منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   كَانَتْ عِنْدَ السَّلَفِ مُنْتَشِرَة، وَأَضْحَتْ عِنْدَ الخَلَفِ مُنْدَثِرَة ! (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=17464)

نبيل باهي 19 Nov 2015 08:11 AM

كَانَتْ عِنْدَ السَّلَفِ مُنْتَشِرَة، وَأَضْحَتْ عِنْدَ الخَلَفِ مُنْدَثِرَة !
 
<بسملة1>

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أمّا بعد:

فإنّه لا يخفى على عاقل خطورة الشرك وعواقبه في الدنيا والآخرة وأنه أعظم أنواع الظلم على الإطلاق، والذنب الذي لا يغفره الله تعالى لصاحبه إن مات عليه «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» [النساء : 48]، فهذا ممّا انتشر بين أوساط المسلمين، وهناك ذنب هو قرينُ الشرك ومنهم من جعله أعظم منه، والنّاس عنه غافلون ومن التحذير منه لا يبالون؛ ألا وهو القول على الله بلا علم قال الله تعالى : «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)» [الأعراف]

قال ابن القيم <رحمه الله> في إعلام الموقعين تحت فصل تحريم القول على الله بغير علم (1/57) : «وقد حرّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرّمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فرتّب أربع المحرمات مراتب : وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثمّ ثنّى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم ثمّ ثلّث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثمّ ربّع بما هو أشد تحريما من ذلك كلّه وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه»

وقال <رحمه الله> في مدارج السالكين ص 378 : «وأمّا القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرّمات تحريما و أعظمها إثما، ولهذا ذُكر في المرتبة الرابعة من المحرّمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان ولا تباح بحال بل لا تكون إلاّ محرّمة وليست كالميتة والدم ولحم الخنزير الذي يباح في حال دون حال»
وكونه <رحمه الله> جعل القول على الله بغير علم أشد من الشرك باعتبار جنسه لا باعتبار أفراده، ولذلك قال <رحمه الله> في مدارج السالكين: «فليس في أجناس المحرّمات أعظم عند الله منه
ولا أشد إثما وهو أصل الشرك والكفر وعليه أُسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلّة في الدين أساسها القول على الله بلا علم».

وقال الله تعالى : «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)» [النحل 116].
قال الإمام ابن كثير <رحمه الله> في تفسيره : «ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له مستند شرعي، أو حلّل شيئا حرّمه الله، أو حرّم ممّا أباح الله بمجرد رأيه وتَشَهِّيهِ».
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ النّبي <صلى الله عليه وسلم> قال : «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من النّاس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ النّاس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا»

قال النّووي <رحمه الله> : «ومعناه أن يموت حملته ويتخذ النّاس جهالا يحكمون بجهالاتهم فَيَضِلّون ويُضِلّون»

وبهذا يزول عجبُك إن قرأت أو سمعت عن شدة حذر السلف في هذا الباب ومن تدافع وانتشار "الله أعلم" بينهم و " لا أدري " على ألسنتهم.

أخرج الخطيب في الجامع (285/2) عن ابن أبي مليكة قال سئل أبو بكر الصديق <رضي الله عنه> عن آية فقال : «أي سماء تُظِلني وأي أرض تُقِلني إن قلت في كتاب الله ما لم أعلم».

وقال العالم الرباني أبو السبطين علي <رضي الله عنه> : « إذا سئلتم عما لا تعلمون فاهربوا. قالوا : وكيف الهرب يا أمير المؤمنين . قال : تقولون : الله أعلم». أخرجه الدارمي في السنن،

وقال أيضا : «يا بردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول الله أعلم».

وقال ابن عبد البر <رحمه الله> في جامع بيان العلم، قال أبو الدرداء: «قول الرجل فيما لا يعلم : لا أعلم نصف العلم».

وبمثل هذا جاء المعنى عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث الآنف الذكر؛ حيث قال : «من سئل عما لا يدري فقال لا أدري فقد أحرز نصف العلم» وهو في الطبقات الكبرى.(2/285)

وابن مسعود رضي الله عنه كان يقول:"إن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم. قال الله لنبيه : «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)»" [ص]،

وقال : "لا أدري ثلث العلم" (الإعلام)،
واشتهر عن إمام دار الهجرة مالك <رحمه الله> كما روى ذلك عبد الرحمن بن مهدي "حين جاءه رجل فقال يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر حَمَّلَني أهل بلدي مسألة لأسألك عنها فقال: سل، فسأله عنها، قال مالك: لا أحسنها، فبُهِت الرجل وقال أي شيء أقول لأهل بلدي، قال مالك: تقول لهم: قال مالك لا أحسن"، أخرجه أبو نعيم في الحلية، وقال أبو نعيم : ما رأيت أحدا أكثر قولا " لا أدري" من مالك بن أنس.

والإمام أحمد أيضا قال عنه أبوداود في مسائله : "ما أحصي ما سمعت أحمد بن حنبل سئل عن كثير ممّا فيه الاختلاف في العلم : فيقول لا أدري" ذكره ابن القيم في الإعلام (1/48)، ولا شكّ أن سير الأعلام مليئ بقول الأئمة لا أدري ولا أعلم والله أعلم ونحو ذلك.

وعلى هذا درج العلماء المعاصرون فكم تقرأ وتسمع عنهم في هذا الباب: فقد سئل فقيه الزمان عن الحجامة في الشتاء لا تكون ؟ فأجاب: لا أدري، وهو في لقاء الباب المفتوح.
وسئل أيضا عن حكم تربية الديك لتحرّي سماعه لورود الحديث في ذلك ؟ فأجاب والله لا أدري.
والشيخ ابن باز كان كثيرا في أشرطته تسمعه يقول: لا أدري، الله أعلم، اكتبوا لنا حتى نتدارسها في مجلس كبار العلماء.
وأمّا محدث العصر فسلسلة الهدى والنّور تزخر بقوله لا أدري، نصف العلم لا أدري، ليس عندي جواب، كما في مسألة نجاسة سؤر ولحم كل ذي مخلب من الطير.
وحضرت مرة لربيع السنّة الشيخ ربيع فسأله أحد الإخوة عن مسألة فقال : تحتاج إلى مراجعة، الله أعلم.
وكذلك الشيخ العبّاد في المسجد النّبوي لمّا سئل عن النوم على البطن ؟ قال: فيه نهي، فأعاد السائل، فأعاد الشيخ: فيه نهي وكأنّه لا يريد أن يقول حرام.
وشيخنا الأصولي أبو عبد المعز حفظه الله، كثيرا ما نسمعه يقول في مسائل: أنا متوقف فيها، لم يتبين لي الراجح، تُراجع، لا يحضرني، إلى غير ذلك وهكذا بقية المشايخ وطلبة العلم والحمد لله.

قال العلاّمة صالح الفوزان: «إن المفتي يتكلم عن الله جل وعلا ويوقع عن الله والقول على الله بلا علم فوق الشرك، فالفتوى بغير علم قول على الله بغير علم والعالم لا يفتي إلا عند الحاجة وعند السؤال والتأكد من الجواب وأمّا المتعالم والجاهل فلا يجوز له أن يتدخل في أمر لا يحسنه، عليه أن يتقي الله جل وعلا»
وهذا في جواب له عن خطر الفتوى بغير علم.

نعوذ بالله ونسأله جل وعلا أن يبصرنا بعيوبنا ويعرّفنا قدر أنفسنا والله أعلم وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.

بوزرارة حسان 19 Nov 2015 08:38 AM

بارك الله فيك اخى نبيل وجزاك الله خيرا

أبو ميمونة منور عشيش 19 Nov 2015 09:28 AM

جزاك الله خير الجزاء ونفع بك أخي نبيل، مقال مختصر نافع، جعله الله في ميزان حسناتك يوم تلقاه..

أبو عبد السلام جابر البسكري 19 Nov 2015 10:45 PM

جزاك الله خيرا أخي نبيل
السلف اشتد خوفهم فاشتد حذرهم.

أبو البراء 20 Nov 2015 01:36 PM

بارك الله فيك شيخ نبيل على التَّذكير، فإي نعم، لقد كانت عند السَّلف مشهورة فأضحت عند الخلف مهجورة، وليست هذه بأوَّل ما خلَفْنَا فيه سَلَفَنَا بِشَرٍّ والله المستعان.
أمَّا الشَّيخ العَبَّاد فهو رأسٌ في هذه المسألة، أحصيتُ له بيديَّ في مجلس واحدٍ من مجالسه وكان في شرح أبوابِ الطلَّاق من "سنن التِّرمذي" سبعَ مرَّاتٍ مواليات: لا ادري لا أدري...

مراد قرازة 20 Nov 2015 02:06 PM

جزاك الله خيرا شيخ نبيل ونفع بك ، اجدت وأفدت

أبو عبد الرحيم أحمد رحيمي 21 Nov 2015 09:04 AM

جزاكم الله خيرا ونفع بكم

نبيل باهي 21 Nov 2015 02:14 PM

<جزاكم الله خيرا> وَحيَّاكم الله جميعا.

أبو هاجر عيساوي محمد 21 Nov 2015 10:01 PM

بارك الله فيك اخي

إبراهيم بويران 22 Nov 2015 03:04 PM

أحسنت أخي نبيل، وفقك الله لمزيد من الخير .

أبوعبد الله مهدي حميدان السلفي 22 Nov 2015 05:31 PM

جزيت خيرا شيخ نبيل على المقال النافع الماتع
وبارك الله لك في علمك وعملك

شعبان معتوق 24 Nov 2015 07:31 AM

جزاك الله خير أخي نبيل و وفقك لمزيد من المقالات النافعة.

لزهر سنيقرة 24 Nov 2015 10:31 AM

بارك الله فيك أخي نبيل على اختيار الموضوع وحسن تناوله والتدليل عليه،ولكن حبذا لو أتممته بذكر نماذج من جناية الخلف فيه وهذا بيانا وتأكيدًا على الشطر الثاني من العنوان

نبيل باهي 24 Nov 2015 11:46 AM

جزى الله بالخيراتِ كل من علَّقَ، وبالبركاتِ كلَّ من حفَّزَ، فقد -والله- أسعدني تعليقُكم وتحفيزُكم جميعا،
ونزولًا عند توجيه شيخنا أبي عبد الله -زاده الله من فضله-، والذي ما أراه إلا في محلِّه، لم أَرَ بُدًّا من أن أستَجيب، ذاكرًا نماذجَ من جناية الخلفِ وما أستريب، ولا يمكن ذاك إلا بعد ترتيب، سائلًا المولى عز وجلَّ لي التوفيق أن أُصيب.

أبو فهر وليد 20 Jan 2017 04:21 PM

جزاكم الله خيراً.


الساعة الآن 04:05 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013