تعريف الصّحابي و بيان طرق معرفة الصُّحبة .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . فصل في تعريف الصحابي : الصحابي لغة : مأخوذ من " الصحب " ، يقال : صَحِبه صُحْبَة و صحابة ، أي : عاشره (1) . و لا خلاف بين أهل اللغة : أن الصحابي مشتق من الصحبة ، و يطلق على من صحب غيره قليلا أو كثيرا ، يوما ، أو شهرا ، أو ساعة (2) . الصحابي اصطلاحا : من لقي النّبي صلّى الله عليه و سلم مؤمنا به ، و مات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه : من طالت مجالسته أو قصرت ، و من روى عنه أو لم يرو ، و من غزا معه أو لم يغز ، و من رآه رؤية و لم يجالسه ، و من لم يره لعارض كالعمى (3) . و هذا التعريف هو الصحيح كما ذهب إليه جمهور المحدثين و الأصوليين سلفا و خلفا (4) ، فإنّهم قالوا باكتفاء الرؤية ، و لو لحظة ، و إن لم يقع معها مجالسة ، و لا مماشاة و لا مكالمة ، لشرف منزلة النّبي صلّى الله عليه و سلم ، و ممن نصّ على ذلك الإمام أحمد ، و ابن المديني و تبعهما تلميذهما البخاري و غيرهم كثير (5) . و رجح الحافظ ابن حجر هذا التّعريف ، ثم بيّن أنّه يدخل في قوله : " مؤمنا به " كل مكلّف من الإنس و الجنّ ، و أنّه يخرج من التّعريف من لقي النّبي كافرا و إن أسلم بعد ذلك ، و كذلك من لقيه مؤمنا بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة و كذلك من لقيه مؤمنا به ثم ارتدّ و مات على الرّدّة و العياذ بالله (6) . ثم قال : " و أطلق جماعةٌ أنّ من رأى النّبي صلّى الله عليه و سلّم فهو صحابي ، و هو محمول على من بلغ سنّ التّمييز أمّا من لم يميّز لا تصحّ نسبة الرّؤية إليه ، نعم يصدق أنّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم رآه فيكون صحابيّا من هذه الحيثية ، و من حيث الرّواية يكون تابعيّا " (7) . و بذلك اختار الحافظ ابن حجر عدم اشتراط البلوغ ، و أمّا الملائكة فإنّهم لا يدخلون في هذا التّعريف ، لأنّهم غير مكلَّفين ، و كذلك من رآه صلّى الله عليه و سلّم ميّتا قبل دفنه فالرّاجح عدم دخوله (8) . و يشمل الصّحابي : الأحرار و الموالي ، و الذّكور و الإناث ، لأنّ المراد به الجنس (9) ، ثم إنّ التّعبير في التّعريف بالرّؤية هو الغالب ، و إلّا فالضّرير الذي حضر النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم كابن أم مكتوم و غيره معدود في الصّحابة بلا تردّد (10) . و ذهب بعض الأصوليّين : إلى إطلاق اسم الصّحابي على من طالت صحبته للنّبي صلّى الله عليه و سلّم ، و كثرت مجالسته له على طريق التّتبع و الأخذ عنه (11) . و هو مروي عن سعيد بن المسيّب ، فقد كان يقول : " الصّحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله سنة ، أو سنتين ، أو غزا معه غزوة أو غزوتين " (12) . قال ابن الصّلاح : " لكن في عبارته ضيق يوجب ألّا يعدّ من الصّحابة جرير بن عبد الله البجلي ، و من شاركه في ظاهر ما اشترطه فيهم ممّن لا نعرف خلافا في عدّه من الصّحابة " (13) . و قول أنس رضي الله عنه لما سئل : هل بقي من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أحد غيرك ؟ قال : " ناس من الأعراب رأوه ، فأمّا من صَحِبه فلا " (14) . فيجاب عنه : بأنه أراد إثبات صحبة خاصّة ليست لتلك الأعراب (15) . و الصّواب : هو التّعريف الأوّل بأنّ الصّحابي هو : من لقي النّبي صلّى الله عليه و سلّم مؤمنا به ، و مات على الإسلام ، و هو قول الجمهور ، و هو الذي أيّده : الخطيب ، و ابن الصلاح ، و النّووي ، و ابن حجر ، و هو الذي عليه عامّة أهل العلم ، نظرا لشرف منزلة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم (16) ، و لعموم إطلاق الصّحبة عليهم لغة (17) . فصل في بيان كيفيّة معرفة الصّحبة : تعرف الصّحبة بعدّة أمور : 1 – تارة تعرف الصّحبة بالقرآن الكريم ، كقوله تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار }[ التوبة : 40 ] . فالمُراد به : الصّديق رضي الله عنه ، و لذا قالوا : من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر . و كصحبة زيد بن حارثة رضي الله عنه لقوله تعالى : { فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجناكها }[ الأحزاب : 37 ] . 2 – بالتّواتر ، كصحبة عمر ، و عثمان ، و علي ، و حذيفة ، و أبي هريرة ، و عائشة و غيرهم من كبار الصّحابة – رضي الله عنهم أجمعين - . 3 – بالأخبار المستفيضة ، و هو الاشتهار القاصر عن التّواتر ، يعني : يعرفهم كثير من الناس ، و إن كان خفي على بعضهم ، مثل : ثابت بن قيس ، و ذو اليدين ، و معاوية ابن الحكم السُّلَمي ، و بريرة مولاة عائشة ، و غيرهم رضي الله عنهم . 4 – بشهادة غيره من الصحابة ، كحديث ابن عباس رضي الله في السّبعين ألفا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب ، فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : " أنت منهم " (18) . 5 – برواية الصحابي ، عن النّبي صلّى الله عليه و سلم سماعا ، أو مشاهدة مع المعاصرة . 6 – بشهادة التّابعي بأن يقول : حدثني فلان ، من أصحاب النّبي صلّى الله عليه و سلّم ، و يشترط فيه : أ – أن يصحّ السّند إلى ذلك التّابعي . ب – أن يكون التّابعي من الكبار إذ الغالب روايتُهم عن الصّحابة . ج – أن يكون معروفا في الحفظ و الإتقان ، و لم يجرَّبْ عليه الخطأ ، إذ قد يخطىء و هو لا يدري . 7 – أن يخبر عن نفسه أنه صحابي ، و هو عدل ، و يجب أن يكون قبل مائة سنة من وفاة النّبي صلّى الله عليه و سلّم ، فإنّه ثبت بالتّواتر أنّ آخر الصّحابة موتا هو أبو الطفيل بن عامر بن واثلة اللّيثي ، مات سنة عشر و مائة على الصّحيح ، فمن ادّعى الصُّحبة بعد هذا فلا يُقبَل منه . كما يُستفاد من معرفة صُحبَةِ جمعٍ كثيرٍ منهم من خلال وصف يتضمّن أنّهم صحابة ، و هذا يَسْتنِد إلى ثلاثة آثار: الأوّل : " أنّهم كانوا لا يُؤَمِّرون في المغازي إلاّ الصّحابة ، فمن تتبَّع الأخبار الواردة في الرِّدَّة و الفُتوح ، وجد من ذلك كثيرا " . الثّاني : " أنَّ ابن عوفٍ قال : كان لا يولد لأحد مولود إلّا أتى به النَّبيَّ صلّى الله عليه و سلم فَدَعَا له " . الثَّالث : " لم يبقَ بالمدينة و لا بمكّة و لا الطّائف أحدٌ في سنة عشر إلاّ أسلم ، و شهد حجة الوداع " . فمن كان في ذلك الوقت موجودا ، اندرجَ فيهم لحصول رؤيتِهم النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و إن لم يَرُهُم هُوَ (19) . الحواشي : (1) انظر : القاموس المحيط ، للفيروزآبادي ، مادة (ص ح ب)(1/95) ، و الصحاح ، للجوهري (1/162). (2) انظر : الكفاية ، للخطيب (ص 100) ، و فتح المغيث (3/94) . (3) الإصابة ، لابن حجر (1/7) . (4) انظر : الباعث الحثيث ، لابن كثير (2/491) ، و فتح المغيث ، للسخاوي (3/93) . (5) انظر : الباعث الحثيث ، لابن كثير ( 2/492) ن و فتح المغيث ، للسخاوي (3/93) . (6) انظر : الإصابة ، لابن حجر (1/7 – 8) ، و فتح الباري ، لابن حجر (7/6 – 7) . (7) الإصابة ، لابن حجر (1/8) . (8) الإصابة ، لابن حجر (1/7 – 8) . (9) فتح المغيث ، للسخاوي (3/94 – 95) . (10) مقدمة ابن الصلاح ، مع شرحه التقييد و الإيضاح (ص 256) . (11) انظر : شرح النووي لصحيح مسلم (1/62 – 63) . (12) الكفاية ، للخطيب (ص99) ، و مقدمة ابن الصلاح ، مع شرحه التقييد و الإيضاح (ص256) . قال السخاوي : " أخرجه ابن سعد ، عن الواقدي ، و هو ضعيف في الحديث " فتح المغيث (3/102). (13) مقدمة ابن الصلاح ، المطبوع مع شرحه التقييد و الإيضاح (ص 258 ) . (14) مقدمة ابن الصلاح ، المطبوع مع شرحه التقييد و الإيضاح (ص 258) . (15) انظر : الباعث الحثيث (2/494 – 495) . (16) الكفاية ، للخطيب (ص 98 – 101) ، و شرح صحيح مسلم ، للنووي (1/63) ، و الإصابة ، لابن حجر (1/7 – 8) ، و انظر : الباعث الحثيث ، لابن كثير (2/491 – 495) ، و فتح المغيث ، للسخاوي (3/93) . (17) انظر لذلك : الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي ، للعلامة المحدث الفقيه ، الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله تعالى - . (18) أخرجه البخاري : كتاب الطب ، باب من اكتوى أو كوى غيره ح 5705 و مسلم في كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ح 218 . (19) انظر لهذا الفصل : مقدمة ابن الصلاح مع شرحه التقييد (ص 258) ، الباعث الحثيث ، لابن كثير (2/517) ، و الإصابة ، لابن حجر (1/8 – 9) ، و فتح المغيث ، للسخاوي (3/104 – 108) . - انتهى - من كتاب " صحابة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم - مكانتهم و عدالتهم و خطورة انتقاصهم " . تأليف : مسيكة بنت عاصم القريوتيّة . تقريظ : فضيلة الشيخ الدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي . - المدرّس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض - |
ماشاء الله
مرحبا بك أخي خليل بيننا وموفق في أول مشاركاتك |
بارك الله فيك يا أخي على هذا الترحيب و الكلمات الطيبة و الشيء من معدنه لا يستغرب - كما يقال - فهذا من طيبتكم و وفائكم المعهود منكم و أنا أتشرف بانضمامي إلى منتداكم المحترم و أستفيد منكم فنسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ و نكتب و حفظ الله شيخنا الفاضل لزهر الأزهر - اسما على مسمى - أحسبه و الله حسيبه . و نفع الله بعلمه البلاد و العباد و بارك الله فيه و في أهله و ذريته و حفظهم من كل سوء و جزى الله كل من ساهم في هذا الخير مع تحياتي للإخوة إحسان و حسن بن داود و سفيان و كل الإخوة هنا.... حفظكم الله و رعاكم و جعل الجنة مثواكم . حياكم الله . |
بارك الله فيك
بارك الله فيك أخي الكريم |
بورك فيك.
|
و فيكما بارك الله عزّ و جلّ
|
الساعة الآن 04:10 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013