كان للمرء من عمل فليزدد منه، وليحرص على أن يتعبَّد بعبادات أخرى يحدثها في هذه الأيام لنيل بركتها.
ولا يليق بطالب الخير أن يخلد إلى الكسل ويكون حاله في عبادته هذه الأيام كحاله في سائر أيام السنة، فهذا لا يفعله إلا محروم، نسأل الله أن لا يحرمنا من أفضاله.


نجمةيوم القيامة هو «يوم الحسرة»، من حشر إليه وهو:
1. مقصِّر ظالم لنفسه، من فاسق أو كافر، فإنَّه سيتحسَّر حسرة عظيمة، لما يراه من الأهوال والنَّكال وأنواع العذاب.
2. والبرُّ التَّقيُّ والصَّالح المحسن، سيتحسَّر أيضًا، لأنَّه يرى من أنواع النَّعيم وما أعدَّه الله جل وعلا للصالحين من الكرامات الجليلة والتُّحف العظيمة ما يجعله يتحسَّر أن لا يكون ازداد من الخير، فهي درجات عظيمة بعضها فوق بعض، قال النبي <صلى الله عليه وسلم>: «الجنَّة مئة درجة»(3) وأهل الدَّرجات يتراءون أصحاب الغرف من فوقهم كما يُرَى الكوكب الغابر في الأفق، قال النبي <صلى الله عليه وسلم>: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق»(4)، وهو يرى أنَّه قد كان يستطيع أن يزداد من العمل: من ركعات يركعهنّ، أو آيات يتلوهنّ، أو دعوات يدعو بهنّ، أو أموال وأزْوَاد يتصدق بهنّ، أو غير ذلك أنواع الإحسان والبر والصدقة والذكر وتعلُّم العلم والدلالة على الخير والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه لم يفعل فتعظم حسرته.
فنحن الآن في وقت العمل، وسَعَةِ الفسحة، وكل يوم هو للمؤمن غنيمة، قال بعض السَّلف: «كل يوم للمؤمن هو غنيمة»(5)، هذا في الأيام المعتادة، إذا طلعت عليك شمس يوم من أيام السنة وأنت صحيح معافى تستطيع أن تقدِّم عملا صالحا فهذه غنيمة، إذ لم يُحَلْ بينك وبين العمل الصالح، فكيف إذا كان يوم من الأيام الفاضلة؟! وكيف إذا كان ليلة من ليالي العشر؟! وكيف إذا كانت ليلة يحتمل أن تكون هي ليلة القدر؟! هذه نعمة عظيمة ينعم الله بها على العبد فلا ينبغي له أن يقصِّر، فإنه سيندم غاية الندم يوم لا ينفع ندم، ولا تنفع حسرة، يوم تتقطع القلوب على ما ضاع من الأعمار.


نجمةومن وجد من نفسه فتورا فليلجأ إلى الله بالدعاء، يلجأ إليه ويسأله بصدق وضراعة أن يوفقه للاجتهاد، وأن يُقبل بنفسه على الطاعة، ويلين قلبه لذكره، ويرزقه الأنس بعبادة الله وطاعته، فإن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه، والقلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه.


نجمةوليحرص على أن يتعلَّم هدي النبي<صلى الله عليه وسلم> في عبادته، ويقتدي به، ويكثر في هذه الليالي من الصلاة والذكر والقراءة والدعاء والصدقة والبر والإحسان، فحري إن هو فعل ذلك أن يحمد غبَّ لياليه يوم تنشر له صحيفته.
نسأل الله تعالى أن يمنَّ علينا بفضله، ويرحمنا برحمته، ويدخلنا في عباده الصَّالحين.
والحمد لله رب العالمين.
عشية السبت: 20 رمضان 1440.
نجمةتنبيه: أصل هذه الكتابة كلمة مسموعة، قام الأخ الكريم والصاحب الوفي: فتحي إدريس ـ حفظه الله ـ بكتابتها وتخريج نصوصها، فهو شريك في أجرها إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ورد ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ». أخرجه البخاري في "صحيحه" (3 / 47) برقم: (2024) ومسلم في "صحيحه" (3 / 175) برقم: (1174).
[2] ورد ذلك من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ». أخرجه البخاري في "صحيحه" (3 / 47) برقم: (2025) ومسلم في "صحيحه" (3 / 174) برقم: (1171).
[3]من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ » أخرجه البخاري في "صحيحه" (4 / 16) برقم: (2790).
[4]أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (3256)، ومسلم في صحيحه برقم: (2830).
[5] عن عمر بن ذرِّ قال: قرأت كتاب سعيد بن جبير: «اعلم أنَّ كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة». "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"(4/ 276).

أبو معاوية محمد شيعلي 26 May 2019 04:51 PM

جزاك الله خيرا شيخ خالد و جعله في ميزان حسناتك و رفع الله ذكرك . امين ...

محمد رحمانية 27 May 2019 02:16 AM

بارك الله فيكم شيخ خالد
أسأل ان يثيبكم أجرا كبيرا على جهودكم و بخاصة هذا التذكير النافع المناسب.

وفقنا الله و اياكم لكل خير.

فاتح عبدو هزيل 27 May 2019 07:45 PM

جزاك الله خيرا على هذا التذكير والنصيحة القيمة وبارك الله في جهد الأخ فتحي إدريس

أبو عبد المحسن زهير التلمساني 28 May 2019 03:08 AM

بارك الله فيك شيخ خالد وبارك في قلمك
ما احوجنا لهذه المواعظ نسأل الله أن ينفعنا بها، ويجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه
آمين

محسن سلاطنية 28 May 2019 04:34 AM

حفظك الله شيخنا أبا البراء وبارك فيك وزادك من فضله ورفع قدرك.
نعمت الموعظة هذه في مثل هذا الوقت جزاك الله خيرا.

أبو أنس حباك عبد الرحمن 29 May 2019 06:55 AM

جزاكم الله خيرا شيخنا على هذه التذكرة وجعلها في موازين حسناتكم.


الساعة الآن 04:42 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013