منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   اصبر يا طالب العلم! (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=11432)

حسن بوقليل 22 Oct 2013 10:00 AM

اصبر يا طالب العلم!
 
بسم الله الرحمن الرحيم


أحمد الله حق حمده، وأصلي على محمد نبيه، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:

فإن مما يعلمه طالب العلم الشرعي أن عليه مسؤولية عظيمة، وأمانة ثقيلة، وهي تبليغ دين الله تعالى إلى خلقه.
قال الله تعالى: ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)) [الأحزاب: 72].
وقال (صلى الله عليه وسلم): "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" [رواه البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو بن العاصي (رضي الله عنهما)].
ولكن على الطالب أن يتميز عن غيره بسمته الحسن، وخلقه الجميل، فهو أدعى لقبول دعوته.
وانظر إلى يوسف (عليه السلام) كيف توجه إليه الفتيان في السجن بالسؤال، وعللا مجيئهما بقولهما: ((إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) [يوسف: 36].
قال ابن كثير (رحمه الله): "وكان يوسف (عليه السلام) قد اشتهر في السجن بالجود، والأمانة، وصدق الحديث، وحسن السمت، وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن، وعيادة مرضاهم، والقيام بحقوقهم. ولـمَّا دخل هذان الفتيان إلى السجن تآلفا به وأحبَّاه حبًّا شديدًا" ["تفسير القرآن العظيم": (4 / 387)].
وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الطالب، لا أن يكون فظا غليظ القلب على الناس، أو على طلبته.
وليصبر على تعليم الناس كما صبر على تعليمه أستاذُه، وليجعل الرحمة صلة بينه وبين تلاميذه؛ فـ"الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنَ"، وهو الحديث المسلسل بالأولية، إشارة إلى هذا المعنى.
وما أردت التنبيه عليه في هذا المقال هو شكوى بعض طلبة العلم والمدرسين مما قد يؤذيهم، وذلك في صور:
1. الألقاب التي تلصق بهم:
أيا طالب العلم!
اعلم أن الأذى ملاحقك ما دمت في ركب العلماء، وسيرتهم.
فاذكر نبيَّك محمَّدًا (صلى الله عليه وسلم) وما لاقاه من أذى أعزِّ الناس إليه؛ قولا وفعلا:
قال الله تعالى: ((وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)) [ص: 4]
وقال تعالى: ((بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ)) [الأنبياء: 5]
وهذا دأبهم من قديم، قال الله تعالى: ((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) [الذاريات: 52]، فمن كان على خطى الأنبياء تعرض لهذا الأذى.
وما أجمل ما قاله الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد ابن عثيمين (رحمه الله): "فعلى الداعية أن يكون صابراً على دعوته مستمراً فيها. صابراً على ما يعترضه هو من الأذى، وهاهم، وها هم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول وبالفعل قال الله تعالى: ((كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) [الذاريات: 52]، وقال عز وجل: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ)) [الفرقان: 31]، ولكن على الدَّاعية أن يقابل ذلك بالصَّبر، وانظر إلى قول الله (عز وجل) لرسوله (صلى الله عليه وسلم): ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً)) [الإنسان: 23]، كان من المنتظر أن يقال فاشكر نعمة ربك، ولكنه (عز وجل) قال: ((فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ))، وفي هذا إشارة أنَّ كلَّ من قام بهذا القرآن فلابدَّ أن يناله ما يناله ممَّا يحتاج إلى صبرٍ.
وانظر إلى حال النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) حين ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدَّم عن وجهه ويقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"[1]، فعلى الدَّاعية أن يكون صابرًا محتسِبًا" اهـ ["شرح ثلاثة الأصول": (ص 24)].
فقد يقال عنك: جئت بدين جديد، أو متعالم، أو جاهل، ...
فلا ينبغي أن تثبطك هذه الألقاب، ولا أن تعيق مسيرك في تعليم الناس[2].
2. الزهد في مجالسه:
قد تكون مجالسك شبه خالية من الحضور؛ فلا تستصغر نفسك، فأنت على ثغر.
وليست العبرة في الصواب والسنة بكثرة الحضور.
ها هو الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي (رحمه الله) كانت مجالسه الأخيرة في التعليق على "قواعد ابن رجب" خلوا من الطلبة إلا ابن عثيمين (رحمه الله).
وانظر مجالس كبار العلماء في وقتنا كم يحضرها.
فالواجب عليك تعليم الناس، وليس أن تلزمهم بالحضور، كما يفعل بعض من لا نصيب له من العلم وسمته؛ يلزم الناس بحضور مجالسه، ويلومهم على الزهد فيها، ويقول: لماذا لا تجلسون إلي؟!
لم يعهد علماؤنا على هذه الطريقة.
لكن: ما السبب في هجر مجالسك؟
راجع نفسك؛ لعلك ممن لا يؤنس منه علم!
أو ممن يتجرأ على العلم وأهله!
أو ممن يكذب في حديثه!
أو ممن لا يعمل بعلمه!
سافر مرة عبد الرزاق بن همام الصنعاني (رحمه الله)، وهو من هو في العلم، فمكث مدة لم يزره الطلاب ليأخذوا عنه، فماذا فعل؟!
تعلق بأستار الكعبة وقال: يا رب! ما شأني؟ كذاب أنا! أي شيء أنا؟!
فجاؤوه بعد ذلك. ["تاريخ دمشق" لابن عساكر (36 / 180][3].
فأساء الظن بنفسه أولا، وهكذا الطالب.
وفق الله الجميع لما فيه الخير.


= = = = = = = = = = = = =
[1] أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (757) وفيه حكاية النبي (صلى الله عليه وسلم) عن نبي آخر شجه قومه. وقد ثبت مثل هذا الدعاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة أحد؛ رواه الطبراني في "الكبير" (8562) وغيره. وانظر كلام الشيخ الإمام الألباني في "الصحيحة" (3175) عنه.
[2] طبعا إذا كنت أهلا للتدريس، أما من لم يكن أهلا له، ولا أذن له مشايخه، ولم يؤانس من نفسه قدرة على ذلك فهذه ينبغي أن تثبطه عن سلوك طريق غير طريقه، والله الهادي.
[3] أفادني بهذه القصة أحد إخواني، فجزاه الله خيرا.



... (يتبع)

أبو جميل الرحمن طارق الجزائري 22 Oct 2013 01:07 PM

ما شاء الله
بارك الله فيكم على الذكرى وطابت مجالسكم

زين الدين صالحي 22 Oct 2013 02:47 PM

جزاكم الله خيرا ونفع بكم ووفقكم لما فيه صلاح هذه الأمة.

أبو عائشة مراد بن معطي 22 Oct 2013 02:50 PM

جزاك الله خيرا شيخ حسن بوقليل

أبو عبد الرحمان الأرهاطي 22 Oct 2013 03:10 PM

جزاكم الله خيرا و بارك فيكم.

بلال بريغت 22 Oct 2013 03:34 PM

جزاك الله خيرا أخي الحبيب

عبد الصمد بن أحمد السلمي 22 Oct 2013 06:53 PM

جزاكم الله خيرا..كلمات ماتعة نافعة .
رجاء : ليتكم تطيلون في بيان عظمة الإخلاص

يوسف صفصاف 22 Oct 2013 10:13 PM

بارك الله فيكم شيخ حسن و أحسن إليكم و جزاكم الله خيرا على نصائحكم الغالية في وقت يحتاج إليها طالب العلم كثيرا
نحن في انتظار المزيد وفقكم الله

الوناس حشمان 23 Oct 2013 07:50 AM

بارك الله فيكم و أحسن الله لكم

حسن بوقليل 23 Oct 2013 08:43 AM

جزاكم الله خيرا، ووفقنا وإياكم للصدق والإخلاص في القول والعمل.
بالنسبة لقضية (الإخلاص) فانظر كتاب شيخنا الأستاذ أبي عبدالمعز (حفظه الله)، وأما مقصود المقال فهو شيء آخر.

أبو معاذ محمد مرابط 23 Oct 2013 08:54 AM

بارك الله فيك على الذكرى التي افتقدناها كثيرا في هذه الأزمنة الأخيرة
فلّما ضيّع فئة من الطلبة عبادة الصبر ظهر الخلاف و الشرّ في صفوفهم
فأصبح الواحد منهم يقيم الدنيا عندما يسمع أحد الناس وقد وقع فيه
و الآخر يترك ثغر الجهاد عندما لا يجد من يكثّر سواده
وغيرها من الصوارف التي ألجمت لسان الدعوة لديهم
نسأل الله العافية و الثبات

مهدي بن صالح البجائي 23 Oct 2013 10:39 AM

هتف العلم بالعمل، جعلكم الله مباركين.

وسيم قاسيمي 23 Oct 2013 12:32 PM

بارك الله فيكم يا شيخ حسن، وفقكم الله لكل خير وصلاح

عبد الصمد بن أحمد السلمي 23 Oct 2013 06:27 PM

اقتباس:

جزاكم الله خيرا، ووفقنا وإياكم للصدق والإخلاص في القول والعمل.
بالنسبة لقضية (الإخلاص) فانظر كتاب شيخنا الأستاذ أبي عبدالمعز (حفظه الله)، وأما مقصود المقال فهو شيء آخر.

بوركت أيها الشيخ الفاضل.
أحسب أن للصبر علاقة بالإخلاص ، فالمخلص يدفعه إخلاصه للصبر على الحق ، ولعل الشيخ الفاضل عنده مزيد حول الموضوع ؛ بارك الله فيه.
وكتاب الشيخ فركوس قرأته قبل مدة يسيرة والحمد لله على فضله وإحسانه.
زادكم الله توفيقا.

حسن بوقليل 24 Oct 2013 07:52 AM

موفق لكل خير.
سيتبع إن شاء الله بذكر مسائل يشتكي منها بعض المدرسين.


الساعة الآن 04:27 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013