منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=22388)

عبد القادر شكيمة 19 Dec 2017 08:55 AM

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
 
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أمابعد:
تسبب حب الدنيا في انتكاس فئة ممن كان ظاهرهم الصلاح والتقوى، وإعراض آخرين عن الاستقامة على شرع الله العظيم ومنهجه القويم، فبعضهم ترك بعض ما أوجب الله عليه لأجل منصب بين العاملين، وآخرون لأجل مكان بين السياسيين، وآخرون اتقاء إيذاء الناس وابتغاء مرضاة الفاسقين، وآخرون اغتروا بما عندهم من علم فأعرضوا عن نصائح العلماء الربانيين. ولو عرف هؤلاء كلهم أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة, وجعلوا: "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه." نصب أعينهم، وقائد أنفسهم، وذاقوا حلاوة الإيمان، ما تركوا طاعة الرحمان، ولفازوا في الدنيا بالأمن والأمان، ويفوزون في الآخرة بخير الجنان.
تخريج الحديث:
اشتهر على الألسنة بلفظ "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه."
والحديث لم يرد بهذا اللفظ( 1).
وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه"
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
« نعم صح الحديث بدون قوله في آخره "في دينه ودنياه ".أخرجه وكيع في " الزهد " ( 2 / 68 / 2 )، وعنه أحمد ( 5 / 363 )، والقضاعي في مسند الشهاب ( رقم 1135 ) . وسنده صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه الأصبهاني أيضا في " الترغيب " ( 73 / 1 ) ثم روى له شاهدا من حديث أبي ابن كعب بسند لا بأس به في الشواهد. »( 2).
وورد بألفاظ أخر عند أحمد هي:
"إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ "(3 )
" إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلَّا أَعْطَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ "( 4)
" إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءً لِلَّهِ، إِلَّا آتَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ "(5 )
أنواع العوض:
العوض الذي يحصله من ترك ما حرم عليه ابتغاء مرضاة الله أنواع منها: العوض المعنوي والعوض المادي في الدنيا والآخرة، والأحداث والوقائع الآتية تشهد لما قلته.
أحداث ووقائع شهدت للحديث:
تحت هذا العنوان سأسرد بعض الوقائع والأحداث صدرت ممن عملوا بهذا الحديث:
1- من الأنبياء عليهم السلام:
قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)﴾ [ص:30-33]
أي: لما عرضت على سليمان عليه السلام الخيل الجياد السبق الصافنات أي: التي من وصفها الصفون، وهو رفع إحدى قوائمها عند الوقوف، وكان لها منظر رائق، وجمال معجب، خصوصا للمحتاج إليها كالملوك، فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب، فألهته عن صلاة المساء وذكره.
فقال ندما على ما مضى منه، وتقربا إلى الله بما ألهاه عن ذكره، وتقديما لحب الله على حب غيره: " إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْر". وضمن (أحببت) معنى (آثرت) أي: آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، وفي هذا الموضع المراد الخيل. " عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ" .
" رُدُّوهَا عَلَيَّ "، فردوها فَطَفِقَ فيها مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ؛ أي: جعل يعقرها بسيفه، في سوقها وأعناقها(6).
وقال سبحانه: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ [سورة ص:36]
قال ابن العربي: « لما عقر سليمان الخيل في ذات الله عوَّضه الله تعالى فقال: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ »( 7)
وقال ابن القيم: « ولما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد. »(8 ).
2- صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال ابن القيم: « ولما ترك المهاجرون ديارهم لله وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا وملكهم شرق الأرض وغربها. »( 9)
3- من أهل العلم واللغة رحمهم الله:
قال الحافظ ابن رجب: « أنبئت عن يوسف بن خليل الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشيخ الصالح أَبُو القاسم عبد الله بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد قَالَ: سمعتُ القاضي أبا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بن محمد البزاز الأنصاري (ت:535ه) يقول: كنتُ مجاورا بمكة - حرسها الله تعالى - فأصابني يوما من الأيام جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدتُ كيسا من إبريسَم مشدودا بشرابة من إبريسم أيضا فأَخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدتُ فيه عقدًا من لؤلؤ لم أرَ مثله، فخرجتُ فإذا الشيخ ينادي عليه، ومعَه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول: هذا لمن يَرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس، فقُلت له: تعال إلي، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ وعَدَدَه، والخيط الذي هو مَشدُود به، فأخرجته ودَفعته إليه. فسلم إليّ خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب علي أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بد أن تأخذ. ألح عليَّ كثيرا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى.
وأما ما كان مني: فإني خرجتُ من مكة وركبتُ البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمتُ أنا على قطعة من المركب، فبقيت مُدّةً في البحر لا أدري أين أذهب، فوصَلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعَدتُ في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي وقال: علمني القرآن. فحصل لي من أولئك االقوم شيء كثير من المال.
قال. ثم إني رأيتُ في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها فقالوا لي: تحسن تكتب؟. فقلت: نعم، فقالوا: علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنتُ أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبيَّةً يتيمة، ولها شيء من الدُنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعتُ، فقالوا: لا بل، وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إليَّ مددتُ عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه. فقالوا: يا شيخ، كسرتَ قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصتُ عليهم قصة العقد فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلتُ: ما بكم. فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أَبُو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدتُ في الدنيا مسلما إلا هذا الذي رد عليَّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم أجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي، والآن قد حصلت، فبقيتُ معها مدة ورزقتُ منها بولدين.
ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار. وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال. هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في معجمه. »( 10)
فهذا العلم عوضه الله – حسب هذه القصة - ما هو خير له في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فهو ما ذكره في نهاية قصته، وأما في الآخرة فجزاء ما حصل له من أجر من تعليم القوم، والوعد بدخول الجنة لموت ولديه، وقد روى أبو هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: << يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ. >>(11 )
ولو لم يكن العوض إلا الأنس بالله ومحبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه، لكفى به عوضا.
وقال ابن هشام الأنصاري: « رووا عن أبي عثمان المازني (ت:249ه) أن بعض أهل الذمة بذل له مئة دينار على أن يقرئه كتاب سيبويه، فامتنع من ذلك مع ما كان به من شدة احتياج، فلامه تلميذه المبرد (ت:286هـ)، فأجابه بأن الكتاب مشتمل على ثلاثمائة وكذا كذا آية من كتاب الله تعالى، فلا ينبغي تمكين ذمي من قراءتها.
ثم قُدِّر أن غنت جارية بحضرة الواثق بهذا البيت:
[أَظَلُومُ إِنَّ مُصابَكُمْ رَجُلًا *** أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ]
فاختلف الحاضرون في نصب (رجل) ورفعه، وأصرت الجارية على النصب، وزعمت أنها قرأته على أبي عثمان كذلك، فأمر الواثق بإشخاصه من البصرة، فلما حضر أوجب النصب، وشرحه بأن (مصابكم) بمعنى إصابتكم، و(رجلا) مفعوله، و(ظلم) الخبر، ولهذا لا يتم المعنى بدونه، قال فأخذ اليزيدي في معارضتي فقلت له: هو كقولك إن ضربك زيدًا ظلم. فاستحسنه الواثق، ثم أمر له بألف دينار ورده مكرما، فقال للمبرد: تركنا لله مئة دينار فعوضنا ألفا. » (12 )
قال ابن القيم:
« فائدة جليلة: إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، فأما من تركها صادقا مخلصا من قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلا استحالت لذة، قال ابن سيرين: سمعت شريحا يحلف بالله ما ترك عبد لله شيئا فوجد فقده، وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه حق، والعوض أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به الأنس بالله ومحبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى. »( 13)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.


عبد القادر بن محمد شكيمة
المقرن –الوادي
الثلاثاء 1 ربيع الثاني 1439 هـ الموافق 19 ديسمبر 2017 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث لأحمد بن عبد الكريم الغزي العامري: (ص88).
(2 ) سلسلة الأحاديث الضعيفة: (1/61-62)
( 3) المسند برقم:(23074)
(4 ) المسند برقم:(20739)
( 5) المسند برقم:(20746)
( 6) تفسير السعدي: (ص712).
( 7) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس لأبي بكر بن العربي: (1/257)
( 8) روضة المحبين لابن القيم:(ص443).
( 9) المصدر نفسه:(ص443).
( 10) ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: (1/443).
( 11) صحيح البخاري برقم:( 6424).
( 12) مغني اللبيب لابن هشام: (ص638)، وانظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم:(ص454-455).
( 13) الفوائد:(ص107).

عبد الصمد سليمان 19 Dec 2017 09:05 AM

جزاك الله خيرا على هذه النصيحة التي يعلمها الكثيرون ولا يعمل بها الا القلة من عباد الله الصالحين نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه

سفيان بن عثمان 19 Dec 2017 11:05 AM

جزاك الله خيرا وبارك فيك وفيما كتبت ونفعنا وإياك وإخواننا ، والله نسأل من فضله العظيم.

أبو إكرام وليد فتحون 19 Dec 2017 11:34 AM

جزاك الله خيرا وبارك فيك .

أبو عبد الرحمن محمد ربوزي 19 Dec 2017 01:26 PM

فوائد طيبة، جزاك اللّه خيرا

محمد طه محدة السوفي 19 Dec 2017 09:41 PM

يارك الله فيكم شيخنا على هته الدرر

لزهر سنيقرة 19 Dec 2017 11:08 PM

جزاك الله خيرا أيها الحبيب فقد ازددت حبا فيك بعد أن التقيت واجتمعت بك، فبارك الله فيك على ما قدمت ونفع بك إخوانك في هذا الصرح السلفي،فالتصفية والتربية باقية -بإذن الله- بوفائكم وعطائكم.

أبو الحارث وليد الجزائري 20 Dec 2017 07:40 AM

جزاكم الله خيرا كثيرا. ونسأل الله الهداية لمن علّق قلبه بصديق أو قريب على حساب دينه، وترك لزوم الأكابر، وإن كان ترك شيء دنيويّ لشكّ فيه صغير، فترك مخالفة العلماء أوجب، ومن الله العوض والجزاء من جنس العمل.

عبد القادر شكيمة 20 Dec 2017 08:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لزهر سنيقرة (المشاركة 83564)
جزاك الله خيرا أيها الحبيب فقد ازددت حبا فيك بعد أن التقيت واجتمعت بك، فبارك الله فيك على ما قدمت ونفع بك إخوانك في هذا الصرح السلفي،فالتصفية والتربية باقية -بإذن الله- بوفائكم وعطائكم.

بارك الله فيكم شيخنا الحبيب وأقول : أحبك الله الذي أحببتني فيه، مثل هذه الكلمات تزيد من العزيمة وتشحذ الهمة وتشجع على زيادة الخير، فجزاكم الله خيرا ورفع قدركم وجمعنا وإياكم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وبارك الله فيكم إخوتي الأفاضل على مروركم الطيب.


الساعة الآن 01:56 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013