منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   كلمة موجزة عن تاريخ أصول الفقه للعلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=11092)

مهدي بن صالح البجائي 27 Aug 2013 07:55 AM

كلمة موجزة عن تاريخ أصول الفقه للعلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله
 
كلمة موجزة
عن تاريخ أصول الفقه :

أحمدك اللهم حمدا يليق بجلالتك وأشكرك شكرا يوافى نعمك ويكافئ مزيدك سبحانك لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك واشهد ان لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك شهادة تكفر بها عنا السيئات وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات واشهد ان محمدا عبدك المرتضى ونبيك المجتبي ورسولك المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:
فأصول الفقه من العلوم التي عم نفعها وعظمت فائدتها فقد استطاع به المجتهدون فطرة واستعداد أو دراسة واكتسابا أن يستثمروا نصوص الشريعة وان يستنبطوا بها الأحكام من أدلتها التفصيلية على أكمل وجه وأتقنه وأوضح طريق وأبينه ووقف من عنى بدراسته من العلماء المقلدين على مأخذ الأئمة المجتهدين ومداركهم وعرفوا طريقهم فى اجتهادهم ومذاهبهم فى استنباطهم فطبقوا قواعدهم على ما جد من أقضية واستخرجوا على أصولهم أحكاما فى كثير من المسائل نسبوها إليهم تخريجا حيث لم يثبت عنهم فيها حكم نصا .
وقد يبلغ من يعنى بعلم الأصول ويأخذ نفسه بدراسته قواعده استدلالا عليها وتطبيقا لها على نهج من تقدمه من الأئمة ان يكون مجتهدا مطلقا يعتمد فى بحثه على أصول الشريعة ويرجع الى أدلتها ويستنبط منها الأحكام وربما كان هذا ايسر له واعم نفعا واسلم عاقبة من اجتهاده فى المسائل على مقتضى أصول امام معين واستخراج الفروع على أصوله .
وقد كانت العربية سليقة للصحابة رضى الله عنهم وبلغتهم نزل القرآن وبها بينه النبى صلى الله عليه وسلم فكانوا يعرفون مقصد الكلام ومغزاه من لحن القول وفحواه وقد شهدوا عهد الوحى والتنزيل ولزموا النبى صلى الله عليه وسلم فى سفره وإقامته وكانوا مع ذلك على جانب عظيم من الفطنة والذكاء وسلامة الذوق ونور البصيرة والحرص على التشريع علما وعملا فوقفوا على أسرار الشريعة ومقاصدها ولم يجدوا فى أنفسهم حاجة الى دراسة قواعد يستعينون بها فى استثمار نصوص الشريعة ولا ضرورة تلجئهم الى تدوين أصول يرجع إليها فى استنباط الأحكام من الأدلة .
وقد سار التابعون على مدرجتهم وسلكوا سبيله فاستغنوا غناهم لقرب العهد بالوحى وقوة الصلة بالصحابة وكثرة الأخذ عنهم والمخالطة لهم وغليه السلامة على اللغة العربية من الكلمات الدخيلة .
ولما بعد العهد بزمن النبوة وكثر اختلاط العرب بغيرهم من الفرس والروم وترجم كثير من الكتب اليونانية وغيرها الى اللغة العربية أيام الدولة العباسية استعجم كثير من العرب فى لغتهم وأساليب كلامهم وتأثروا أذواقهم واختلفت مناهجهم وتغيرت اغراضهم فى نثرهم وشعرهن واللغة العربية لغة الكتاب والسنة أسلوبا ومنهجا ومقصدا ومغزى فهى الطريق الى فهمها والعمدة فى إدراك اسرارها وعليها يتوقف معرفة كثيرة من وجوه أعجاز القرآن فلذا عنى العلماء بحفظها فى جوانبها المختلفة بشتى الوسائل وتوسعوا فى تدوين قواعدها وبدؤوا يضعون قواعد أصول الفقه وساعدهم على ذلك ما وقفوا عليه فى الكتب المترجمة من صناعة التأليف ونظام التقعيد وحسن التبويب والترتيب .
وزاد تدوين أصول الفقه سهولة ان قواعده عند علماء الحديث فى الحجاز وعلماء الرأى فى العراق بدأت تتمايز فى نقاش المجتهدين من الفريقين وتظهر فى حجابهم واستدلالهم وان لم تكن مدونه لديهم .
وكان أول من عنى بتدوين أصول الفقه فيما اشتهر بين العلماء ابو عبج الله محمد بن ادريس الشافعى فاملى كتابه المعروف بـ " الرسالة " وكتبه عنه الربيع بن سلمان المرادة وقد جمع فى املاء الرسالة بين امرين اجمالا :
الاول : تحرير القواعد الأصولية وإقامة الأدلة عليها من الكتاب والسنة وايضاح منهجه فى الاستدلال وتأييده بالشواهد فى اللغة العربية .
الثاني : الاكثار من الامثلة لزيادة الإيضاح والتطبيق لكثير من الأدلة على قضايا فى اصول الشريعة وفروعها مع نقاش للمخالفين تزيده جزالة العبارة قوة وتكسبه جمالا فكان كتابه قاعدة محكمة بنى عليها من جاء بعده ومنهجه فيه طريقا واضحا سلكه من الف فى هذا العلم وتوسع فيه .
وقد تبعه فى الامرين ابو محمد على بن حزم فى كتابه " الإحكام فى أصول الأحكام " بل كان اكثر منه سردا للأدلة النقلية مع نقدها وايرادا للفروع الفقهية مع ذكره مذاهب العلماء فيها وما احتجوا به عليه ثم يوسع ذلك نقدا ونقاشا ويرجح ما يراه صوابا .
غير ان ابا محمد – وان كان غير مدافع فى سعة علمه واطلاعه على النصوص وتمييز صحيها من سقيمها والمعرفة بمذاهب العلماء وادلتها وايراد ذلك فى اسلوب رائع وعبارات سهلة واضحة لم يبلع مبلغ الشافعى فقد كان الشافعى اخبر منه بالنقل واعرف بطرقه واقدر على نقده واعد فى حكمه وادرى بمعانى النصوص ومغزاها وارعى لمقاصد الشريعة واسرارها وبناء الاحكام عليها مع جزالة فى العبارة تذكر بالعربية فى عهدها الاول ومع حسن أدب فى النقد وعفة لسان فى نقاش الخصوم والرد على المخالفين .
ولو سلك المؤلفون فى الأصول بعد الشافعى طريقته فى الامرين تقعيدا واستدلالا وتطبيقا وايضاحا بكثرة الامثلة وتركوا الخيال وكثرة الجدل والفروض واطرحوا العصبية فى النقاش والحجاج ولم يزيدوا الا ما تقتضى طبيعة النماء فى العلوم اضافته من مسائل وتفاصيل لما أصل فى الأبواب و إلى ما تدعو اليه الحاجة من التطبيق والتمثيل من واقع الحياة للايضاح كما فعل ابن حزم لسهل هذا العلم على طالبيه ولانتهى بمن اشتغل به الى صفوف المجتهدين من قريب .
ولكن اختلفوا فأخذ كل جانبا فمنهم من عنى بالقواعد واثباتها بالادلة عقلا ونقلا مع بسط القول ووضوح العبارة فى سوق الادلة ونقاشها وضوحا لا يعوز القارئ الى شرح او بيان .
غير انهم قصروا فى جانب الامثلة والتطبيق فلا يوجد فى كتبهم من ذلك إلا النزر اليسير ثم هو تقليدي يرثه الآخر عن الأول فلا تنوع ولا تجديد ولا تطبيق لما جد من القضايا فى العهود المختلفة وأكثروا مع ذلك من الجدل والخيال والفروض وألوان الاحتمال وذكر مسائل لا تدعو لها الحاجة وقد عرفت هذه الطريقة علماء الكلام وممن نسخ على منوالها فى تأليفه : ابو الحسين محمد بن على البصرى المعتزلى الشافعى فى كتابه " المعتمد " وابو المعالى عبد الملك بن عبد الله الجوينى الاشعرى الشافعى الشهير بامام الحرمين فى كتابه " البرهان " وابو حامد بن محمد الغزالى الاشعرى الشافعى فى كتابه " المستصفى " فهؤلاء ومن سلك سبيلهم لم يرعوا فى تأليفهم فروع مذهب معين انما همهم تفصيل القواعد الاصولية وايضاحها بالامثلة وذكر خلاف العلماء فيها والاستدلال عليها ومناقشة الادلة وترجيح ما يرونه .
وقد جمع ما فى هذه الكتب فخر الدين محمد بن عمر الرازى الاشعرى الشافعي فى كتابه " المحصول " وابو الحسن على بن ابى على محمد بن سالم السيف الامدى الاشعرى الشافعى فى كتابه " الاحكام " مع بسط فى القول ووضوح فى العبارة .
ومنهم من اكثر من المسائل الفقهية وعنى فيها بالانتصار لمذهب معين وقرر الى جاتنبها قواعد اصولية على ضوء ما حكم به امامه فى هذه المسائل فكان صنيعة مجتهد المذهب اشبه بصنيع فى تأليف الذى يعنى بمعرفة اصول امامه من الفروع التى نص على حكمها لا صنيع المجتهد المطلق او العالم الاصولى المنصف الذى يعنى ببحث القواعد الاصولية على ضوء اصول السريعة والاستدلال عليها بالكتاب والسنة دون ميل الى نصرة مذهب معين فى الفروع الفقهية .
وتسمى هذه الطريقة طريقة الحنفية لشيوعها فيهم وممن نهج سبيلها : أبو زيد عبيد الله بن عمر الدبوسى ومحمد بن احمد السرخسى وعلى بن محمد البزودى .
ولو سلك هؤلاء طريق الاستقراء فاكثروا المسائل الفقهية من ابواب شتى على ان يجمعها وحد اصولية كما فعل ذلك الشاطبى احيانا فى كتاب " الموافقات " وقصدوا بذلك الشرح والايضاح والارشاد الى ما بينها من معنى جامع يقتضى اشتراكها فى الحكم دون تقيد بمذهب معين ليخلصوا الى القاعدة الاصولية واتبعوا ذلك ما يؤيد الاستقراء من ادلة العقل والنقل لكان طريقا طبيعيا تألفة الفطر السليمة وتعتمده عقول الباحثين المنصفين ولاكسبوا من قرأ فى كتبهم استقلالا فى الحكم وفتحوا أمامهم باب البحث والتنقيب ويسروا لهم تطبيق القواعد الأصولية على ما جد ويجد من قضايا فى مختلف العصور .
واكتفى من جاء بعد هؤلاء باختصار كتب من سبقهم وتلخيصها على إحدى الطريقتين كالبيضاوى فى " المنهاج " وربما جمع بعضهم فى مختصره بين الطريقين كابن الهمام فى " تحريره " وقد بلغ كثير من المختصرات حد الألغاز فاضطر من يقرؤها ان يرجع الى الأصول التى منها اختصرت ليتمكن من فهمها او شرحها .
وخير لمن يريد فهم علم الأصول على وجهه ويرسخ فيه ان يرجع فى قراءته الى كتب الأوائل فإنها أقعد وعبارتها أدق وأوضح وتحريرهم لمحل النزاع وحكايتهم للخلاف أوفق لأنهم بذلك أعرف ونقاشهم للأدلة جار على أصول النقد وقواعد الجدل والمناظرة عند العلماء .


الساعة الآن 02:50 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013