منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   [المقال الشَّهري]: درء المفاسد المترتِّبة على الدَّفن في المساجد (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=21151)

لزهر سنيقرة 02 Jul 2017 05:00 PM

[المقال الشَّهري]: درء المفاسد المترتِّبة على الدَّفن في المساجد
 
دَرْءُ المَفَاسِد
المُتَرَتِّبَةِ عَلَى الدَّفْنِ فِي المَسَاجِد



الْحَمْدُ للهِ الْقَائِلِ: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدا ﴾، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّ الْهُدَى الَّذِي دَعَا وَأَرْشَدَ، وَقَال: « أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ » [ رَوَاهُ مُسْلِمُ ].

أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ دِين ِاللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ الْمَسَاجِدَ أَشْرَفُ بِقَاعِ الْأَرْضِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، شَرَّفَهَا وَأَعْلَى قَدْرَهَا وَأَمَرَ عِبَادَهُ بِتَعْظِيمِهَا، وَتَعْظِيمُهَا مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّه، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة -رَضِيَ اللَّه عَنهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: « أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ تَشْرِيفِهِ لَهَا نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَهِي بُيُوتُ اللَّه، كَمَا أَخَرَجَ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّه عَنهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: « وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّه، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ »، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ -أَيْضًا- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -أيضًا- قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّه، كَانَتْ خُطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَة، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَة ».
فَلَا شَكَّ أَنَّ النِّسْبَةَ هُنَا نِسْبَةُ تَشْرِيفٍ كَمَا قَرَّرَهُ أَئِمَّتُنَا.

وَمِنْ صُوَرِ هَذَا التَّعْظِيمِ وَالاِهْتِمَامِ فِعْلُ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ هِجْرَتِهِ، إِذْ كَانَ أَوَّلَ أَعْمَالَهِ الجَلِيلَةِ بِنَاؤُهُ لِلمَسْجِدِ، الَّذِي أَصْبَحَ ثَانِيَ مَسَاجِدِ الدُّنْيَا تَعْظِيمًا فِي الإِسْلَامِ بَعْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي رَفَعَ قَوَاعِدَهُ خَلِيلُ اللهِ الأَوَّلُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ..
وَهَذَا لِنَعْلَمَ أَنَّ أَشْرَفَ الأَعْمَالِ عِنْدَ أَشْرَفِ خَلْقِ اللهِ وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ هُوَ بِنَاءُ المَسَاجِدِ وَرِعَايَتُهَا..

هَذِهِ المَسَاجِدُ الَّتِي لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِرَفْعِ قَوَاعِدِهَا وَبِنَائِهَا إِلَّا لِيُذْكَرَ اسْمُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحْدَهُ فِيهَا وَيَجْتَمِعَ المُوَحِّدُونَ فِي رِحَابِهَا عَلَى العِبَادَةِ للهِ وَتَعْظِيمِهِ وَالإِخْلَاصِ فِي تَوْحِيدِهِ.
هَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي لَا يَكُونُ خَالِصًا إِلَّا إِذَا خُلِّصَ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ، وَمِنْ كُلِّ ذَرِيعَةٍ وَوَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله: " وَلَيْسَ التَّوْحِيدُ مُجَرَّدَ إِقْرَارِ الْعَبْدِ بِأَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، كَمَا كَانَ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ مُقِرِّينَ بِذَلِكَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، بَلِ التَّوْحِيدُ يَتَضَمَّنُ -مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَالذُّلِّ لَهُ، وَكَمَالِ الِانْقِيَادِ لِطَاعَتِهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَإِرَادَةِ وَجْهِهِ الْأَعْلَى بِجَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَالْمَنْعِ، وَالْعَطَاءِ، وَالْحُبِّ، وَالْبُغْضِ- مَا يَحُولُ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ الْأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْمَعَاصِي، وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، وَمَنْ عَرَفَ هَذَا عَرَفَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ »، وَقَوْلَهُ: « لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » " [ مَدَارِجُ السَّالِكِين: 1/339 ].
فَحَقِيقَةُ هَذِهِ الكَلِمَةِ -أَلَا وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ- أَنْ نَعْتَقِدَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَعَانٍ عَظِيمَةٍ وَعِبَادَاتٍ جَلِيلَةٍ، وَمِنْ هَذِهِ المَعَانِي: عَدَمُ صَرْفِ شَيْءٍ مِمَّا يُتَعَبَّدُ بِهِ الله تَعَالَى مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَه..

وَالشِّرْكُ بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى -الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ عَلَى الإِطْلَاقِ- مِمَّا يُضَادُّ هَذِهِ الكَلِمَةَ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ وَهَذِهِ خُطُورَتُهُ حَرَّمَ اللهُ كُلَّ وَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِهِ، وَذَرِيعَةٍ مِنْ ذَرَائِعِهِ، وَالَّتِي مِنْ أَعْظَمِهَا وَأَشَدِّهَا -بَلْ أَوَّلُ وَسِيلَةٍ لِلشِّرْكِ فِي بَنِي آدَمَ سَبَبُهَا- تَعْظِيمُ الصَّالِحِينَ وَتَقْدِيسُهُمْ أَحْيَاءً كَانُوا أَوْ أَمْوَاتًا، قَالَ تَعَالَى حَاكِياً عَنْ مُشْرِكِي قَوْمِ نُوحٍ: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [ نوح: 23 ]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: « صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ:
أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ.
وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ.
وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ.
وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ.
وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ.
أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ » [ «صحيح البخاري» (4920) ].

وَمِنْ هَذَا التَّعْظِيمِ المُحَرَّمِ: اِتِّخَاذُ قُبُورِهِمْ مَسَاجِدَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَنِي العَبَّاسُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: يَا عَلِيّ! اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ وَإِلَّا أَوْصَى بِنَا النَّاس، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُغْمى عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسُهُ -أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: « لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، اِتَّخَذُوا قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ » [ "تَحْذِيرُ السَّاجِد" لِلأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ الله (صِ ٢٨) ] ([١]).

فَانْظُرْ -رَحِمَكَ اللهُ- إِلَى حَالِ نَبِيِّنَا -عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَلَامُ- وَهُوَ يُذَكِّرُ أُمَّتَهُ بِمِثْلِ هَذَا الأَمْرِ العَظِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا الحَالِ الَّذي كَانَ فِيهِ (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ)، يُحَذِّرُ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الشِّرْكِ! وَمِنْ شَرِّ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الأُمَمُ السَّابِقَةُ، الشَّرِّ الَّذِي وَصَفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ بِأَنَّهُمْ شِرَارُ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ القُبُورَ مَسَاجِدَ » [ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي "تَحْذِيرِ السَّاجِدِ" (٢٣) ].

وَاِتِّخَاذُ القُبُورِ مَسَاجِد:
- إِمَّا أَنْ يُدْفَنَ المَيِّتُ فِي المَسْجِدِ أَوْ عِنْدَ المَسْجِدِ، إِذَا قَصَدَ النَّاسُ مَسْجِدَهُمْ مَرُّوا عَلَى قَبْرِهِ أَوْ وَقَفُوا عِنْدَهِ..
-أَوْ الَّذِينَ تُبْنَى المَسَاجِدُ عَلَى قُبُورِهُمْ كَمَا وَقَعَ هَذَا وَيَقَعُ عِنْدَ أَهْلِ الشِّرْكِ بِتِلْكَ القِبَابِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى القُبُورِ وَالأَضْرِحَةِ، عِيَاذًا بِاللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى..

وَإِنَّ مِنْ آخَرِ دَعَوَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: « اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِد » [ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي "تَحْذِيرِ السَّاجِدِ" (٢٣) ]؛ « لَعَنَ اللهُ قَوْمًا... » مَاذَا كَانَ صَنِيعُهُمْ؟ اِتَّخَذُوا قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَقُبُورَ الصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ بِالمَعْنَى الَّذي ذَكَرْنَا..

قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ الله، عِنْدَ هَذَا الحَدِيثِ -وَهُوَ مَالِكيٌّ، وَلَكِنِّي لَمْ أَتَقَصَّدْ ذِكْرَ عُلَمَاءِ المَالِكِيَّةِ كَمَا يَفْعَلُ البَعْضُ مِنَّا، ظَنًّا أَنَّ أُولَئِكَ سَيَرْضَوْنَ عَنَّا إِذَا ذَكَّرْنَاهُمْ بِأَقْوَالِ المَالِكِيَّةِ، بَلْ نَحْنُ نَذْكُرُ عُلَمَاءَنَا جَمِيعًا مِنْ سَائِرَ المَذَاهِبَ، لِأَنَّهُمْ عَلَى الحَقِّ كَانُوا، وَبِالحَقِّ نَطَقُوا، أَبَى مَنْ أَبَي، وَكَرِهَ مَنْ كَرِهَ، وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ أَهْلِ الحقِّ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَصْدَعُوا بِهِ كَمَا أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ﴾- قَالَ رَحِمَهُ الله: " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُ أَصْحَابَهُ، وَسَائِرَ أُمَّتِهِ مِنْ سُوءِ صَنِيعِ الْأُمَمِ قَبْلَهُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى قُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَاتَّخَذُوهَا قِبْلَةً وَمَسْجِدًا، كَمَا صَنَعَتِ الْوَثَنِيَّةُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي كَانُوا يَسْجُدُونَ إِلَيْهَا وَيُعَظِّمُونَهَا، وَذَلِكَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَرْضَاهُ خَشْيَةً عَلَيْهِمُ امْتِثَالَ طُرُقِهِمْ » [«التَّمهيد» (5/45)]، وَمِنْ شَنِيعِ صَنِيعِهِمْ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ القُبُورَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَيَجْعَلُونَهَا فِي أَمَاكِنِ العِبَادَةِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ؛ بَلْ لَا يَلْتَقِيَانِ فِي الإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ ابْنُ القَيِّمِ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ: " لاَ يَجْتَمِعُ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ: مَسْجِدٌ وَقَبْر " [زاد المعاد: 3/501 ].
بَلْ إِنَّ عُلَمَاءَنَا قَدْ مَنَعُوا مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -مِنْ أَجْلِ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ- أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ أَوْ فِي فِنَائِهِ أَوْ فِي سَاحَتِه، قَالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ: " فَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِقَصْدِ أَنْ يُدْفَنَ فِي بَعْضِهِ دَخَلَ فِي اللَّعْنَةِ، بَلْ يَحْرُمُ الدَّفْنُ فِي المَسْجِدِ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى وَقْفِهِ مَسْجِدًا " [ نَقَلَهُ المُنَاوِي فِي "فَيْضٍ القَدِيرُ" (٥/٢٧٤) ].
مُنِعَ ذَلِكَ وَحَرُمَ لِمُخَالَفَةِ هَذَا الشَّرْطِ لِمَا جُعِلَتْ لَهُ المَسَاجِدُ الَّتِي إِنَّمَا أُوقِفَتْ لِلعِبَادَةِ وَلَمْ تُوقَفْ لِأَنْ يُدْفَنَ فِيهَا، لَا أَصْحَابُهَا مِمَّنْ بَنَاهَا وَلَا أَئِمَّتُهَا مِمَّنْ كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِيهَا وَلَا عُلَمَاؤُهَا الَّذِينَ كَانَ النَّاسُ يَقْصِدُونَهُمْ فِيهَا، لَا أَحَدَ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، بَلْ حَتَّى الأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ-، فَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دُفِنَ فِي مَسْجِدِهِ، بَلْ لَمَّا قَبَضَهُ اللهُ -جلَّ وَعَلَا- إِلَيْهِ اِحْتَارَ الصَّحَابَةُ فِي دَفْنِهِ أَيْنَ يَدْفِنُونَهُ، هَلْ يَدْفِنُونَهُ فِي البَقِيع؟ أَمْ يَدْفِنُونَهُ فِي المَسْجِدِ؟ فَأَشَارَ عَالِمُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَإِمَامُهَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتِهُ، قَالَ: « مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي المَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنُ فِيهِ »، اِدْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. [ "سُنَنُ التِّرمذي" (١٠١٨) ].
فَهَذِهِ خَاصِّيَّةٌ مِنْ خَصَائِصِ الأَنْبِيَاءِ، أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي المَكَانِ الَّذِي يُقْبَضُونَ فِيهِ، فَبِمُجَرَّدِ مَا سَمِعَ الصَّحَابَةُ هَذَا مِنْ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- بَاشَرُوا بِحَفْرِ قَبْرِهِ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَمَا دُفِنَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ- إِلَّا فِي بَيْتِهَا، وَبَقِيَ زَمَنًا وَهُوَ مَفْصُولٌ عَنِ المَسْجِدِ حَتَّى جَاءَ وَقْتُ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ لَمَّا أَرَادَ تَوْسِعَةَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيز -وَكَانَ وَالِيَهُ عَلَى المَدِينَةِ- أَنْ يَشْتَرِيَ بُيُوتَ نِسَاءِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ- مِنْهُنَّ وَأَنْ يَضُمَّهَا إِلَى المَسْجِدِ وَيُوَسِّعَ المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ، وَهَذِهِ كَانَتْ التَّوْسِعَةَ الأُولَى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.
فَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالَاتِ فِي أَنَّ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِهِ، بَلْ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ، وَمَا زَالَ إِلَى الآنَ فِي بَيْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..

وَفِي الدَّفْنِ فِي المَسَاجِدِ إِسَاءَةٌ شَنِيعَةٌ وَمُخَالَفَةٌ قَبِيحَةٌ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ:

أَوَّلًا: فِيهِ إِسَاءَةٌ لِبُيُوتِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الَّتِي إِنَّمَا أَمَرَ اللهُ بِبِنَائِهَا وَحُسْنِ رِعَايَتَهَا لِمَقْصَدٍ وَاحِدٍ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ [ النور:36/37 ]، وليعظم الله فيها وحده لا شريك له، لقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾ [ الجن: 18 ].
لِأَجْلِ هَذَا كَانَ الفَصْلُ بَيْنَ مَكَانِ العِبَادَةِ وَمَكَانِ الدَّفْنِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنَ الصَّالِحِينَ أَحَقَّ بِمِثْلِ هَذَا لَكَانَ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ، أَوْ لَكَانَ لِأَصْحَابِهِ المَرْضِيِّينَ الكِرَام، أَوْ لِأَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِم الأَعْلَام، الَّذِينَ فَازُوا بِالخَيْرِيَّةِ بِنَصِّ حَدِيثِ خَيْرِ البَرِّيَّةِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلام: « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » [ مُتَّفِقَ عَلَيْهِ ]، لَكِنَّهُمْ -وَللهِ الحَمْدُ- مَا دُفِنُوا إِلَّا فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا عَنْهُمْ، وَإِنَّهُمْ لمُمَيَّزُونَ بِعُلُوِّ قَدْرِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

ثَانِيًا: إِسَاءَةٌ لِلمَيِّتِ، لِأَنَّ حَقَّ المُسْلِمِ عَلَى إِخْوَانِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُحْسِنُوا إِلَيْهِ فِي حُسْنِ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ وَإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ، أَمَّا مَا كَانَ خِلَافًا لِهَذَا فَإِنَّهُ يَتَحَمَّلُ وِزْرَهُمْ وَيَلْحَقُهُ إِثْمُ قَبِيحِ صَنِيعِهِمْ لِقَوْلِ نبِّينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءٍ أَهْلُهُ عَلَيْهِ »، فَهُوَ فِيمَنْ لَمْ يَنْهَ أَهْلَهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ الله- فِي تَبْوِيبِهِ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: [ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ » إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ ]، فَسَاءَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ لِمَيِّتِهِمْ، فَقَدْ أَسَاءُوا إِلَيْهِ إِسَاءَةً كَبِيرَةً!!

ثَالِثًا: إِسَاءَةٌ لِلمُسْلِمِينَ خَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ.
أَمَّا خَاصَّتُهُمْ: مِنْ وُلاَةِ الأَمْرِ وَنُوَّابِهِمْ، وَرِجَالِ القَضَاءِ وَأَعْوَانِهِمْ، وَالعُلَماءِ وَأَئِمَّةِ المَسَاجِدِ، وَالصُّحُفِيِّينَ، فَإِنَّ المَسْؤُولِيَّةَ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ أَثْقَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَحَدُ إِخْوَانِنَا عَنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ نَقَلَهَا لَهُ أَحَدُ مَسْؤُولِينَا، عَنْ رَئِيسِ الجُمْهُورِيَّةِ (شَفَاهُ اللهُ وَعَافَاهُ) أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " إِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى اللهَ -عزَّ وجل- وَيَسْأَلَنِي عَنْ جَزَائِرِيٍّ وَاحِدٍ قَدْ تَنَصَّرَ "، فَمِثْلُ هَذِهِ المَوَاقِفِ المُشَرِّفَةِ وَالَّتِي تُتْبَعُ بِالإِجْرَاءَاتِ الحَازِمَةِ فِي دَفْعِ الشَّرِّ وَالفَسَادِ عَنْ أَهْلِنَا وَبَلَدِنَا هِيَ الَّتِي نَحْتَاجُهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الحَالَاتِ، وَالقَضَاءُ فِي بَلَدِنَا -وَللهِ الحَمْدُ- قَدْ حَسَمَ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ وَجَرَّمَ هَذَا الفِعْلَ، فَقَدْ جَاءَ فِي الأَمْرِ رَقْمِ (٧٩ / ٧٥) المُؤَرَّخِ فِي ٢٦ / ١٢ / ٧٥ أَنَّهُ: لَا يَجُوزُ دَفْنُ المَوْتَى فِي المَسَاجِدِ وَالكَنَائِسِ وَالمَعَابِدِ اليَهُودِيَّةَ أَوْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ كُلِّ بِنَايَةٍ مُقْفَلَةٍ أَوْ مَغْلُوقَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا المُوَاطِنُونَ لِتَأْدِيَةِ عِبَادَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ دَاخِلَ المُدُنِ وَالقُرَى، وَعَلَيْهِ: تُخَصَّصُ خَارِجَ هَذِهِ المُدُنِ وَالقُرَى وَعَلَى بُعْدٍ يُقَدَّرُ مِنْ قِبَلِ السُّلُطَاتِ البَلَدِيَّةِ بِدُونِ أَنْ يَقِلَّ عَنْ ٣٥ م أَرْضٌ مُعَدَّةٌ خِصِّيصًا لِدَفْنِ المَوْتَى.
وَقَدْ جَاءَ التَّنْصِيصُ فِي المَادَّةِ ٤٤ عَلَى أَنَّ المُخَالِفَ لِهَذَا الأَمْرِ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَتْ يُعَاقَبُ بِالحَبْسِ مِنْ ١٠ أَيَّامٍ عَلَى الأَقَلِّ إِلَى شَهْرَيْنِ عَلَى الأَكْثَرِ وَبِغَرَامَةٍ مَالِيَّةٍ، إِضَافَةً عَلَى مَا جَاءَ فِي المَادَّةِ ٤٥٩ ق. عَ.ج الَّتِي تَعْتَبِرُ عَمَلِيَّةَ الدَّفْنِ فِي مَكَانٍ غَيْرِ مُرَخَّصٍ بِهِ مُخَالَفَةً وَيُعَاقِبُ عَلَيْهَا القَانُونُ.

وَالوَاجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ جَمِيعًا أَنْ يَقُومُوا بِمَسْؤُولِيَّاتِهِمْ وَيُؤَدُّوا وَاجِبَهُمْ فِي بَيَانِ الحَقِّ وَنُصْرَتِهِ والتَّحْذِيرِ مِنْ الشَّرِّ وَالشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ.

وَأَمَّا عَامَّتُهُمْ: فَمِثْلُ هَذِهِ الأَفْعَالِ تَمْيِيزٌ وَتَفْرِيقٌ بَيْنَهُمْ، وَاللهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ وَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ، وَلَا فَضْلَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَبَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَّا بِمَا عِنْدَ رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَهُمْ يُدْفَنُونَ سَوَاسِيَةً كَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ يُصَلُّونَ سَوَاسِيَةً، فَالمَسْجِدُ الَّذي كَانَ يَجْمَعُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، بِأَنْ يُدْفَنَ فِيهِ الشَّرِيفُ وَيُبْعَدَ عَنْهُ الوَضِيعُ، بَلْ يُدْفَنُونَ جَمِيعًا فِي مَقْبَرَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا دُفِنَ مَنْ قَبْلَهُمْ وَقَدْ كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ.

رَابِعًا: إِسَاءَةٌ لِبَلَدِهِمْ، فَالبِلَادُ إِنَّمَا تَشْرُفُ بِحُسْنِ أَعْمَالِ أَهْلِهَا وَجَمِيلِ صَنِيعِهِمْ وَأَوْصَافِهِمْ، فَإِذَا وَقَعَ الخَلَلُ فِيهِمْ وَرَضُوا بِهِ وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَدَّى هَذَا إِلَى تَغْيِيرِ هَذَا الوَصْفِ وَتَبْدِيلِهِ، كَأَنْ يَكُونَ بَلَدَ سُنَّةٍ وَتَوْحِيدٍ وَبَلَدَ طَاعَةٍ وَعِبَادَةٍ، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى بَلَدِ شِرْكٍ وَبِدْعَةٍ وَبَلَدِ مَعْصِيَةٍ وَغَفْلَةٍ، إِضَافَةً إلَى كَوْنِهِ سَنًّا لِسُنَّةٍ سَيِّئَةٍ قَدْ يَتْبَعُهُمْ غَيْرُهُمْ مِنَ البِلَادِ الأُخْرَى فِيهَا، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهُمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ » [صَحِيحُ مُسْلِم (١٠١٧) ].

وَخِتَامًا نَقُولُ لِجَمِيعِ إِخْوَانِنَا -مُشْفِقِينَ نَاصِحِينَ- وَلِمَنْ أَسَاءَ فِي هَذِهِ الحَادِثَةِ ([٢]) وَبَاشَرَ عَمَلِيَّةَ الدَّفْنِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَرْجِعَ إِلَى الحَقِّ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الحَقِّ فَضِيلَةٌ يُؤْجَرُ وَيُحْمَدُ صَاحِبُهَا..
فَبَادِرُوا -يَرْحَمْكُمُ اللهُ- إِلَى تَصْحِيحِ خَطَئِكُمْ وَإِصْلَاحِ إِسَاءَتِكُمْ، فَإِنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ..

كَمَا نُهِيبُ بِالسُّلُطَاتِ العُلْيَا وَالقَضَائِيَّةِ وَالأَمْنِيَّةِ -فِي بَلَدِنَا الحَبِيبِ- أَنْ لَا يَتَوَانَوْا فِي هَذَا الأَمْرِ وَأَنَّ لَا يُفَوِّتُوا هَذِهِ الحَادِثَةَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ حَتَّى يُطْوَى مِلَفُّهَا بِالتَّقَادُمِ، فَإِنَّهَا مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ أَمَامَ اللهِ، وَسَيُسَجِّلُهَا التَّارِيخُ عَلَيْهُمْ.

كَمَا نُهِيبُ بِرِجَالِ الإِعْلَامِ الغَيُورِينَ عَلَى دِينِهِمْ المُدَافِعِينَ عَنْ مَصَالِحِ وَطَنِهِمْ أَنْ يُجَرِّدُوا أَقْلَامَهُمْ وَمَنَابِرَهُمْ الإِعْلَامِيَّةَ لِدَحْضِ هَذَا الشَّرِّ وَدَفْعِهِ عَنْ بَلَدِهِمُ الَّذِي عَرَفَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ (نَحْسَبُهُمْ كَذَلِكَ)، وَالقَادَةَ الغَيُورِينَ، لَكِنَّهُمْ مَا عُزِلُوا عَنْ مَقَابِرِ إِخْوَانِهِمُ المُسْلِمِينَ مِمَّنْ سَبَقُوهُمْ بَلْ دُفِنُوا مَعَهُمْ..

﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
ـــــــــــــــ
([1]) وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ أَنْصَحُ إِخْوَانِي -لاَ سِيَمَا أَئِمَّةَ المَسَاجِدِ- بِالعِنَايَةِ بِه.
([2]) حَادِثَةُ دَفْنِ إِمَامِ مَسْجِدٍ فِي عَيْن مرَّان بِوِلاَيَةِ الشَّلف فِي مَدْخَلِ المَسْجِد.

أبو البراء 02 Jul 2017 05:25 PM

جزاكم الله خيرًا شيخنا الكريم على هذه الوقفة الصَّادقة والمقالة الرائقة، في الذبِّ عن حِمَى التَّوحيد، وبيان خطر ما وقع فيه أولئك القوم ـ أصلحهم الله ـ وسوءِ عاقبة ذلك.
أسأل الله تعالى أن يُصلِح أحوال المسلمين، ويُجَنِّبَهم الشرك وأسبابَه، والشرَّ وأنواعَه.

أبوعبدالرحمن عبدالله بادي 02 Jul 2017 06:06 PM

مقالة رائقة، ووقفة صادقة شيخنا الكريم، أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

كما نسأل الله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا أن يرفعوا عنا هذا البلاء الذي حل ببلادنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نسيم منصري 02 Jul 2017 06:18 PM

بارك الله في شيخنا الفاضل على هذا المقال الرائع، و جزاكم الله خيرا على مواقفكم التي تعودناها منكم، ناصرين للحق و قامعين للشر و الفساد، نسأل الله عز و جلا أن يرفع بكم راية التوحيد دائمة، و أن يهدي على أيديكم الجهال و أهل العناد، و أن يصلح حالهم، إنه السميع المجيب.

أبو أنس محمد البليدي 02 Jul 2017 07:18 PM

جزاكم الله خيرا شيخنا

أبو ياسر أحمد بليل 02 Jul 2017 08:01 PM

مقال رائع وجميل ، جزاكم الله خيرا شيخنا الغالي وأدامكم للتوحيد والسنة ناصرا وحافظا وغيورا

أبوعبد الله مهدي حميدان السلفي 02 Jul 2017 08:59 PM

جزاك الله خيرا شيخنا وبارك فيكم.

فتحي إدريس 02 Jul 2017 09:45 PM

جزاكم الله خيرًا شيخنا ووالدنا الحبيب أبا عبد الله أزهر على النُّصح والبيان؛ فقد نصحت وأرشدت وبيَّنت وأفدْت، ومن بديع التنبيهات الَّتي فرحت لها قولكم -حفظكم الله وبارك فيكم-:
قال ابن عبد البرِّ رحمه الله، عند هذا الحديث ـ وهو مالكيٌّ، ولكنِّي لم أتقصَّد ذكر علماء المالكيَّة كما يفعل البعض منَّا، ظنًّا أنَّ أولئك سيرضَوْن عنَّا إذا ذكَّرناهم بأقوال المالكيَّة، بل نحنُ نذكُر علماءنا جميعًا من سائر المذاهب، لأنَّهُم على الحقِّ كانوا، وبالحقِّ نطقوا، أبى من أبى، وكره من كره، وهذا هو صنيع أهل الحقِّ الَّذي أُمِروا به، وهو أن يصدعوا به كما أمر الله عزَّ وجلَّ نبيَّنا صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضِ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾" اهـ.
فأسأل الله أن يبارك في أعماركم وأعمالكم، وأن يزيدكم من فضله، ويحفظكم من كل سوء، وينفع بكم.

أبو إكرام وليد فتحون 02 Jul 2017 10:12 PM

جزاك الله خيرا وبارك فيك شيخنا أزهر و نفع الله بك وبما تقدم
سائلا الله أن يجعل مقالتك هذه سببا في هداية ضال أو تعليم جاهل أمرا ينفعه في دينه ودنياه
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عبد العزيز بوفلجة 02 Jul 2017 10:46 PM

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ونفع بكم, وجعلكم مفتاحا للخير مغلاقا للشر
والله إن مثل هذه الحادثة لباب خطير من أبواب الشر والفساد, كيف لا ودفن الموتى في مساجد الناس من أعظم ذرائع الشرك الأكبر, الذي من وقع فيه فقد وجب له الخلود في نار جهنم, وحرم الله عليه الجنة, وحبط عمله,نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

شعبان معتوق 03 Jul 2017 12:02 AM

جزاكم الله خيرًا شيخنا الوالد و بارك في جهودكم
نسأل الله جلّ و علا أن يصلح أحوالنا و يهدينا إلى صراطه المستقيم و أن يجنبنا طرق الهالكين.

أبو عبد السلام جابر البسكري 03 Jul 2017 05:38 PM

جزاك الله خيرًا شيخنا أبا عبد الله أزهر - نصحت وبررت - لعلها تجد آذانا صاغية من المسؤولين .

أبو أيوب صهيب زين 04 Jul 2017 02:57 PM

جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم

أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويبصرهم بدينهم . آمين

أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي 04 Jul 2017 03:40 PM

جَزَى اللهُ شَيْخَنَا لَزهَر خَيْرَ الْجَزَاءِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الصَّادِقَة..

وَأُرْدِفُ قَوْلِي مَقَالَةَ شَيْخِنَا لَزْهَر فَأَقُولُ:
إِنَّ المُخَالِفِينَ لِمَنْهَجِ أَهْلِ الحَقِّ قَدِ اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَهْلِهِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ، وَفَعَلُوا كُلَّ مَا أَمْكَنَهُمْ فِعْلُهُ مِنْ أَنْوَاعِ البَاطِلِ لِيُغِيظُوهُمْ بِهِ، فَهَاهِيَ الطُّرُقِيَّةُ -بِسَدَنَتِهَا- تُحْيِي عَقِيدَةَ عِبَادَةِ القُبُورِ يُرِيدُونَ أَنْ يَعُودُوا بِالمُسْلِمِينَ للهِ إِلَى عَصْرِ [ مَا قَبْلَ التَّوْحِيد ]!، وَهَاهُمُ الرَّافِضَةُ يَلْعَنُونَ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَيَجْهَرُونَ بِذَلِكَ، وَهَاهُمُ الخَوَارِجُ -دَاعِشْ وَغَيْرُهُمْ- يُكَفِّرُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ بَلْ وَيَذْبَحُونَهُمْ كَمَا حَدَثَ لِفَقِيدِ مَدِينَةِ جِيجل، وَهَاهُمُ الإِخْوَانُ بِأَحْزَابِهِمْ أَجْلَبُوا عَلَيْهِمْ بِكُلِّ أَنْوَاعِ التُّهَمِ وَالأَبَاطِيلِ.

أَلَا يَحْمِلُنَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ نُمَتِّنَ جِدَارَنَا وَنُحَصِّنَ دَارَنَا حَتَّى لَا نُؤْتَى مِنْ قِبَلِ هَؤُلَاءِ؟

اِعْلَمُ -أَخِي المُسْلِمُ المُوَحَّدُ للهِ- أَنَّ أَشَدَّ مَا يَغِيظُ أَهْلَ البَاطِلِ أَنْ يَرَوْكَ تَطْلُبُ عِلْمًا مِنْ رِسَالَةٍ كَتَبَهَا عَالِمٌ سَلَفِيٌّ، فَوَاللهِ لَطَلَبُكَ لِلعِلْمِ يَفْعَلُ بِهِمْ أَشَدَّ مِمَّا يَفْعَلُ السِّلَاحُ فِي العَدُوِّ..

فَلْنُشَمِّرْ عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ -مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ- وَلْنَقْرَأْ وَنَتَدَارَسْ كُتُبَ التَّوْحِيدِ وَالعَقِيدَةِ وَكُتُبَ السُّنَّةِ وَلْنَجْعَلْ هَذِهِ الإِجَازَةَ الصَّيْفِيَّةَ فُرْصَةً لِذَلِكَ، فَاجْعَلُوا الدَّوَرَاتِ كُلَّهَا فِي التَّوْحِيدِ، وَاجْعَلُوا لِلتَّوْحِيدِ مِنْ مَجَالِسِكُمْ حِصَّةَ الأَسَد، إِذَا جَلَسْتُمْ مَجْلِسَ اِثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَاقْرَءُوا مَتْنًا مِنْ مُتُونِ التَّوْحِيدِ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ، وَلَا تَحْقِّرُنَّ هَذَا الفِعْلَ، فَإِنَّ العَلَّامَةَ النَّجْمِيَّ -رَحِمَهُ الله- لَمَّا زَارَ دَمَّاج بُعَيْدَ وَفَاةِ الشَّيْخِ مُقْبِل -رَحِمَهُ الله- قَرَأَ عَلَى الحُضُورِ مَتْنَ ثَلَاثَةِ الأُصُولِ، وَكَانَ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ عَبْد العَزِيز بْنُ بَاز -رَحِمَهُ الله- كَثِيرًا مَا يُدَارِسُ مَتْنَ ثَلَاثَةِ الأُصُولِ فِي دَوْرَةِ الطَّائِفِ.


فَلْنَكُنْ عَلَى الجَادَّةِ، وَلَا لِضَيَاعِ الأَوْقَاتِ، وَلْيَكُنْ شِعَارَنَا لِمَجَالِسِ هَذَا الصَّيْفِ

#كلمة_التوحيد

وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيق..

البُلَيْـــدِي

يوسف صفصاف 05 Jul 2017 06:19 AM

جزاكم الله خيرا شيخنا سددكم الله وثبتكم على الحق
كعادتكم اعتدنا نصحكم وبيانكم للحق فبارك الله فيكم.


الساعة الآن 06:13 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013