منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   حكمُ روايةِ منْ كُفِّرَ ببدعةٍ (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=18617)

يوسف صفصاف 03 May 2016 02:54 PM

حكمُ روايةِ منْ كُفِّرَ ببدعةٍ
 
حكمُ روايةِ منْ كُفِّرَ ببدعةٍ
<بسملة1>
الحمد لله العلي القدير، و صلى الله و سلن على نبيه البشير النذير، و على آله و صحبه أهل الفضل الكثير، و من تبعهم بإحسان إلى يوم القيام للرب العزيز الكبير.
أما بعد، فإن من الأبواب المبثوثة في كتب المصطلح : من تقبل روايته ممن لا تقبل، و من جزئيات هذا الباب رواية المبتدع الذي كفر ببدعته، و هذه اعتنى بها الأئمة المحدثون لأهميتها، و اختلف أهل العلم و الاجتهاد في حكمها على أقوال، حاولت جمع هذه الأقوال و ترتيبها، داعيا الله تعالى النفع بها لي و لإخواني و التوفيق و السداد.
و هذا المقال ينصب الكلام فيه على خمس نقاط و هي :
1 _ ذم البدعة و المبتدعة.
2 _ تعريف البدعة.
3 _ أقسام البدعة و ضابط كل قسم.
4 _ أقوال العلماء في حكم رواية من كفر ببدعة.
5 _ القول المختار عند المحققين.
1 _ ذم البدعة و المبتدعة :
إن الله <تعالى>أخبر في كتابه العزيز ممتنا على عباده أنه أكمل دينه الحنيف و أتم النعمة عليهم فقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة 3]، فيدن الله كامل لا يحتمل زيادة و لا نقصانا، لكن من عباد الله <تعالى> من ضل عن سبيل الحق و اتبع هواه فزاد في دين الله ما ليس منه، لأغراض عدة، و هذا الفعل جاء ذمه في كتاب الله <تعالى> و في سنة نبيه <صلى الله عليه وسلم> نصوص كثيرة منها :
1 _ قال الله <تعالى> {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران 7].
قال النبي <صلى الله عليه وسلم> فيما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها بعد أن قرأ هذه الآية : "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
2 _ و قال <تعالى> {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام 153].
روى الحاكم و غيره عن عبد الله <رضي الله عنه>، قال : خط لنا رسول الله <صلى الله عليه وسلم> خطا، ثم خط عن يمينه، وعن شماله خطوطا، ثم قال : "هذا سبيل الله وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}" صححه الإمام الألباني <رحمه الله><تعالى> في المشكاة (166).
3 _ قال الله <تعالى> {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام 159].
4 _ روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله <صلى الله عليه وسلم> : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه ، فهو رد".
و لمسلم عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
5 _ روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله <صلى الله عليه وسلم> إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول : "صبحكم ومساكم"، ويقول : "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه السبابة، والوسطى، ويقول : "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
و عند ابن خزيمة : "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" صححها الإمام الألباني <رحمه الله> في صحيح الترغيب و الترهيب (50).
6 _ روى الحاكم في المستدرك و غيره عن العرباض بن سارية، قال : صلى لنا رسول الله <صلى الله عليه وسلم> صلاة الصبح، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال : "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" صححه الإمام الألباني <رحمه الله> في صحيح الجامع (2549).
7 _ روى مسلم عن أبي الطفيل، قال : قلنا لعلي بن أبي طالب، أخبرنا بشيء أسره إليك رسول الله <صلى الله عليه وسلم>، فقال : ما أسر إلي شيئا كتمه الناس، ولكني سمعته يقول : "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير المنار".
و غير هذه النصوص المرهبة في شأن البدعة كثير ليس هذا موضع بسطها.
2 _ تعريف البدعة :
لغة :
قال الإمام الشاطبي <رحمه الله> في الاعتصام (1/69) : "أصل مادة "بدع" للاختراع على غير مثال سابق".
ثم قال : "و يقال : ابتدع فلان بدعة؛ يعني : ابتدأ طريقة لم يسبق إليها سابق".
شرعا :
قال الإمام الشاطبي <رحمه الله> في الاعتصام (1/70) : "البدعة : طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه".
3 _ أقسام البدعة و ضابط كل قسم :
تقسم البدعة بعدة اعتبارات منها : باعتبار أثرها و ما يترتب عليها من حكم على صاحبها، و على هذا الاعتبار فتنقسم البدعة إلى مكفرة لصاحبها و غير مكفرة له.
أ _ البدعة المكفرة و ضابطها :
قال العلامة حافظ الحكمي <رحمه الله> في معارج القبول بشرح سلم الوصول (3/1419) : "ثم البدع بحسب إخلالها بالدين قسمان : مكفرة لمنتحلها، و غير مكفرة.
فضابط البدعة المكفرة : من أنكر أمرا مجمعا عليه متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة، من جحود مفروض أو فرض ما لم يفرض، أو إحلال محرم أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه عنه الله و رسوله و كتابه عنه من نفي و إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب و بما أرسل الله به رسوله صلى الله عليه و سلم، كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز و جل و القول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، و إنكار أن يكون الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلا و كلم موسى تكليما و غير ذلك، و كبدعة القدرية في إنكار علم الله عز و جل و أفعاله و قضائه و قدره، و كبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه، و غير ذلك من الأهواء.
و لكن من هؤلاء منهم من علم أن عين مقصده هدم قواعد الدين و تشكيك أهله فيه فهذا مقطوع بكفره، بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له، و آخرون مغرورن ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم و إلزامهم بها".
قال ابن حجر <رحمه الله> في النزهة (ص 118) : "فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع، ملعوما من الدين بالضرورة، و كذا من اعتقد عكسه".
قال السخاوي <رحمه الله> في فتح المغيث (1/234) : "و قال أيضا [أي : ابن حجر] : الذي يظهر أن الذي يحكم بكفره من كان الكفر من كان الكفر صريح قوله، و كذا من كان لازم قوله و عرض عليه و فالتزمه، و أما من لم يلتزمه و ناضل عنه فإنه لا يكون كافرا، و إن كان الكفر لازما".
قال ابن دقيق العيد <رحمه الله> في الاقتراح في بيان الاصطلاح (ص 292) : "إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة، إلا بإنكار متواتر من الشريعة".
قال الشيخ محمد آدم حفظه الله في شرح ألفية السيوطي (1/ 408) : "و المراد هنا : المجسم، و منكر علم الجزئيات، و قيل : و قائل خلق الفرآن، كما نص عليه الشافعي، و اختاره البلقيني".
قال الإمام مقبل الوادعي <رحمه الله> في السير الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (ص 195) : "من هو الذي يكفر ببدعته؟
من رد ما هو معلوم من الإسلام بالضرورة، يعني : ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم بأحاديث مثل الشمس أو آيه قرآنية هذا يعتبر كافرا، الذي هو كافر ترد روايته و لا كرامة".
ب _ البدعة المفسقة و ضابطها :
قال العلامة الحكمي <رحمه الله> في معارج القبول (3/1420) : "البدع التي ليست بمكفرة و هي ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب و لا بشيء مما أرسل الله به رسله كبدع المراوانية التي أنكرها الصحابة و لم يقرورهم عليها و لم يكفروهم بشيء منها و لم ينزعوا يدا من بيعتهم لأجلها كتأخير بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها، و تقديمهم الخطبة قبل صلاة العيد و جلوسهم في نفس الخطبة في الجمعة و غيرها، و سبهم كبار الصحابة على المنابر، و نحو ذلك مما لم يكن منهم على اعتقاد شرعيته، بل بنوع تأويل و شهوات نفسانية و أغراض دنيوية".
4 _ حكم رواية من كفر ببدعة :
اختلف الأئمة في مسألة حكم رواية من كفر ببدعة على ثلاثة أقوال :
1 _ ردها مطلقا.
2 _ قبولها مطلقا من غير تفصيل أو استثناء.
3 _ التفصيل.
القول الأول : رده روايته مطلقا.
و هذا القول قال به الجمهمور.
قال ابن حجر <رحمه الله> في النزهة (ص 118) : "فالأول [قلت : أي من كفر ببدعة] لا يقبل صاحبها الجمهور".
قال ابن كثير <رحمه الله> في اختصار علوم الحديث (ص 197) : "و المبتدع إن كفر ببدعة فلا إشكال في رد روايته".
قال البلقيني <رحمه الله> في محاسن الاصطلاح (ص 248) : "أما الكافر ببدعته فروايته ساقطة على مقتضى ذلك جزما".
قال العلامة التبريزي <رحمه الله> في الكافي في علوم الحديث (ص 343) : "المبتدع الذي يكفر ببدعته لا تقبل روايته".
قال الغزالي <رحمه الله> في المستصفى من علم الإصول (1/293) : "و أما الكافر، و إن كان متأولا، فلا تقبل روايته".
قال الشيخ محمد بن عبد الله الترمسي <رحمه الله> في منهج ذوي النظر في شرح منظومة علم الأثر (ص 203) : "(و كافر ببدعة لن يقبلا) عند الجمهور مطلقا".
القول الثاني : قبولها مطلقا من غير تفصيل.
قال ابن حجر <رحمه الله> في النزهة (ص 118) : "و قيل : يقبل مطلقا [أي : من كفر ببدعة]".
قال الشيخ العلامة محمد آدم حفظه الله في شرح ألفية السيوطي (1/408) : "و قيل : يقبل مطلقا، حكاه الخطيب عن جماعة من أهل النقل، و المتكلمين".
القول الثالث : التفصيل.
قال الحافظ ابن حجر <رحمه الله> في النزهة (ص 118) : "و قيل : إن كان لا يعتقد حل الكذب لنصرة مقالته قبل".
قال الشيخ محمد آدم حفظه الله في شرح ألفية السيوطي (1/408) : "و حاصل هذا القول : أنه يفصل بين ما إذا اعتقد حل الكذب، فيرد أو لا فيقبل، و هذا القول الذي صححه صاحب المحصول".
قال الشيخ محمد بن عبد الله الترمسي <رحمه الله> في منهج ذوي النظر في شرح منظومة علم الأثر (ص 203) : "(و ثالثها) –أي الأقوال- :و هو الذي صححه الإمام فخر الدين : لا يقبل (إن كان قد حللا) و يقبل إن اعتقد حرمة الكذب".
5 _ القول المختار عند المحققين :
الذي عليه المحققون كابن حجر و غيره أن صاحب البدعة المكفرة ترد روايته، بشرط إذا كان تكفيره موافقا لما ذكر من الضوابط.
قال الحافظ ابن حجر <رحمه الله> في النزهة (ص 118) : "و التحقيق : أنه لا يرد كل مكفر ببدعة؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، و قد تبالغ فتكفر مخالفها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق؛ لاستلزم تكفير جميع طوائف الإسلام.
فالمعتمد : أن الذي ترد روايته : من أنكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين بالضرورة، و كذا من اعتقد عكسه".
قال الشيخ محمد آدم حفظه الله في شرح ألفية السيوطي (1/409) : "و قد أجاد الحافظ رحمه الله في هذه المسألة إجادة بليغة، و قد سبقه إلى ذلك ابن دقيق العيد حيث قال..." و ذكر كلام الحافظ الآنف الذكر.
ثم قال حفظه الله (1/409) : "قلت : و هذا القول هو التحقيق الحقيق بالقبول، فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره من النقول. و الله أعلم".
هذا و صلى الله و سلم على نبينا محمد الأمين، و على آله الطاهرين، و أصحابه المكرمين، و من تبع نهجهم إلى يوم الدين.
يوسف صفصاف
26 رجب 1437
03 ماي 2016

أبو الحسن نسيم 04 May 2016 09:13 AM

بارك الله فيك أخي يوسف على هذا البحث الجميل،سددك الله ووفقك، وزادك من فضله،لو تتكرم ببيان مسألة الرواية عن المبتدع وكلام أهل العلم فيها.


الساعة الآن 07:03 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013