منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   ركن الخطب المنبريّة والدروس العلمية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=37)
-   -   مَكَانَةُ الصَّحَابَةِ عُمُومًا وَفَضْلُ أُمِّنَا خصُوصًَا (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=18261)

نبيل باهي 09 Mar 2016 12:02 AM

مَكَانَةُ الصَّحَابَةِ عُمُومًا وَفَضْلُ أُمِّنَا خصُوصًَا
 



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فإن الله تبارك وتعالى أرسل نبيه <صلى الله عليه وسلم> بالهدى ودين الحق إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، فاصطفاه سبحانه لهذه الأمانة العظيمة التي أدَّاها كاملة غير منقوصة،
فنصح الأمة وبلغ رسالات ربه <تعالى> حتى أتاه اليقين، فما من خير يقرب الأمة إلى الله سبحانه ورضوانه إلا بيَّنه لنا وحثنا عليه، وما من شر يبعدنا عن الله ودار كرامته ويقربنا إلى مساخطه وعذابه إلا حذرنا منه.

ولأداء هذه الأمانة العظيمة والحمل الكبير اصطفى له من الناس أفضلهم وأخلصهم وهم أصحابه رضوان الله عليهم،
والصحابي كما قال ابن حجر<رحمه الله> في كتابه الإصابة : <<وأصح ما وقفت عليه أن الصحابي من لقي النبي <صلى الله عليه وسلم> مؤمنا به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز ومن رآه رؤية ولم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى>> انتهى كلامه<رحمه الله>.

فآمنوا به واتبعوه وناصروه وأزَّروه وفَدَوه بالنفس والنفيس فكانوا خير عون وخير صحب لنبيهم عليه الصلاة والسلام في حياته وبعد مماته، وعليه فهم خير الأمة بعد نبيها <صلى الله عليه وسلم>، من أجل ذلك كان من عقيدة المؤمن الصحيحة حبهم واعتقاد فضيلتهم وصدقهم وسبقهم وصيانة أعراضهم وحرمانهم وما أجمل ما قاله عبد الله بن سعود <رضي الله عنه> كما في موطا الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وغيرهما <<إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ <صلى الله عليه وسلم> خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، وَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَهُ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّه>>.

وقال أيضا : <<من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد <صلى الله عليه وسلم>، فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمةِ قلوباً، وأعمَقَها علما، وأقلَّها تكلفاً، وأقوَمها هدياً، وأحسنَها حالاً،
قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه <صلى الله عليه وسلم>، فاعرفوا لهم فضلَهم واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم>>، والأثر في الشريعة للأجري.

من أجل ذلكم اجتمع للصحابة الكرام ما لم يجتمع في غيرهم وتحقق لهم ما لم يتحقق لغيرهم، رفع الله ذكرهم في القرآن وأرضى بهم نبينا في سنته أيَّما وصية،
فأما في القرآن فكثير منها قوله تعالى : <{>وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ<}>.

وقوله تعالى : <{>مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَظ°لِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىظ° عَلَىظ° سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا<}>.

وقال تعالى في حق المهاجرين : <{>لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ<}>.

والآيات في هذا الباب كثيرة وأما سنة النبي <صلى الله عليه وسلم> فهي مَلأَى بالأحاديث التي تثبت خيريتهم وفضلهم وتنهى عن سبهم،
منها ما رواه البخاري عن عمران بن حصين أن النبي <صلى الله عليه وسلم> قال : <<خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم>>.

قال النووي <رحمه الله> : فاتفق العلماء على أن خير الناس وخير القرون قرن النبي <صلى الله عليه وسلم> والمراد أصحابه .

ومنها أيضا ما اتفق عليه الشيخان عن أبي سعيد الخدري <رضي الله عنه> أن النبي <صلى الله عليه وسلم> قال : <<لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ>>.

بل إن النبي <صلى الله عليه وسلم> جعل علامة الإيمان حبهم وعلامة النفاق بغضهم، ففي الصحيحين أن النبي <صلى الله عليه وسلم> كما روى ذلك أنس قال : <<آيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الْأَنْصَارِ>>.

والنصوص كثيرة ولا أريد الإطالة في هذه التوطئة والمقصود أن مكانة الصحابة الكرام من أسس عقيدة المسلم، وهو الذي عبر عنه الإمام الطحاوي <رحمه الله> في عقيدته حيث قال: <<ونحب أصحاب رسول الله رحمه الله، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان>>.

قال شراح الطحاوية : وإنما كان حبهم دين وإيمان وإحسان لأنه امتثال لأمر الله وأمر رسوله <صلى الله عليه وسلم> ولهذا حذر السلف والأئمة أشد التحذير من انتقاص الصحابة الكرام،
قال محمد بن سيرين كما عند الترمذي <<ما أظن أحدا ينتقص أبا بكر وعمر يحب النبي <صلى الله عليه وسلم>>>.
وقال الإمام أحمد <رحمه الله> <<حبهم سنة و الدعاء لهم قربة و الاقتداء بهم وسيلة والآخذ بأثارهم فضيلة>>، وقال أيضا : <<إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام>>.
وقال أبو زرعة الرازي <رحمه الله> : <<إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله <صلى الله عليه وسلم> فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول <صلى الله عليه وسلم> عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله <صلى الله عليه وسلم> وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة>>.
وقال الإمام محمد بن صُبيح بن السماك<رحمه الله> لما سمع رجلا سب أصحاب رسول الله <صلى الله عليه وسلم> : <<علمتَ أن اليهود لا يسبون أصحاب موسى -عليه السلام- وأن النصارى لا يسبون أصحاب عيسى -عليه السلام- فما بالك يا جاهل سببت أصحاب محمد <صلى الله عليه وسلم> ؟ وقد علمتَ من أين أوتيتَ لم يشغلك ذنبك أما لو شغلك ذنبك لخفت ربك، ولقد كان في ذنبك شغل عن المسيئين فكيف لم يشغلك عن المحسنين ؟ أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين، ولرجوت لهم أرحم الراحمين، ولكنك من المسيئين فمن ثَمَّ عبت الشهداء والصالحين، أيها العائب لأصحاب محمد <صلى الله عليه وسلم> لو نمتَ لَيْلَكَ، وأفطرت نهارك لكان خيرا لك من قيام لَيْلِكَ، وصوم نهارك مع سوء قولك في أصحاب رسول الله <صلى الله عليه وسلم> فويحك لا قيام ليل، ولا صوم نهار، وأنت تتناول الأخيار فأبشر بما ليس فيه البشرى إن لم تتب مما تسمع وترى .. وبم تحتج يا جاهل إلا بالجاهلين، وشر الخلف خلف شتم السلف لواحد من السلف خير من ألف من الخلف>> اهـ.

وكان الإمام مالك <رحمه الله> كما ذكر بن حجر في الفتح <<يوجب الهجرة من البلدة التي يسب فيها رسول الله <صلى الله عليه وسلم>>>،
وقال أيضا -أي الإمام مالك- <<كان السلف يعلمون أولادهم حب الصحابة كما يعلمنهم السورة من القرآن>>. اهـ

فكل صحابي من أصحاب رسول الله <صلى الله عليه وسلم> يدخل في عموم هذه النصوص والآثار بالإضافة إلى ما خص به من خص من الصحابة بالذكر منهم عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها فهي أم المؤمنين لعموم قول الله تعالى : <{>النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ<}>
قال ابن كثير <رحمه الله>: <<زوجات النبي <صلى الله عليه وسلم> أمهات لكل المؤمنين في الحرمة والاحترام، والتوقير والإكرام>>.

وقال ابن الجوزي : <<واجب علينا تعظيمهن وإجلالهن>>، والله تعالى عَظَّمَ بهذه الآية حق نساء نبينا <صلى الله عليه وسلم> ورضي الله عنهن،
عائشة أم المؤمنين قال الإمام الذهبي في ترجمتها بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله <صلى الله عليه وسلم> أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة، القرشية التيمية، المكية النبوية،
أم المؤمنين، زوجة النبي <صلى الله عليه وسلم> أعف نساء الأمة على الإطلاق أمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر.
هاجر بعائشة أبواها وتزوجها نبي الله قبل مهاجره وبعد وفاة الصديقة عائشة بنت خويلد رضي الله عنها، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا وقيل بعامين ودخل بها في شوال اثنتين وهي ابنة تسع.
فروت عن زوجها ونبيها <صلى الله عليه وسلم> علما كثيرا طيبا مباركا فيه.

وروت أيضا عن أبيها الصديق والفاروق عمر وفاطمة وسعد وحمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنهم أجمعين،
وروى عنها خلق لا يحصون حتى إن مسندها قال الذهبي يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثا وانفرد البخاري بأربعة وخمسين وانفرد مسلم بتسعة وستين.
ومن أجل هذا الكم من الأحاديث كانت من السبعة المكثرين عن رسول الله <صلى الله عليه وسلم>.
قال السيوطي <رحمه الله> :
والمكثرون في رواية الأثر نجمة أبو هريرة يليه بن عمر
وأنس والبحر كالخدري نجمة وجابر وزوجة النبي

أمكم وُلدت في الإسلام وهي أصغر من فاطمة بنت النبي <صلى الله عليه وسلم> ورضي الله عنها بثماني سنين وكانت تقول كما في البخاري : <<لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين>>.

وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومن ثم يقال لها الحميراء ولم يتزوج النبي <صلى الله عليه وسلم> بكرا غيرها وكان هذا اختيارا الله جل وعلا من فوق سبع سموات، ففي الصحيحين وغيرهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله <صلى الله عليه وسلم> : <<أُريتُك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة -قطعة- من حرير فيقول هذه امرأتك فاكشف عن وجهك فإذا أنت فيه فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه>> متفق عليه.

وهي البكر الوحيدة من نسائه <صلى الله عليه وسلم> ورضي الله عنهن، فقد أخرج الذهبي في السير عنها رضي الله عنها أنها قالت : <<لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة بعد مريم بنت عمران :
لقد نزل جبريل <صلى الله عليه وسلم> بصورتي في راحته، حتى أمر رسول الله <صلى الله عليه وسلم> أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكرا، وما تزوج بكرا غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري،
ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل وهو في أهله فيتفرقون عنه، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني معه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه،
ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما>>.

أحبها النبي <صلى الله عليه وسلم> حبا شديدا كان يتظاهر به، قاله الذهبي بحيث أن عمرو ابن العاص وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة،
سأل النبي <صلى الله عليه وسلم> أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال: <<عائشة >> قال : فمن الرجال ؟ قال : <<أبوها>> والحديث رواه البخاري ومسلم.

قال الذهبي: <<وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض وما كان عليه السلام ليحب إلا طيبا فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله <صلى الله عليه وسلم> فهو حري أن يُبغض عند الله ورسوله>> انتهى.

ولما استفاضت مكانتها عند النبي <صلى الله عليه وسلم> وحبه إياها، كان الناس يتحرون بهداياهم يومها وليلتها تَحريا إلى مرضاته عليه الصلاة والسلام .

روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : <<كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت فاجتمعن صواحب إلى أم سلمة فقلت لها، إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فقولي لرسول الله <صلى الله عليه وسلم> يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان فذكرت أم سلمة له ذلك فسكت، فلم يرد عليها فعادت الثانية فلم يرد عليها فلما كانت الثالثة قال : <<يا أم سلمة لاتؤذني في عائشة فإنه والله مانزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها>>.
وهذا الجواب منه عليه الصلاة والسلام دال على أن أفضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها.

ومن فضائلها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى عن النبي <صلى الله عليه وسلم> قال: <<كمُل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وأسية امرأة فرعون ،
وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام>>.

ومن فضائلها أنها زوجته في الجنة لما رواه الحاكم في المستدرك عن عائشة قالت قلت يا رسول الله مَن مِن أزواجك في الجنة قال: <<أما إنك منهن>>.

ومن فضائلها أن النبي <صلى الله عليه وسلم> خصَّها بالدعاء فقد أخرج البزار وصححه الألبابي عنها قالت لما رأيت رسول الله <صلى الله عليه وسلم> طيب النفس قلت يا رسول أدعُ الله لي فقال : <<اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر، وما أسَرَّتْ وما أعْلَنتْ>>.

ومن فضائلها سلام جبريل عليه السلام عليهما لما رواه البخاري ومسلم أنها قالت : قال رسول الله <صلى الله عليه وسلم> : <<يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام>>
قالت : <<وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لانرى يا رسول الله>>.

إن الحديث عن عائشة رضي الله عنها هو الحديث عن الفقه والعلم، ومَرَّ معنا أن مسندها يبلغ ألفين ومأتين وعشرة أحاديث
وقال الذهبي : <<ولا أعلم في أمة محمد <صلى الله عليه وسلم> ولا في النساء مطلقا امرأة أعلم من عائشة>>.

وقال قبيصة بن ذؤيب : <<كانت عائشة أعلم الناس يسألها أكابر الصحابة وقال عروة وهو بن أختها ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال وحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا النسب من عائشة رضي الله عنها>>.

إن الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هو الحديث عن العابدة الزاهدة كانت كثيرة الصيام كثيرة الزهد فقد قالت : <<ما شَبِع آلُ محمَّد يومَيْن -وهي من آله- من خُبزِ بُرٍّ>> متفق عليه.

وعن عطاء أن معاوية <رضي الله عنه> بعث إلى عائشة بقلادة بمئة ألف فقسمتها بين أمهات المؤمنين.

فهل تعلم أيها المؤمن أن أمك كانت سببا في نزول رخصة التيمم على هذه الأمة المرحومة، ففي البخاري ومسلم عنها قالت : <<خرجنا مع رسول الله <صلى الله عليه وسلم> في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله <صلى الله عليه وسلم> على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله <صلى الله عليه وسلم> وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله <صلى الله عليه وسلم> واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله <صلى الله عليه وسلم> والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت فعاتبني وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله <صلى الله عليه وسلم> على فخذي فنام رسول الله <صلى الله عليه وسلم> حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم؛ فتيمموا فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته>>.

إن الحديث عن عائشة رضي الله عنها هو الحديث عن المرأة البراء مما رماها المنافقون من حادثة الإفك، والطعن في عرضها وعرض رسول الله <صلى الله عليه وسلم>
وصبرت صبرا عظيما وعيناها لا تجفان من الدموع من مر على هذا الإفك شهرا كاملا، فدخل عليها النبي <صلى الله عليه وسلم> ومعها امرأة من الأنصار فجلس النبي <صلى الله عليه وسلم> وتشهد ثم قال : <<أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه>>، فلما سمعت قوله جفت دموعها والتفتت إلى أبيها فقالت : أجب رسول الله فيما قال، فقال : "والله ما أدري ما أقول لرسول الله <صلى الله عليه وسلم>،" ثم التفتت إلى أمها ،فكان جوابها كجواب أبيها وعندها قالت الصديقة :" لقد سمعتم هذا الحديث الذي استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم أني منه بريئة –والله يعلم أني منه بريئة – لاتصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر –والله أني منه بريئة- لتصدقني وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف حين قال: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون>>.
وإذا بالوحي يتنزل من السماء بحمل البراءة الدائمة والحجة الدامغة في أيات بينات تشهد بطهرها وعفافها وتفضح المنافقين: <{>إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ غڑ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم غ–
بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ غڑ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ غڑ وَالَّذِي تَوَلَّىظ° كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ...
<}> الأيات.
وتحول حزن النبي صلى الله عليه وسلم إلى فرح وانفرج الكرب فقال لها "أبشري يا عائشة أما الله عزوجل فقد بَرَّأَكِ".
وقالت لها أمها قومي إلى رسول الله <صلى الله عليه وسلم> فقالت رضي الله عنها امتنانا بتبرئة الله لها <<والله لأحمد إلى الله عزوجل>>، وأصله في البخاري، قال ابن كثير <رحمه الله> "فغار الله لها وأنزل براءتها في عشر أيات تتلى على الزمان فَسَمَى ذكرُها وعلى شأنها لتسمع عفافها وهي في صباها فشهد الله لها بأنها من الطيبات ووعدها بمغفرة ورزق كريم>>. انتهى

قال بعض السلف بينما ترى أن الله عزوجل بَرَّأَ يوسف عليه السلام بالشاهد حين قال : <{>وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا<}>.
وبَرَّأَ مريم بولدها عيسى عليه السلام حين أنطقه في مولده، بَرَّأَ عائشة بذاته سبحانه بقرآن يتلى إلى يوم القيامة.
وقال ابن عباس بالبصرة يوم عرفة وقد سئل عن هذه الأيات من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في إفك عائشة ثم قال : <<بَرَّأَ الله أربعة بأربع يوسف بالوليد،
وموسى بالحجر، ومريم بإنطاق ولدها وعائشة بهذه الأيات العظيمة>>.

من أجل ذلك اتفقت كلمة العلماء على أن من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ورماها بما بَرَّأَها
الله منه أنه كافر مكذب للقرآن الكريم، قال مالك رحمه الله : <<من سب أبا بكر وعمر جلد ومن سب عائشة قتل، قيل لما يقتل في عائشة ؟ قال مالك "فمن رماها فقد خالف القرآن">>.

قال ابن حزم : قول مالك صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها، وهو قول ابن العربي المالكي، وابن تمية والنووي وخلقا لا يحصون من علماء الإسلام.

عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين حبها واجب، في صحيح مسلم أن النبي <صلى الله عليه وسلم> قال لفاطمة رضي الله عنها : <<ألست تحبين من أحب ؟ قالت بلى، قال "فأحبى هذه " يعني عائشة>>.

نبيُّكم <صلى الله عليه وسلم> يا محب مات في حجرة عائشة وهذه رغبته بعدما كان يحب أن يمرض عندها، تقول عائشة رضي الله عنها : <<إن من نعم الله علي أن رسول الله <صلى الله عليه وسلم> توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته –في رواية جمع الله بين ريقي وريقه في أخر يوم من الدنيا وأول يوم من الأخرة>>.

ونختم بهذه الشعلة من بلاد الأندلس صاحبها ابن بهيج الأندلسي حين نظم قصيدة حوت أربعا وخمسين بيتا في عد مناقب أم المؤمنين وفضائلها بلسان حالها اخترت منها :

ما شَانُ أُمِّ المؤمنين وشَاني نجمة هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّاني
إِنِّي أَقُولُ مُبيِّناً عَنْ فَضْلِها نجمة ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَاني
يا مُبْغِضِي لا تَأتِ قَبْرَ مُحَمَّد نجمة فالبَيْتُ بَيْتي والمَكانُ مَكاني
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ نجمة بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعاني
وَسَبَقْتُهُنَّ إلي الفَضَائِلِ كُلِّها نجمة فالسَّبقُ سَبقي والعِنَانُ عِنَاني
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبي نجمة فالْيَوْمُ يَوْمي والزَّمانُ زَماني
زَوْجي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ نجمة اللهُ زَوَّجني بهِ وحَبَاني
وأتاه جبريل الأمين بصورتي نجمة فأحبني المختار حين رأني
وتَكلم اللهُ العظيمُ بحُجَّتي نجمة وبَرَاءَتِي في مُحكمِ القُرآنِ
واللهُ حَفَّرَني وعَظَّمَ حُرْمَتي نجمة وعلى لِسَانِ نبِيِّهِ بَرَّاني
والله في القرآن قد لعن الذي نجمة بعد البراءة بالقبح رماني
وأبي أقامَ الدِّين بَعْدَ مُحمدٍ نجمة فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِناني
ويلٌ لِعبدٍ خانَ آلَ مُحمدٍ نجمة بعَداوةِ الأزواجِ والأختانِ
إني لأمُ المؤمنين فمن أبى نجمة حُبي فسوف يبُوءُ بالخسران

وصدق <رحمه الله> فقد ثبت عنها أنها أخبرت برجل تبرأ من أمومتها فقالت صدق فأنا أم المؤمنين لا أم الكافرين.
هذا ويحسن التنبيه على بعض السموم الرافضية الخبيثة التي دخلت مجتمعنا الجزائري وفيها طعن لأم المؤمنين رضي الله عنها من حيث لا يشعر المؤمن، منها :
عايشة راجل تُقال في المرأة المسترجلة،
عايشة البكاية
تُقال في المرأة كثيرة البكاء،
عايشة البواسة
تُقال في المرأة كثيرة التقبيل.

فاحذروا هذه الألفاظ وغيرها جاءت من الأخباث الأنجاس الأرجاس، عياذا بالله، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.

أبو ميمونة منور عشيش 09 Mar 2016 11:38 AM

جُزيت خيرًا أيُّها الفاضل النَّبيل، على هذا المقال النَّافع الجميل، ورضي الله تعالى عن أمِّنا عائشة وسائر الأصحاب، وإن رغمت أنوف الرَّوافض المجرمين..

شعبان معتوق 09 Mar 2016 10:11 PM

مقال ماتع، جزاك الله خيرًا أخانا نبيل باهي و بارك فيك، رضي الله عن أمِّنا عائشة و عن سائر صحابة نبينا صلى الله عليه و سلم.

أبو معاذ محمد مرابط 10 Mar 2016 12:30 PM

رفع الله شأنك أخي الفاضل نبيل. فما سطرته هنا هو مخزون أفئدة الأوفياء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكثر الله أقلاما تنتصر للمهاجرين والأنصار وطيب الله قلوبا تنبض حبا وتوقيرا لأم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عن جميع الصحابة

أبو ياسر أحمد بليل 10 Mar 2016 01:02 PM

سلمت يداك اخي الفاضل نبيل جزاك الله خيرا ورفع الله قدرك كما سعيت في دفاعك عن أولئك الاخيار

أبوعبد الله مهدي حميدان السلفي 11 Mar 2016 06:53 AM

جزاك الله خيرا أخي نبيل

نبيل باهي 14 Mar 2016 08:47 AM

حياكم الله جميعا، أعضاءَ منتدى الذبِّ عن أعراض أصحاب رسول الله <صلى الله عليه وسلم> ورضي الله عنهم.

نبيل باهي 16 Jul 2018 07:02 AM

رضي الله عن أم المؤمنين خصوصا وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عموما.

يوسف عمر 16 Jul 2018 08:02 AM

جزاكم الله خيرا أخي نبيل ورفع الله قدركم في الدارين، ورضي الله عن أمنا أم المؤمنين وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين .


الساعة الآن 04:33 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013