منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   ردّا على جمعة: كَشْفُ تَشْغِيبَةِ ذَوِي العِدَى في نِسْبَةِ السَّلَفِيِينَ لحبِّ الكَثْرَة (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=24502)

عبد المجيد تالي 21 Aug 2019 06:47 PM

ردّا على جمعة: كَشْفُ تَشْغِيبَةِ ذَوِي العِدَى في نِسْبَةِ السَّلَفِيِينَ لحبِّ الكَثْرَة
 
<بسملة1>

كَشْفُ تَشْغِيبَةِ ذَوِي العِدَى في نِسْبَةِ السَّلَفِيِينَ لحبِّ الكَثْرَة

مما هو معلوم لدارس القرآن الكريم، والمتأمل في آياته البينات، والمتتبع لأقاويل أهل التأويل فيه يدرك أن من مقاصد القرآن الكريم ذم الكثرة وعدم حمدها إلا في مواطنها التي جاءت فيها على أصله وقصدِه؛ من إقامة الهدى والدعوة إليه.
وعلى وفق ذا جاءت سنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم الشارحة والمبيِّنة لذاك المقصد العظيم، وكذا تقريرات السلف رضي الله عنهم والسادة العلماء، وليس المقصود هنا: إقامة البراهين والتدليل على هذه القضية؛ فإنها من الوضوح بمكان لدى الدارس لنصوص الوحيين، والمطالع لأثار السلف الأخيار، وأقاويل أهل العلم وبالأخصِّ لدى السَّلفيين، ولكن المراد: التَّنبيه والإشارةُ إلى قضيةٍ أخرى، وهي: من الخطورة بمكان؛ إذ من آثارها التلبيس والتشويش و من ثَمَّ التأسيس لمنهج منحرف خطير في فهم أمور الدِّين والخَلْط في حقائقِه ومقاصدِه، وهي: استغلال هذا المقصد الشريف الذي قرره الكتاب والسنَّة، وأرسى معانيه أئمة الإسلام، لنصرة الباطل وأهله، وذلك:
أنِّي أُطْلِعت على إجابةٍ لمتولي كبر الفُرقة والفتنة الحاضرة في بلدنا العزيز «عبدالمجيد جمعة»، قيَّدها بعض الحاضرين جِلْسته بـ: «مدينة الدرارية»، وذلك بتأريخ: 27-11-1440هـ، أذن صاحبها بنشرها، وتَمَّ نشرها على «قناة أهل السنة» بمدينة بجاية، مفادُها: (سئل الشيخ عما يثيره الصعافقة لما رأوا مجالس مشايخنا عامرة ومشهودة قالوا: الكثرة مذمومة، ولا يعني: أن أصحابها على حق؟!). فكان جواب العلامة الفقيه الأصولي عندهم ([1]): (أولا: أنهم لم يجدوا هذه الكثرة في مجالسهم، ولو وجدوها لطاروا بها فرحا؛ ولذلك تراهم يفتخرون إذا اجتمعوا في وليمة أو نحوها وتباهوا بالكثرة المزعومة.
ثم إن الكثرة ذمها الله مقرونة بـ: الباطل، مع الجهل، مع الكفر ، مع الفسق ، مع الضلال...

كما قال تعالى: {ولكن أكثرهم يجهلون} {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} {وأكثرهم الكافرون}أما الكثرة إذا كانت مع الحق فهي: عزة ونصرة، والدليل على ذلك قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم و ساءت مصيرا}، وقوله : {غير سبيل المؤمنين} إشارة إلى الكثرة ولهذا استدل الشافعي بهذه الآية على حجية الإجماع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة» فافتخر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة أمته، ولهذا كان أحمد يقول لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز، لأن جنائز أهل السنة كانت مشهودة وجنائر أهل البدع كانت مخذولة، ونحن نقول لهؤلاء: بيننا وبينكم المجالس، ونقول أيضا: تركنا لهم الطعون واشتغلنا بالعلوم والفنون، و تركنا لهم البيانات و واشتغلنا بالبينات) اهـ.
عنون لها ناشرها -ولا أخال لافظَها إلَّا على علم بذلك- ([2]): (كشف شبهة الصعافقة في ذم الكثرة لشيخنا عبد المجيد جمعة حفظه الله).
زاد بعضهم هنا: في الجواب ([3]): (تتمة فاتت المقيد -وفقه الله-وهو ذكر حديث السواد العظيم الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي وليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا أمتي هذه قيل هذا موسى وقومه قيل انظر إلى الأفق فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي انظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل هذه أمتك»، فهؤلاء الصعافقة حالهم كحال من يقرأ «فويل للمصلين» ولا يتم بقية السورة «الذين هم عن صلاتهم ساهون»، فتراهم يستلون بقوله صلى الله عليه وسلم «رأيت النبي وليس معه أحد والنبي ومعه الرجل والرجلان»، ولا يتمون بقية الحديث «ما هذا أمتي هذه قيل هذا موسى وقومه قيل انظر إلى الأفق فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي انظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل هذه أمتك». ففرح النَّبي عليه الصلاة والسلام بكثرة أمته على سائر الأمم، وكتبه المتمم للجواب 01 ذو الحجة 1440/ 02-08-2019) اهـ.
قلت: ولي على هذه الإجابة والتقرير مؤاخذات تُنبئ بأن الرجل -كما عودنا في خرجاته على «الواتس»، أو في إجاباته عليه- على قدرٍ هائل من الطيش والسَّفه والخلط في مسائل العلم وتقريرِها، كما أنه يَسلك مسلك الذَّم والتضليل، وكذا التَّسفيه والتَّجهيل لخصمِه، مسايرةً لدَفين نفسِه وإشباعاً لغيضِه من إخوانِه، واستغفالًا لأتباعه من جهةٍ وإرضاءً لهم من جهةٍ أخرى. وإلى ذلك أقول:

نجمةالمؤاخذة الأولى:
وردةأما الأولى: فقول هذا الطائش: (أولا: أنهم لم يجدوا هذه الكثرة في مجالسهم):
يا سعادة الدكتور! ويا سعادة الفقيه الأصولي! فإما أن تكتب كما يَحْلُو لك ولأتباعِك أن يُلَقبوك وإما أن تُحْجِم وتُمِسك!!، وفي الأمثال العامة: «إما أنْ تَلبس كما تَهدر، وإما أنْ تَهدر كما تَلبس»، فنحن وأنت وكلُّ العقلاء ممَّن ذاق طعم العلم -العلم النافع- متفقون على ذمِّ الكَثرة؛ وأن ذمَّها من مقاصد هذا الدِّين الحنيف، فلِم هذه التَّعمية في الجواب إذن؟ فنحن سواء وجدناها أو لم نجدها -أعني: الكثرة- فهي عندنا سواء، وسأبين وأشرح لك وجه ذلك.
فإن لم نجدْها فالعبرةُ عند أهل الحقِّ والهدى والدِّين: إنما بالحقِّ وإقامتِه، والالتزام به، وتحقيقِه في واقع المسلم -فضلا عن السَّلفي- الدِّيني والدُّنيوي.
أما إن وجدْناها: فلا ينبغي لنا أن نَغْتَر بها؛ إذ في الاغترار بكثرة الأتباع خدعةٌ إبليسيةٌ يريد بها إلهاء أهل الحقِّ وزعزعة كيانِهم؛ وذلك بإيقاع العجب في نفوسهم وبينهم، فيكون ذلك سببَ ذهابهم وتعجيلًا لبوارهم، وكيف للسَّلفيين أنْ يَقع ذلك منهم أو فيهم؟! وقد عاتب المولى -سبحانه وتعالى- قدوتَهم وأُسْوَتهم في ذلك، فقال الحقُّ -سبحانه-: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } [سورة التوبة].
وكان ذلك فيما أخرج الحافظ البيهقي رحمه الله في «الدلائل»: عن الربيع بن أنس: أن رجلًا قال يوم حنَين: لن نُغلب من قلَّة، فشقَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله -عزَّ وجل-: {ويم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} قال الربيع: وكانوا اثنا عشر ألفاً منهم ألفَان من أهل مكَّة ([4] فذكَّرهم -سبحانه- ما من به عليهم من نصره إيَّاهم في مواطن كثيرة ([5]). فكيف نغتر بعد هذا؟!!
أما قولك: (ولو وجدوها لطاروا بها فرحا) ما طرنا ولن نطير؛ بل مثلُنا ومثلُكم مَن أحسنَ فَهْم مقاصد الدِّين ومَن أساءَها، فالحالُ بيننا وبينكم يا سعادة الفقيه الأصولي! أننا أحسنَّا فهم مقصد القرآن والسنَّة في الكمِّ والكَيْف فأخذنا به والتزمناه، وهذا شيءٌ يُفرح به، قال -جلَّ وعلا-: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [سورة يوسف]. فانظر كيف ألغى «الكمَّ» ولم يعتبره باعتبار «أنَّ مدارَكهم ومقاصدَهم قد أصبحتْ فاسدةً» ([6])، وأقام لـ«الكَيْف» وزناً مع قلَّتهم باعتبار أنَّ مدارِك أهلِه ومقاصدَهم صالحةً، يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله: «وأما الإيمان فأكثر الناس -أو كلُّهم- يدَّعونه ([7]) {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، وأكثر المؤمنين إنما عندهم إيمان مجملٌ، وأما الإيمان المفصَّل بما جاء به الرسول معرفةً وعلماً وإقراراً ومحبَّة ومعرفةً بضدِّه وكراهيتِه وبغضه؛ فهذا إيمانُ خواصِّ الأمة وخاصَّة الرسول وهو: إيمان الصدِّيق وحزبَه» اهـ ([8])، ففرَّق رحمه الله في الكيف بين أهل الإيمان أنفسِهم.
فلن تجدَ فينا -بإذن الله تعالى- إلا موقِّرا للسنَّة وحملتِها، معظِّما لأصولها وقواعدِها، ومبجِّلا لشرائعِها ومعالمها، وهذا! من آثار فهمنا لذاك الأصل وفرحنا به، وما أنتم فيه من خبْط وخلْط من تمام إساءتِكم له، إن لم نقل هو: من تلاعبِكم به وبأمثالِه من أصول وقواعد المنهج السَّلفي إرضاءً لنفوسكم وإشباعاً لرغباتِكم في الإساءة لإخوانِكم، وهذا أمرٌ باتَ في عداد المسلَّمات عند العقلاء من بني آدم -فضلا عن السَّلفيين منهم- لكثرة قرائِنه وبراهينه فيكم، أَعَلِمْت يا سعادة الفقيه الأصولي! لمَ نطيرُ فرحةً إذن؟!وردةأما قولك: (ولذلك تراهم يفتخرون إذا اجتمعوا في وليمة أو نحوها وتباهوا بالكثرة المزعومة):
فالذي يبدو لي أنَّ من كثرةِ اشتغالِك بعيوب غيرِك والتَّفتيش لهم عليها؛ دَهَاك الأمرُ حتى أنسَاك الفرقَ بين الفَرح بلقاءِ الأحبَّة ومن جمع بينهم الحقُّ والسنَّة، وبين الكَثرة التي دَندَنْت عنها بخلطٍ وخَبْطٍ، أمَا عَلِمْت أيها الطائش ([9])! أنَّ السَّلفي يَفرح لأخيه بمشارق الأرض ومغاربِها ويَحزن لفراقِه؛ فكيف به إذا وجدَه بين ناظرَيه؟ فكيف به إذا جمعه مجلسَ ودٍّ ومحبَّة ومذاكرة؟ يا «جمعة» الشقي ([10]): صِرْت تُنكر ما كنت تَعرفه بسبب طَيشك وحقدِك على إخوانك، وبسبب الضَّغينة التي صرت تحملُها بين جنبَيك للسَّلفيين في هذا البلد الحبيب ممَّن فارقوك في فتنتِك التي احتَملتها وفرَّقتهم بها، قاتل الله الهوى وأهل الهوى يا «جمعة»!! فعن يوسف بن أسباط قال: سمعت سفيان الثوري يقول: «إذا بلغَك عن رجل بالمشرق صاحبَ سنَّة وآخر بالمغرب، فابعثْ إليهما بالسلام وادعُ لهما، ما أقلَّ أهل السنَّة والجماعة» ([11])، لَاحِظْ قولَه: «ما أقلَّ أهل السنَّة والجماعة» وأنت -أيها الشقي- أردتَهم بفتنَتك أن يكونوا أقلَّ من القليل!! إنْ لم تكن ساعياً في تدميرهم، قاتلك الله -أيها المتهور-.
وله ([12]): عن أبي صالح الفرَّاء قال: «لَقِيت فضيل بن عياض، فعزَّاني بأبي إسحاق -وهو: الفزاري-، وقال: «لربَّما اِشْتَقْت إلى المصِّيصَة، ما بي فضلُ الرِّباط، إلَّا أَرَى أبَا إسحاق»، أترى هؤلاء الذين تَكَبَّدوا تِلْك الرحلة من ديارهم ([13]) فَغَشَوا إخوانَهم بـ«ديار العلمة» من أجل تكثيرِ عددِهم؟!! فما أنت قائل يا دكتور! إنَّك رجلٌ مفتون محروم! هذه فرحتنا إذن؛ وشتَّان بين ما نفرحُه على وِفْقِ السنَّة وأصولها وما تفرحُونه في فرقتكم وتهريجكم!!

نجمةالمؤاخذة الثانية:
أما الثانية: فقولك: (ثم إنَّ الكثرةَ ذمَّها الله مقرونة بـ: الباطل، مع الجهل، مع الكفر، مع الفسق، مع الضلال...):
وهذا لا خلاف بيننا فيه، وبراهين ذلك ودلائله تفوق كثرة؛ منها: قال -سبحانه وتعالى-: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} [سورة الأنعام]، وقال -سبحانه-: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون} [سورة يوسف]، وقال -جل ثناؤه-: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد، وإن وجدنا لأكثرهم فاسقين} [سورة الأعراف].
وفي السنة النبوية: قال صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ». قيل: يا رسولَ الله، مَن هم؟ قال: «الْجَمَاعَةُ» رواه ابن ماجه وغيره، وهذا لفظه، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه مسلم، فذمَّ صلوات ربِّي وسلامُه عليه «الكَثرة» و«الكمَّ» واعتبر «الكَيْف» وأشادَ به.
وردةأما قولك: (أما الكثرة إذا كانت مع الحقِّ فهي: عزَّة ونصرة):
فلا يختلف في ذلك اثنان، ولا إشكال، وهي: خيرٌ وبركةٌ وزيادةُ أجر، وفي السنَّة: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» رواه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وابن حبان، وفي محكم التنزيل: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة} [سورة البقرة:208]، وقال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىظ° قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [سورة يس]، وهذا المقصود به تكثير سبيل الأنبياء، والدخول تحت تعاليم الإسلام كافَّة، وتكثير سوادِه بحيث لا يتخلَّف عنه أحد؛ لأنه دين الله الحقِّ الذي لا يقبل -سبحانه- سواه.

نجمةالمؤاخذة الثالثة:
وردةأما الاستدلال على ذلك -وهي: الثالثة- بقوله تعالى:({وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [سورة النساء]).
وقولك: (وقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} إشارةٌ إلى الكثرة):

فهذا من أعجب ما يقال ويسمع في الاستدلال؛ فالآية الكريمة: في تأصيل أصل عظيم ينبغي الاستمساك به في فهم الدِّين وأخذه؛ وهو: سلوكُ سبيل المؤمنين؛ «وسبيلُهم هو: طريقُهم في عقائدهم وأعمالهم» ([14])، وهو: دينهم، كذا قال الحسن بن أبي الحسن البصري ومقاتل بن سليمان، أما الكَثرة والقلة فغير منظور فيها هنا، ولا هي مستفادة من الآية؛ إلا من حيث تكثيرُ أهل هذا الأصل من جهةٍ خارجيةٍ.
وبيانه: أن المقصود شرعاً هو: سلوكُ هذا السبيل -سبيل المؤمنين- بغضِّ النظر عن قلَّة أو كثرةِ سالكِيه وأهلِه، قال بعض السلف: «عليك بطريق الحقِّ ولا تستوحش لقلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطريقِ الباطل ولا تَغْتَر بكثرةِ الهالكين» ([15]).
قال أبو شامة المقدسي رحمه الله في «الباعث» ([16]): «وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به: لزوم الحقِّ واتباعِه، وإنْ كان المتمسكُ بالحقِّ قليلًا والمخالفُ كثيراً؛ لأن الحقَّ هو: الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه رضي الله عنهم ولا نظرَ إلى كثرةِ أهل الباطل بعدَهم» اهـ.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «لا يثني عزمَك أنْ ترى نفسَك وحيداً في الميدان؛ فـ: أنت الجماعة وإنْ كنت واحداً، ما دُمْت على الحقِّ» ([17]).
وفي «إعلام الموقعين» قال العلامة الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله : «واعلم أن الإجماع والحجَّة والسَّواد الأعظم هو: العالم صاحب الحقِّ، وإن كان وحدَه، وإن خالفَه أهل الأرض ([18]). وقال عمرو بن ميمون: سمعت ابن مسعود يقول: «عليكم بالجماعة! فإن يد الله على الجماعة»، وسمعته يقول: «سَيَلي عليكم ولاةٌ يُؤخرون الصلاة عن وقتِها، فصلِّ الصلاة وحدَك وهي الفريضةُ، ثمَّ صلِّ معهم فإنَّها لك نافلةٌ». قلت: يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثون. قال: «وما ذاك؟» قلت: تأمرني بالجماعة، ثم تقول: صلِّ الصلاة وحدَك! قال: «يا عمرو بن ميمون، لقد كنت أظنك مِن أفقه أهل هذه القرية. أتدري ما الجماعة؟» قلت: لا، قال: «جمهور الجماعة هم الذين فارقُوا الجماعة. والجماعةُ: ما وافقَ الحقَّ وإنْ كنتَ وحدَك »... وقال نعيم بن حماد: «إذا فسدت الجماعة، فعليك بما كان عليه الجماعة قبل أن تفسد الجماعة، وإن كنت وحدك؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ»، وقال بعض الأئمة، وقد ذُكِر له السَّواد الأعظم: أتدري ما السواد الأعظم؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه، فمسخ المتخلِّفون الذين جعلوا السواد الأعظم والحجَّة والجماعة هم: الجمهور، وجعلوهم عياراً على السنَّة، وجعلوا السنَّة بدعةً، والمعروف منكراً، لقلَّة أهلِه وتفرُّدهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذَّ، شذَّ في النار. وما عرَف المتخلِّفون أنَّ الشاذَّ ما خالف الحقَّ، وإن كان عليه الناس كلُّهم إلا واحداً، فهم: الشاذُّون، وقد شذَّ الناس كلُّهم في زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً؛ فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعهم كلُّهم هم الشاذُّون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة» اهـ ([19]).
فأين الكثرة المستفادة من دلالة نصِّ الآية؟! فالآية الكريمة -يا دكتور- في التأسيس للزوم سبيل الحقِّ والمَشْي عليه، ولو كان سالكه فرداً لا غير، لكنك أُوتِيت من قبل انتفاخِك في نفسك واستغفالك لجلسائك وقلَّة البضاعة عندهم؛ هذا الذي يَطيش بك كلَّ مرَّة حتى صِرْت أعجوبةَ هذه الفُرقة والفتنة، في التقرير والفتوى والنزع في الاستدلال، ولعلَّ التأريخ يسجل لك ذلك!!
وردةأما قولك بعد: (ولهذا استدل الشافعي بهذه الآية على حجية الإجماع):
أخشى أن يكون الدكتور «جمعة» يرى اعتبار الكَثرة في الإجماع بناء على فهمه السابق في اعتبار الكثرة في جانب الحقِّ محمَدةً لا مذَّمةً، ولهذا لوَّح باستدلال الإمام الشافعي رحمه الله على حجِّية الإجماع بالآية الكريمة، مع أن احتجاج الإمام الشافعي رحمه الله بالآية على حجِّية الإجماع لا علاقة له بالكثرة -كما سيتضح- بل بلزوم «سبيل المؤمنين» ([20]) «فإنه الله تعالى توعد على المخالفة لسبيلهم»([21] وإلا فـ: الإجماع هو: اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي ([22]).
وليس من شرطه عند أهل الفنِّ أن يبلغ أهل الإجماع عدد التواتر ([23] فكيف بالكثرة؟! هذا ما ذهب إليه كثير من العلماء، وهو الذي تؤيده النصوص الشرعية في حجِّية الإجماع، فقولهم: «مجتهدي هذه الأمة» يصدقُ على الجماعة، كما يصدق على المجتهد الواحد إذا لم يكن هناك غيرُه. ويكون حينئذ إجماعا عند بعضهم، وحجَّة لا إجماعا عند آخرين، لانحصار الاجتهاد فيه، ولأنه يؤدي إلى عدم وجود قائم لله بحجَّته أو خروج الحقِّ من الأمة ([24]).
ولأنه حينئذ هو: الجماعة، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في «الرسالة» (ص:493) في كلام له عن حجية الإجماع بعد أن ساق حديث عمر رضي الله عنهما «أَلَا فَمَنْ سَرَّه بَحْبَحَةَ ([25]) الجنَّة فَلْيَلْزَم الجماعةَ، فإنَّ الشيطانَ مع الفَذِّ، وهو من الاِثْنَين أَبْعَد» الحديث، قال: «فما معنى أَمْرِ النَّبي بلزوم جماعتِهم؟ قلت: لا معنى له إلا واحد . قال: فكيف لا يحتمل إلا واحداً؟
قلت: إذا كانت جماعتُهم متفرقةٌ في البلدان فلا يقدر أحدٌ أن يَلزم جماعةَ وأبدانَ قوم متفرقين، وقد وُجِدَت الأبدان تكون مجتمعةً من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنًى، لأنَّه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدانِ لا يَصنع شيئًا، فلم يكن للزوم جماعتِهم معنًى إلا ما عليهم جماعتُهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما.
ومَن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم» سواءً كان واحدا أو اثنين أو أكثر، فأين الكَثرة إذن؟ ثم قال رحمه الله: «ومن خالف ما تقول به جماعةُ المسلمين فقد خالف جماعتَهم التي أُمِر بلزومِها، وإنما تكون الغَفْلة في الفُرقة، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافَّة غَفْلة عن معنَى كتاب ولا سنَّةٍ ولا قياس ([26])، إن شاء الله» اهـ.
فهذا هو تقرير أهل العلم -أيها الأصولي-، وهذا الذي يفهمه طلبة العلم -فضلًا عن علمائِهم- من دراستهم لفنِّ «أصول الفقه» الصافي ومسائله وقواعده، فـ«الأجماع» بمعناه الاصطلاحي عند فطاحلة هذا العلم هو: إجماع معتبر قلَّ المعتبرين في انعقاده أو كثروا، لا ينقص ذلك فيه ولا يزيد، بل لا نظرة ولا تشوف لهم إلى الكثرة والقلة، بقدر اعتبار صفات مَن يَنعقد به أو يَنعقد عليه.
فـ: الأول: من صفات المجتهد، والثاني: من صفات الحكم، لكن مشكلتَك -كما قلت سابقاً- من انتفاخك وتبجُّحك على غيرك، فظننت الكلَّ سواء مما عماك أن ترقب زلتَك. إلا أن هنا أمران:
أحدهما: فيما يتعلق بـ: استدلال الإمام الشافعي رحمه الله الذي لوَّحت به.
فقد خرَّج الإمام البيهقي رحمه الله في «المدخل إلى السنن» ([27] و«أحكام القرآن للشافعي» ([28]): من طريق أبي سعيد محمد بن عُقيل الفاريابي قال: قال المزني -أو الربيع-: كنَّا يوماً عند الشافعي بين الظهر والعصر عند الصَّحن في الصفَّة، والشافعي قد استند -إما قال: إلى الأسطوانة، وإما قال: إلى غيرها-، إذ جاء شيخٌ عليه جبَّة صوف، وعمامةُ صوف، وإزارُ صوف، وفي يدِه عكّازة، قال: فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، واستوى جالسًا، قال: وسلَّم الشيخ وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبةً له، إذْ قال له الشيخ: أَسألُ؟ قال: سلْ، قال: أَيْشٍ الحجةُ في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين قلتَ اتفاق الأمة، من كتاب الله؟ قال: فتدبَّر الشافعي ساعةً، فقال للشافعي: قد أجَّلْتُك ثلاثةَ أيام وليالِيها، فإن جئتَ بحجَّة من كتاب الله في الاتفاق، وإلا تُبْ إلى الله -عزَّ وجل-.
قال: فتغيَّر لونُ الشافعي، ثم إنَّه ذهب فلم يخرجْ ثلاثةَ أيام وليالِيهنَّ، قال: فخرج إلينا اليومَ الثالث في ذلك الوقت، يعني: بين الظهر والعصر، وقد انتفخ وجهُه ويدَاه ورجلَاه وهو مِسْقامٌ، فجلَس، قال: فلم يكن بأسرعَ أنْ جاءَ الشيخُ، فسلم فجلَس فقال: حاجتِي، فقال الشافعي: نعم، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله -عزَّ وجل-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [سورة النساء]، لا يُصْلِه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرضٌ، قال: فقال: صدقتَ، وقام فذهب.
قال الفاريابي: قال المزني -أو الربيع-: قال الشافعي: فلما ذهب الرجل، قرأت القرآن في كلِّ يوم وليلةٍ ثلاث مرَّات حتى وقفتُ عليه ([29]).
فأين الكثرة في كلام الشافعي رحمه الله؟ خاصَّة إذا اعتبرنا كلامه هنا بما سبق في «الرسالة» ([30])، إلا أن يكون أخذُك إيَّاها من -وهو: الأمر الثاني- الإضافة في {سبيل المؤمنين} فهذا يفيد الأخذ بسبيلهم مجتمعين لا في كثرتِهم، وإن كانت الكثرة لها اعتبارٌ من جهةٍ أخرى كما سلَف.
و«في الاستدلال بهذه الآية بحوثٌ ومناقشات» -أي: على الإجماع- كما أفاده العلامة الأصولي محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله ([31]).
وردةثم قلتَ: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة» فافتخر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة أمته):
لا أريد مناقشتك في لفظ الحديث، فهذه تحصل مع الكلِّ، إلا أن لفظه: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أحمد، ابن حبان، وسعيد في «سننه»، وللأبي داود، والنسائي: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ».
وردةأما قولك: (فافتخر النَّبي صلى الله عليه وسلم بكثرة أمته):
اعلم أن الفخر والافتخار هو: عدُّ القديم ([32]). وفي «مقاييس اللغة»: «الفاء والخاء والراء: أَصلٌ صحيحٌ، وهو: يدلُّ على عِظَم وقِدَم. من ذلك الفخر. وهو: عَدُّ القديم»، يقال: «فَخَرت الرَّجلَ على صاحبِه أفْخَرُه فخراً أي: فضَّلتُه عليه. والفَخِير: الذي يفاخرك، بوزن الخصيم، والفاخِر: الشيء الجيِّد. والتفخُّر: التعظُّم. ونخلةٌ فَخُور: عظيمة الجِذْع غليظةُ السَّعَف» ([33])، وفي «الفائق» (3: 92): الفخر: «ادّعاء العِظَم ومنه: تَفَخَّر فلَان إِذا تعظَّم؛ ونخلةٌ فَخُور: عظِيمة الجذْع»، فبان بهذا أن الفخر هو: ادعاء العِظَم والمباهاة ([34] وذلك بعدِّ القديم، كما هي عادةُ العرب في ذلك.
وهذا ليس بخلُقٍ له صلى الله عليه وسلم وقد نفاه عن نفسه الشريفة في أعظم المواقف؛ وذلك يوم القيامة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ» وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ. رواه الترمذي واللفظ له، وأحمد، وابن ماجه.
وقوله: «ولا فَخْر» قال الخطابي رحمه الله: «معناه: إنِّي إنَّما أقول هذا الكلامَ معتدًّا بالنِّعمة، لا فخراً واستكباراً، فقلَّ مَن فَخَر إلَّا تزيَّد في فخرِه، يقول: إنَّ هذا القول ليس منِّي على سبيل الفَخر الذي يَدْخله التَّزيد والكِبْر» اهـ ([35]).
إذن؛ فما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: «فإنِّي مكاثرٌ بكم الأمم»؟ قال الطيبي رحمه الله في «الكاشف» ([36]): «يعني: أُغَالِب الأمم السالفة في الكَثرة بأمَّتي». وقال ابن الملك $: «أي: مفاخرٌ بسببكم (الأمم) بكثرة الأتباع والأهل» ([37] وقال العلامة المظهري الحنفي رحمه الله : «المُفَاخرةُ بكثرة الأتباع والأهل؛ يعني: أُفاخر الأنبياءَ بكَثرة أمَّتي وأقول: أنا أكثرُ الأنبياء أمَّةً» ([38] وقال زكريا الأنصاري رحمه الله : «المكاثرةُ: المُغَالبة يقال: كاثرتُه فكثَّرتُه أي: غلبتُه بأن زدتُ عليه في الكَثرة» ([39]).
وبمثله ونحوه عند غيرهم من شراح السنَّة النبوية. فدارت «المكاثرة» -وهي: مفاعلةٌ من طرفين- على المغالبة والمفاخرة والمباهاة القائمة من الطرفين نتيجة لكثرة الأتباع والأهل، من باب التحدُّث بنعمة الله، لا على الفخر والافتخار الذي يدخله التَّزيد والكِبر، فتلك مطلوبةٌ مرغَّب فيها وفي أسبابِها وهي من سنَن الأنبياء، وذاك منهيٌ عنه وعن أسبابِه، لأنه من عادات الجاهلية الجهلاء، فافترقا.
فتفسير الحديث وشرحه بما ذكرت من «افتخاره» صلى الله عليه وسلم نقصٌ في الفهم وإساءةٌ لصاحب الشرع؛ لذا وجب التَّنبيه عليه والتذكير لك حتى تضبطَ فهمَك، وتُرَاعِي مقصودَ المتكلِّم في مصلحة تشريعه.

نجمةالمؤاخذة الرابعة:
وردةأما الرابعة: فقولك: (ولهذا كان أحمد يقول لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز):
فهذا حقٌّ أجراه المولى -سبحانه وتعالى- على لسان إمام السنَّة وناصر الملَّة في وقتِه، وصدق في ذلك رحمه الله، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «البداية» ([40]): «قال الدارقطني: سمعت أبا سهل بن زياد، سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: «قولوا لأهل البدع، بيننا وبينكم الجنائز»، علَّق الحافظ ابن كثير رحمه الله قائلًا: «وقد صدَق الله قولَه في هذا فإنه رحمه الله كان إمام السنَّة في زمانه، وعيون مخالفِيه أحمد بن أبي دؤاد القاضي لم يحتفل أحدٌ بموته، ولا شيَّعه أحدٌ من النَّاس إلا القليل ([41])، وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهدِه وورعِه وتَنْقِيره ومحاسبتِه نفسَه في خطراتِه وحركاتِه لم يصلِّ عليه إلَّا ثلاثةٌ أو أربعةٌ من الناس ([42])، فلله الأمر من قبل ومن بعد» اهـ .
وردةعلَّق «جمعة» هنا، قائلًا: (لأن جنائز أهل السنَّة كانت مشهودةً وجنائر أهل البدع كانت مخذولةً) فأقول: لا بأس بهذا التعريض! ونحن نقبل التَّحدي يا مفرِّق الجماعات، فنقول:
بيننا وبينكم -إذن- تلك المَواكب، ولنْ أزيد؛ لأنَّ تلْك! لن يزيد فيها سلفيٌّ ولن يُزايد! كفى بها واعظًا من الله -جلَّ في علاه-.
وردةثم تابع قائلا -بما استغبى به عقول موافقيه وصدَّع به رؤوس مخالفيه-: (ونحن نقول لهؤلاء: بيننا وبينكم المجالس):
يا رجل! «ما تخلعناش» ([43])، أيُّ مجالس تتحدَّث عنها، والله لقد سمع العقلاء من السَّلفيين من مجالسِكم ما صَدِئَت به آذانُهم وتعكَّرت خواطرهم من الحالة المُزْرِية التي وصلتُم إليها؛ أم أنكم لا تستمعون إلى ما يسرب عنكم من هفوات وزلات.
تَدري -أيَّها الطائش الشَّقي- سأكون معك ومع مجالسكم صريحا في قولي، لقد ذكَّرتني مجالسُكم التي تفتخر بها بـ: «مجالس المحشاشات» ([44]) وأنت تدري ما أقول، وكبار السنِّ من إخواننا يفقهون هذه اللغة ويفهمونها -حاشاهم-، هذا ما يمكن للسَّلفيين أن يَصِفُوا مجالسَكم، وبالأخصِّ الأخير منها تسريباً، ولستُ في حاجة إلى تعليق رابط ذلك هنا، فهي ظاهرة موجودة لمن تَطلَّبها، فَـ«النَّت» -يا دكتور- ما يُخفي ولا يُبقي ستراً؛ فهو: فضَّاح.
ثم أنت أيُّها الكسول! أيُّ مجالس لك؟! حتى تَفخر علينا بالمجالس، وتقول: (بيننا وبينكم المجالس)، ألم تجمع لإخوانك ممَّن حسَّن الظنَّ بك من أهل قسنطينة بين الأسوأين؟ فوات الدِّين وضياع المال، كم من مرَّة دفع لك إخوانك تذَاكر رحلاتِك وفوَّت عليهم مصلحتَهم المرجوَّة منك! ماذا شرحت من كتب العلم ودرَّست منها؟ أين هي؟ ثمَّ تقول لنا: (بيننا وبينكم المجالس).
أم أنك تحسب ما قمت به هنا وهناك من نتف، ومجالس تحريش وإلقاء ضغينة مجالس علم!! أترى أن هذا خاف على أهل الحق؟
لذا أقول: عليك بستر نفسِك فيما بقي، وانسى حكاية مجالسكم، فالعقلاء من بني آدم لا يقبلون الهُزء ولا اللَّعب، وبالأخصِّ في مواطن الجدِّ.
أما مجالس غيرك: فسلْ تَجد؛ مجالس ذكرٍ ونُصْح، وتنبيهٍ وإرشادٍ، وتعليم وتزكية؛ بل مجالس أصغرِهم -حسن بوقليل ([45])- في التوحيد وعلومه، فسلْ عن طلبة «مدرسة الدوم»، أما أكَابرهم فسل عن مجالس الشيخين عبد الغني عوسات، وعبدالحكيم دهاس ([46])، والشيخ عمر الحاج مسعود ([47])، والمفسِّر عزَّالدين رمضاني، وغيرِهم، والفاضل المحدث الدكتور رضا بوشامة في «شرح النخبة»، والدكتور عبدالخالق ماضي ([48]) حفظهم الله جميعا، أما مجالس من كنت سببا في تفريق جموعها وتنفير الخلق عنها فحدِّث ولا حرج، فمثلُك يا دكتور كمَن قال الله تعالى فيهم:{ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا} [سورة الأعراف:86]، وهذا صنِيعك منذ ذّرَّ قرن فتنتِك حذْو القذَّة بالقذَّة، أَعَلِمت لمَ خاطبتك بـ«الشَّقي» إذن.
وردةأما قولك: (ونقول أيضا: تركنا لهم الطعون واشتغلنا بالعلوم والفنون):
صدِّقني يا دكتور ما أدري إن كنت تخاطب بكلماتك هاته عقلاء أم عجماوات، يا رجل! أيُّ علوم هاته وأيُّ فنونٍ؟ أهي علوم «جفرٍ» ثانٍ خصِّصتم بها دوننا! أنبئونا فقد صرنا لا نصبر على هرائِكم.
أيها الطائش الشَّقي: ملأت الدنيا حقداً وضغينةً، وكذباً وتلبيساً، وتسفيها وتجهيلًا للخلَّص من أبناء أمتك، ورَكِبْت الشِّقاق والفُرقة في جثمان حمل وديع إغراراً وتغريراً لمن أحسن الظنَّ بك وفيك، فما زلْت بهم حتى أَوْغَرتَ صدُور بعضهم على بعض أنت ورُفْقَتك، وسننتُم لهم انتقاصَ إخوانِهم مع لمزِهم وسبِّهم، والطعن في خيار الأمَّة وساداتِها من العلماء، وما زلتَ ولا زلتَ حتى أوردْتهم كلَّ موردٍ، وأصَّلْت لهم الأصول الفاسدة، وألقيت بين أظهرهم الشُّبه الخاطفة، والتلبيس والتدليس، ثم تقول في برودةِ أعصاب: تركنا لهم الطعون واشتغلنا بالعلوم والفنون.
من الذي رمى إخوانه بأبشع الألقاب، من «صعفقة» و«إحتواء» و«تميُّع»، وأجلب عليهم من كلِّ صوْب وحوْب، حتى تحيَّر العقلاء في بغضائه وكُرْهِه لهم؟ قل لي -بربِّك-آالدكتور «جمعة» أم الخلَّص من السَّلفيين؟
أيها الشَّقي: إنك لمغبون، وإذا لم تستحي فـ«احشم» -كما يقال عندنا-، وإذا لم «تحشم» على نفسك -وأنَّى لك ذلك فقد أَكْثَرت- فـ«احشم» على أصلِك!! تَذَكَّر أن لك أصلًا تنتسب إليه على الأقلِّ، فهذا شيءٌ يفقهه العامة من الناس ويفهمونه، فلتكن فيك شعبةٌ من شعبِهم التي ورثُوها.
ثم اعلم! أنَّه ما طَعن فيك السَّلفيون -علماء وطلاب علم- إلا بسبب فُرقتك وجهالاتِك وخطرِك على أبناء مجتمعِك، أم أنَّك تَرى أنَّهم طعنوا فيك وسفَّهوا خِطَطِك لغيرةٍ بهم منك أو لغير ذلك؟ أبداً؛ بل فعلوا ذلك ديانةً ونصيحة؛ نصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولعامة إخوانهم، ممتثلين في ذلك سنَّة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم وتوجيهَه، على وفق حديث تميم الداري رضي الله عنه وأمثاله.
أيها الشَّقي: أَيعَتبر مَن امتثل هذه التوجيهات مخلصاً فيها لله -جلَّ وعلا-، ناصحاً فيها لبني جنْسه وإخوانِه مشتغلًا بالطعون! فقل لي بربِّك أَيْن أنت من طعونك الفاجرةِ في إخوانِك؟ أَيْن أنت من فجورِك في خصومتِك لإخوانك؟ أَيْن أنت من كَذِبِك عليهم؟ كتاباتُك ورسائلُك على «الواتس» وأجوبتُك فيه، مجالسك المغلقة، غشُّك لإخوانك حتى في أعزِّ ما يحرصون عليه، ورأس مالهم ؛ وهو دينُهم، تعاملون الناس معاملة اللصوص وتكيلونهم بمكيالين، وكأنكم تعاملون جنساً آخر من غير جلدتِكم ([49])، سَلْ -يا دكتور- جماعة العلمة -خصوصا- والداموس وو..
والله -يا دكتور- إنِّي لمتحيِّر ([50]) فيما تَدينون به ربَّكم -جل وعلا-، والله إنَّ السَّلفي السنِّي ليرحم الخلق لكنِّي متحيِّر في شأنِكم، برودةُ دم وجفاءُ طبع تُجاه دينِكم وإخوانِكم!!
ألا يمكنكم إجاد مخلَص لكم من هذه الحال التي أنتم فيها؟!
وردةأما قولك: (و تركنا لهم البيانات واشتغلنا بالبيِّنات):
أما ترككم لـ«البيانات»: فهذا من تمام ضعفِكم وخورِكم وجبْنكم فيما رَكِبْتم من فتنتكم، فما قام على باطل فهو باطل، وأنَّى لباطل أن يُعرب عنه لسان صاحبه ([51] أقصد بـ: لغة العلم والحلْم والتقوى، أما غيرُها؛ فقد أَبَنْتم لنا الكثير ونحن لكم من الشاكرين، ولعلنا ننتظر منكم المزيد.
أما الأولى -صدِّقني- فنحن نكون لكم من الممتنين إن أنتم أَبَنْتم لنا بها، وبالأخص كبيركم الذي زعم أن الأمر قضي والقضية طويناها، وأنا أرجو أن تكون لنا عوناً فتفكَّ عنَّا هذا الأمر، فيكتب لنا ريحانتكم عن قضيتنا بياناً علميًّا شافياً، وفي الرسمي من خطاباتِه ووسائلِه، فقد سئِمنا تسريبات مجالس «المحشاشات» فنحن نطمح -إن شاء الله- إلى الرسميِّ من البيانات والخطابات ([52]).
أما اشتغالكم بـ«البيِّنات»: فلا تضحكني يا رجل! أمجالس «التركتور» و«الهندي» و«الثعلوب» و«الثعلوبة»، وو...، أعزَّ الله القارئ الكريم، ومجالسِك ورسائِلك ومحادثاتِك، وأجوبةِ الريحانة لإخوانه في مسائل «الفتنة» مجالس «بيِّنات»!! ألا تخجلون من أنفسكم! ألا تقدرون أتباعكم والمستمعين لكم؟!!


نجمةالمؤاخذة الخامسة:
أما الخامسة: فهي جوابا عما فاتَ المُقَيِّد مما زادَه المُتَمِّم:
ومجمل ما فيها -أي: التتمة- هو: زيادة استدلال لما أصَّله المجيب من مدح الكثرة إن كانت في جانب الحقِّ.
قلت: وهذا سبق جوابه والاستدلال له في «المؤاخذة الثانية»، ثم هو أصلا ليس محلُّ خلاف بيننا، فلا سبيل لإعادة الكلام فيه، ثم هو دليلنا كما هو دليكم على المسألة؛ ولا نزاع، لكن هنا أمران:
أحدهما: التعريض بضعف الاستدلال عند من سماهم بـ: «الصعافقة». والثاني: قصر الحديث في دلالته على صورة مسألته،

وردةفقال المتمم: (فهؤلاء الصعافقة حالهم كحال من يقرأ «فويل للمصلين» ولا يتم بقية السورة «الذين هم عن صلاتهم ساهون»).
كذا قال؛ (فهؤلاء الصعافقة) وهذا النَّبز للسَّلفيين من أهل السنَّة لا يكادُ يفارق أَلْسِنة هؤلاء -وبـ: الأخصِّ هذا المجيب-، وهو -أي: النَّبز-: عادةٌ جارية في أهل الأهواء تلقيب أهل السنة والسَّلفيين بألقاب السُّوء. القصدُ منها وبها: الحطُّ على أهل السنَّة والتَّشنيع عليهم وعلى طريقتِهم ومنهجِهم.
ولذا صار من علامة أهل الأهواء والبدع: الوقيعة في أهل الأثر.
قال أبو محمد –عبدالرحمن بن أبي حاتم الحافظ رحمه الله: «وسمعت أبي يقول: وعلامة أهل البدع: الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة: حشوية؛ يريدون إبطال الآثار؛ وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة: مشبِّهة، وعلامة القدرية: تسميتهم أهل الأثر: مُجْبِرة؛ وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنَّة: مخالفةً، ونقصانيةً؛ وعلامة الرافضة: تسميتُهم أهل السنة: ناصبةً؛ ولا يَلحق أهل السنَّة إلَّا اسم واحدٌ، ويَستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء» اهـ ([53]).
قلت: وعلامتكم أنتم أيها المفرقة: تسميتكم أهل السنة من إخوانكم: «صعافقة» و«احتوائية» و«مميعة» و«تنظيم الصعافقة».
وقال إمام أهل السنَّة أبو عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله: «وقد رأيت لـ: أهل الأهواء والبدع والخلاف أسماءَ شنيعةٍ قبيحةٍ يُسَمُّون بها أهل السنَّة يُريدون بذلك عَيْبَهم، والطَّعْن عليهم، والوَقِيعة فيهم، والإزراءَ بهم عند السفهاء والجهال» اهـ ([54]) ثم ذكر رحمه الله نحوا مما قال أبو حاتم رحمه الله، فالمقصود إذن؛ هو: «الوقيعة فيهم والإزراء بهم عند السفهاء والجهال» تماماً بتمام، فمنهج السلف لا يُخطئ مَن خالفَه واتبع غيرَ سبيله، هي هي؛ نفس الصنيع إنها السنن يا «جمعة»!! «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» رواه البخاري، فهنيئًا لكم الأُسوة والقُدوة، وهنيئًا لكم استبدالَ الذي هو أَدنى بالذي هو خير، فـ: أنتم جديرون بحمل مِشْعَل أهل الضلالة، وصدَق من قال فيكم -وما أخطأكم-: أنتم أخسُّ من الحدادية.
وردةفقوله: (حالهم كحال من يقرأ «فويل للمصلين» ولا يتم بقية السورة «الذين هم عن صلاتهم ساهون»):
هكذا هي طبيعتك وسجيَّتك في حقدِك على خصومك، وعدم صدقِك في خصومتِك لهم، وهذا ليس بشيءٍ جديدٍ فقد فعلْت ذلك مع غير مَن نبزتَهم هنا، وهذا إنْ أسفرَ يُسْفِر عن دناءةٍ فيك في الخصومة، ووجه ذلك:
هو تجهيل خصمِك، ووصمِه بعدم العلم، وكأنِّي بك تخاطبُ قوماً ما رأَوا نورَ العلم أصلًا؛ وفي الحقيقة أكثرُهم هم: أعلمُ منك في كثيرٍ من مسائل العلم، لكن لا بأس سأقلب عليك استدلالك وأجعلك في ورطةٍ من أمرك أمام أتباعك، فأقول:
وجه كلامك: أنك تجعل نصَّ الحديث في فحوى كلامه ومنطوقه ومفهومه كنص الآية بالتمام والكمال ([55])، وهو: أن الوقف في الآية الكريمة كما ذكرت عَيٌّ في الإِقْراء والفِهم والأخذِ، وهذا أمرٌ يَعلمه صغار الطلبةِ فضلًا عن كبارهم فضلًا عن شيوخِهم وعلمائِهم. ولا حاجة في بيان ذلك وإظهارها هنا.
أما نصُّ الحديث -أيها المتطاول- فعلى النقيض من ذلك تماماً، لأن دلالة الحديث كما هي ظاهرةٌ في اعتبار الكثرة في جانب الحقِّ، فهي -أيضا- ظاهرةٌ بيِّنة في عدم الاعتداد بالكثرة والانخداع بها، وما زال صنيع أهل العلم والفقه يُنبئ عن ذلك، غير أن الأصل عندهم هو: الثاني، وعليه دار تقريرهم وتدليلهم، أما الأول فـ: فرع وثانوي، كما سيتضح من كلامهم.
وسأبدأ معَك مع مَن زهَّدت يوماً بجهالاتك في مدارسةِ كتابِه، وهو: شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب التميمي رحمه الله: قال في كتابه الفذِّ «كتاب التوحيد»: «باب من حقَّق التوحيد دخل الجنة بغير حساب» بعد أن ساق حديث ابن عباسرضي الله عنهما عند الشيخين في قسم المسائل:
«الخامسة عشر: ثمرة هذا العلم، وهو: عدمُ الاغترارِ بالكثرة وعدمُ الزهد في القلَّة» اهـ.
فلم يتطرق رحمه الله للكثرة التي تدندن عليها أصلا -مع اتفاقنا أنها في جانب الحقِّ محمودة-.
أفَ يقال -أيها الشقي-: أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حالُه حال من يقف على قوله تعالى: {فويل لمصلين} [سورة الماعون]، أو أنه من الصعافقة؟!!
علَّق الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله هنا بقوله: «أي: أن هذا الحديث يفيد أن الأكثر لم يتبعوا الرسل فلا يغتر بهم، وأنَّ الأقل هم الذين اتبعوهم فلا يزهد بهم؛ بل يتبع الحقَّ الذي هم عليه ويَترك الباطل الذي عليه الأكثر ولا يغتر بهم، كما قال تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [سورة يوسف]» اهـ ([56]).
وعلَّق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بقوله: «فإن الكثرة قد تكون ضلالاً، قال الله تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} [سورة الأنعام:116]، وأيضاً الكثرة من جهة أخرى إذا اغتر الإنسان بكثرةٍ وظنَّ لن يُغلب أو أنَّه منصور؛ فهذا أيضاً سبب للخذلان؛ فالكثرةُ إنْ نظرنا إلى أن أكثر أهل الأرض ضلَّال لا تغتر بهم، فلا تقل: إنَّ الناس على هذا، كيف أنفرد عنهم؟
كذلك أيضاً لا تغتر بالكثرة إذا كان معك أتباع كثيرون على الحقِّ؛ فكلام المؤلف له وجهان:
الوجه الأول: أنْ لا نغترَّ بكثرةِ الهالكين فنَهلك معهم.
الوجه الثاني: أنْ لا نغترَّ بكثرةِ الناجين فيلحقَنا الإعجاب بالنفس وعدم الزهد في القلَّة، أي: أن لا نزهد بالقلة؛ فقد تكون القلَّة خيراً من الكثرة» اهـ ([57]).
فلم يتطرقا رحمهما الله تعالى إلى ما رُمْتَه ورَمَيْت إليه تشنيعا، فهل يقال فيهما: حالهما حال من ذكرت؟
ومثله بقية السلف الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله ومتع به- قال شارحا:
«(والنَّبي وليس معه أحد) فيه من الأنبياء من كذَّبه قومُه كلُّهم، ولم يتبعْه أحد، فهذا فيه دليل على أنه لا يُحتج بالكثرة، وإنما يُحتج بمن كان على الحق، ومعه الدليل، ولو كانوا قليلين، ولو كان شخصاً واحداً، فمن كان على الحقُ، ومعه دليل من كتاب الله وسنّة رسوله، فهذا هو: الذي يُؤخذ بقوله ويُقتدى به، أما من خالف الدليل فلا عبرة به حتى ولو كانوا كثرة، ... فالكثرة ليست هي: الضابط في إصابة الحقِّ، ولا يُغتر بها، فربما تكون الكثرةُ على الباطل، إنما إذا اجتمع الكثرةُ مع إصابة الحقِّ، فهذا طيِّب، أما إذا كانت كثرة بدون حقٍّ فلا، ولا يُزَهِّدُنا في الحق قلّة أتباعه» اهـ ([58]) الغرض منه.
فجعل -حفظه الله- ما تدندن عليه أمراً ثانويا في المسألة، أما الضابط فهو: إصابة الحقِّ ولو كان مع القلَّة، أيسوغ لك أن تقول الشيخ صالح الفوزان حاله حال من وصفت؟ أم أن فهمه وفهم إخوانه من سادات أهل العلم فهم «الصعافقة»!! والقائمة طويلة ولا داعي بنا لاستقصائها هنا، واللبيب بالإشارة يفهم! كما يقال. يا جمعة إن منطقك واستدلالاتك وبالٌ عليك وعلى جماعتك؛ فما أشد بلواك عليهم وأنت الفقيه الأصولي عندهم؟!!
يا جمعة إنك رجلٌ مسكين أن صدَّقت يوماً مَن لقَّبك بـ: العلامة الفقيه الأصولي!! لكن انتفاخك وتعاظمك بنفسك على إخوانك وفي وسطِك ومحيطِك المغْلق عليهم فهماً؛ هو الذي أوردَك هذا المورِد، وأردَاك في غيَاهب السَّفه والطيش، وإلا فلو كنت ممن يُحسن تَدبير العواقب، ويَفهم آثارَ معرفةِ المرءِ بقدر نفسِه، لكان يَكفيك فهمَ العلماء ونزعَهم من نصِّ الحديث، ولكن هذا أمرٌ لا يُشترى بكثرة تَصفيق جماعةٍ، ولا إضفاءَ لقبٍ.
وردةأما قولك: (فتراهم يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم «رأيت النَّبي وليس معه أحد والنبي ومعه الرجل والرجلان»، ولا يتمون بقية الحديث ...):
وقد سبق بيان أن استدلالهم صحيح ولا غبار عليه؛ إلا تشغيب أهل الحقد والجهالة، وأن صنيعهم صنيع أئمة العلم ففيم اللَّوم إذن؟!
وردةأما قولك: (ففرح النَّبي عليه الصلاة والسلام بكثرة أمته على سائر الأمم):
المفروض بالدكتور الفقيه الأصولي أن يكون فهمُه فهم العلماء، لا أن يتصدر لنا بفهمِه من نصوص الوحيين الشريفين، وإن كنت قلت سابقا: أنه لا خلاف بيننا في استبشار المسلم وفرحه وسروره بكثرة أتباع الحقِّ، أما أن يُخطِّئ غيرَه في الاستدلال بالنصِّ ثم يأتي بوجه دلالة من النصِّ بناء على ما يَدور في رأسه فهذا مما لا يُسلَّم له.
فأين فرحُه صلى الله عليه وسلم بكثرة أتباعه هنا يا دكتور؟ فليس في نصِّ الحديث إلا تساؤله S عن السواد الذي رآه وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا؟ أمتي هذه؟».
نعم وقع رجاؤه صلى الله عليه وسلم في ذلك وإعجابُه؛ ولو جئْت به لكنت أسعدَ بموافقة نص الحديث، ثم هو -جهة أخرى- موافقٌ لما سبق تقريره من حثِّه صلى الله عليه وسلم وترغيبُه في تكثير أمَّته في قوله صلى الله عليه وسلم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
فعند البخاري (5534 و5752) من طريق مسدد: «وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ».
وله (6541) من طريق عمران بن ميسرة: «فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلَاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لَا».
ولعبد الرزاق (19519)، وعنه أحمد (3882)، وابن حبان (7346)، وغيرهم، من حديث عمران بن حصين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «حَتَّى مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ ([59]) مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
وفي بعض الروايات كان الاستفهام عن السَّواد نفسه أو عن صاحبه، كما هو عند الترمذي في «سننه» (2446)، والنسائي في «كبراه» (7560) من طريق عبثر بن القاسم.
ولفظ الترمذي: حَتَّى مَرَّ بِسَوَادٍ عَظِيمٍ ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: مُوسَى وَقَوْمُهُ»، وللنسائي: « قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟».
فلما وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كما عند مسلم في «صحيحه» (220): «ولكن انظر إلى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ. فإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فقيل لي: اُنْظُرْ إلى الأُفُقِ الآَخَرِ. فإِذَا سَوَادٌ عظيمٌ».
وفي رواية البخاري (5752): «ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ»، وفي أخرى (5705): «قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ. فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا -فِي آفَاقِ السَّمَاءِ- فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ».
وللترمذي والنسائي في «الكبرى» من رواية عبثر بن القاسم: «وَلَكَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْظُرْ. قَالَ: فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَمِنْ ذَا الْجَانِبِ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ».
والمراد بـ«الأفق»: الناحية، والمراد به هنا: ناحية السماء ([60]).
وفي حديث ابن مسعود السابق، وهي لعبد الرزاق وأحمد: «قُلْتُ: فَأَيْنَ أُمَّتِي؟ فَقِيلَ لِيَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا الظِّرَابُ ([61]) قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقِيلَ لِي: أَرَضِيتَ؟ فَقُلْتُ: رَضِيتُ يَا رَبِّ، رَضِيتُ يَا رَبِّ».
وفي رواية لأحمد وابن حبان: «قُلْتُ: يَا رَبِّ، فَأَيْنَ أُمَّتِي؟ قَالَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ، فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ، قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَبِّ، قَالَ: أُمَّتُكَ، قُلْتُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: أَرَضِيتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ، قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقَالَ: رَضِيتَ؟ قُلْتُ: رَضِيتُ».

ولأحمد (4405) واللفظ له، وابن حبان (6084) من رواية زربن حبيش: «فَأَرَيْتُهُمْ، فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْئَتُهُمْ قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، قَالَ حَسَنٌ -وهو: ابن موسى الأشيب قاضي طبرستان (209هـ)- فَقَالَ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ».
فأين فرحُه صلى الله عليه وسلم أم أن جمعة لا يفرق بين رجاء الكثرة والإعجاب بها من جهة، ورغبته فيها من جهة أخرى، وبين فرحه بها؟
تَعْلَم يا جمعة! لم أقف -في حدِّ علْمي- على مَن فهم فهمَك من أهل العلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما على ما تتبعت من شراح الحديث! إلا أنْ يكون تقريرهم تقرير ما هو ظاهر الرويات من رغبته ورجائه في كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم، ورضائه بما أعطاه ربُّه -سبحانه وتعالى- حتى قال ما قال: «رَضِيتُ يَا رَبِّ»، لما رأى من مَنِّ الله تعالى عليه من كثرةِ أمَّته صلى الله عليه وسلم.
فلِم التَّحامل على إخوانك، وتجهيلِك لهم، وتسفيهك لهم أمام من انخدع بك من أتباعك؟
فهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على سوءِ طويَّتك، وخبْث معدنِك، وإلا فالخطأُ في مثل هذا -إن كان واقعاً- لا يقتضي مثل هذا التَّحامل منك، ولكنها الدسائس والتشقيق على قلوب الرجال، ولقد أدليت في هذه الفتنة والفُرقة بدلوٍ غَرْب.
وإلا فقد بدا لي شيء وهو: أن جمعة يحبُّ «الإغراب» على أتباعه من جهة، وهم: مفتونون بصنيعه هذا من جهة أخرى، فـ: «وافق شنٌّ طَبَقه» ([62]) كما يقال.
ثم دَعني أصارحك القول إنَّ مشكلتَك في هذا الإغراب هو: «قضية الكثرة» وقد سئلت ذاك السؤال فيما أثاره خصومك عن مجالسكم، وأن الكثرة مذمومة وأنها ليست عيارا على الحقِّ.
وهذا في الحقيقة سؤال فقهيٌّ وجيه، ومَن أثاره له ذوقٌ وفهم، فلو سلكت أيها الدكتور مسلَك أهل العلم -وقد قدمت لك عينةً من ذلك عنهم-، فتجردت للحقِّ وأجبت جواباً قصداً يُلِمُّ بالمسألة ويحرر صورتَها ويُبين بُعدها الفقهي، لكان جوابك سائغاً مقبولًا بغضِّ النظر عن خصومتِك وفرقتِك، وهذه طريقة أهل العلم الصادقين القاصدين في تقرير الحقِّ والانتصار له، لكن «جمعة» الذي عوَّدنا بطيشه لحظَ خصمَه في جوابه وما يريد من هدم ما بَني عليه أساس فُرقته؛ وهو: تكتيل الشباب على هواه قبل أن يُدقِّق في صورةِ جواب ما سئِل عنه، فذهب بناء على ذلك إلى التأصيل لما يحرص عليه من تكتيل الشباب وتكثيرهم من حول جماعته متغاضياً عن لبِّ المسألة وجوهرها.
فكان جوابه أصلًا هو: الانتصار إلى الكثرة في جانب الحقِّ، مع أنها صورةٌ ثانوية فرعية في جواب أهل العلم والفقه، لذا تَجد قلَّ مَن يُنَبِّه عليها في جوابه؛ ومَن نَبَّه عنها قَرَنها بعدم الاغترار بها، كما قرَّرناه من كلام العلامتين ابن عثيمين رحمه الله والفوزان حفظه الله.
فإن قلت: ما وجه تقريرك هذا؟ قلت: وجهه هو: ذاك الاستدلال الخاطئ الذي أغرب به عنا «جمعة» في هذه المسألة. فمرَّة بالكثرة في أهل الإجماع، ومرَّة بافتخاره صلى الله عليه وسلم بالكثرة، ومرَّة بما قرَّر هنا في احتجاجه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو: فرحه صلى الله عليه وسلم بكثرة أمته على سائر الأمم.
وهذا ما لم نجد له سائغا عند أهل العلم والفقه، إلا ما جاء في جواب هذا المتحمس!
نجمةأقول ختاما:
يا دكتور! يا فقيه الأصول! إني مشفقٌ عليك وعلى رفقتك ([63]) في هذه الفتنة والفُرقة التي ركبتموها -بالله عليكم- أيسرُّكم أن تلقَوا ربَّكم بها، أيسرُّكم لقاء ربِّكم وقد فارقْتم سادَة علمائكم وإخوانَكم على دينهم ؟!!
إن منهج السَّلف الذي تُدَنْدِنون عنه بَرَاءٌ منكم براءَة الذِّئب من دم ابنِ يعقوب، إِي وربِّي إنه منكم لَبَراء، فقد أردْتم بباطلِكم تَهميش إخوانَكم، فلَعِبْتم ولَعِبْتم على عقول السذَّج من أبناء هذه الأمة، فاعتزلوا الآن وتوارَوا عن الأنظار، فإنَّا -والله- لا نريدُ أنْ نَرى لكم وجهاً؛ لأنَّ مثلَكم لا يَصلح لهذه الدعوة المباركة، ولا يَصلح لتنشِئة وتربيةِ النَّشأ في هذه الأمة، فكفانا ما مضى منكم، وكَفى إخوانكم اغتراراً بكم، فاحفظوا لكم ما بقي من ماء الوجه إنْ كان!!
فللدَّعوة السَّلفية رجالٌ وفرسانٌ، وليست في حاجةٍ لمن ركب قصبة فظنها فرسا، وليست في حاجة لمخنثِي الأفهام والأفكار، والحمد لله أولا وآخرا.

وكتب:
عبدالمجيد تالي
ليلة الخميس لـ: 07-12-1440هـ.
الموافق لـ: 08-08-2019 مـ

الهامش:
([1]) كما يطيب له ولهم تلقيبه وتخصيصه به. ([2]) كما عودنا في طريقة نشره لأفكاره وتوجيهاته لأتباعه.
([3]) هذا ما وقفت عليه بعد في الإجابة، وسيأتي ذلك موثقا بصورته في المرفقات.
([4]) قلت: وانظر: «سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» (5: 469- 470) للصالحي ففيه زيادة إيضاح وبيان.
([5]) انظر: «تيسير الكريم الرحمن» لابن سعدي (ص: 574).
([6]) انظر: «موسوعة التفسير المأثور» (10: 311).
([7]) قلت: وكذا السَّلفية، والعلم والفهم، وو...، لكن العبرة بالحقائق لا بالشقاشق.
([8]) «كتاب الفوائد» (ص: 154).
([9]) ما كان لي استعمال هذا! لكنك عودتنا بتهورك على مسلكك وصنيعك، فلا تلمني.
([10]) وأنت كذلك في دينك يا دكتور، فواقعك فيه صار مزرٍ، وهو الذي أرداك ما أرداك، فلذا خاطبتك بذاك، أما الآخرة فلسنا ممن يتألى على ربِّه -سبحانه- ، وحاشا أن نكون كذلك.
([11]) خرجه أبو القاسم الطبري في «أصول الاعتقاد» (45).
([12]) (47).
([13]) لا تنس أن بعضهم من مدينة تمنراست تزيد مسافتها بعدا عن العاصمة بـ (2000كم).
([14]) انظر: «تيسير الكريم الرحمن» (ص: 297- 298).
([15]) بل أقول: هذا الذي تؤيده الآثار السلفية، في فهم هذا الأصل ولزومه لمن تتبعها وجمعها.
([16]) (ص:22).
([17]) «شرح الواسطية» (2: 377).
([18]) وأرجو أن لا تخمنوا هذا في حقِّ الريحانة، فإني قد سمعت شيئا من هذه الشنشنة، فهو بعيد عن هذا حقَّ البعد.
([19]) (4: 397- 399) طبع/عالم الفوائد.
([20]) والشافعي رحمه الله إنما أخذ ذلك استنباطا من الآية من غير أن يسبق إليه، كما سيتضح بعد حين. انظر: «الفوائد السَّنية في شرح الألفية» (1: 411) للحافظ البرماوي رحمه الله.
([21]) انظر: «الفوائد السَّنية في شرح الألفية» (1: 411).
([22]) «الأصول من علم الأصول» (ص: 64) للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
([23]) انظر: «روضة الناضر» (2: 450)، و«الفوائد السَّنية» (1: 421)، و«المسودة» (2: 640- 641)، و«شرح الكوكب المنير» (2: 252)، و«المذكرة» (ص: 271) للشنقيطي، و«التحفة الرضية» (1: 563- 564) للإتيوبي. قلت: فكيف إذا اختلفوا في عدد التواتر المعتبر فيه؟
([24]) انظر: «قوادح الاستدلال بالإجماع» (ص: 40) للشيخ الشثري، و«قواطع الأدلة» (2: 745- 746)، و«الفوائد السَّنية» (1: 421- 422)، و«غاية المأمول» (ص: 244) للرملي، و«شرح الكوكب المنير» (2: 253)، و«المختصر» (ص: 77) لابن اللحام، و«الإجماع» (ص: 123- 126) للباحسين.
قلت: وليس المقصود هنا: تقرير هذه المسألة، وإنما النظر إلى العدد المعتبر شرعا في انعقاد الإجماع، لإلزام هذا المعاند في الجنوح إلى حمد الكثرة استنادا إلى دليل حجية الإجماع.
([25]) «البحبحة» بوحدتين مفتوحتين وحاءين مهملتين الاولى ساكنه والثانية مفتوحه: التَّمكن فى المقام والحلول. انظر: «الفتح الرباني» (22: 168) للساعاتي.
([26]) أقول: وهذه لفتةٌ من هذا الإمام $ ينبغي التَّنبه لها في بيان ثمار الجماعة وفوائدها وعوائدها، وبالأخصِّ في هذا الوقت بالذات، فَلْتُستثمر إذن.
([27]) (1: 408- 409) (رقم: 892) ط/عوامة.
([28]) (ص: 39- 40).
([29]) قال ابن السبكي في «طبقات الشافعية» (2: 245): بعد أن ساقه في ترجمة أبي سعيد محمد بن عقيل الفاريابي: «وسند هذه الحكاية صحيح لا غبار عليه».
([30]) وهو: في تأصيل منهجهم الذي ساروا عليه.
([31]) انظر: «المذكرة» (ص: 270).
([32]) «مختار الصحاح» (ص: 339)، وانظر غير ملزم: «مجموع الفتاوى» (19: 192- 195) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
([33]) انظر: (4: 480).
([34]) انظر: «التنوير شرح الجامع الصغير» (4: 258).
([35]) «أعلام الحديث» (1: 337).
([36]) (7: 2263).
([37]) «شرح المصابيح» (3: 543).
([38]) «المفاتيح في شرح المصابيح» (4: 15).
([39]) «فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام» (ص: 512).
([40]) (14: 425- 426).
([41]) أقول: وانتبه لهذه يا دكتور! لعل هذا القليل هم من الأتباع في الهوى.
([42]) وذلك نتيجة ما دخل فيه من الكلام، فنقم عليه الإمام أحمد $ وغيره من أهل العلم.
([43]) كلمة عامية عندنا القصد بها: لا تُرعبنا!
([44]) هي: بيوتات كانت تبنى لأغراض شتَّى، وأحيانا في مناسبات ما، القاسم المشترك فيمن ينتابها: لقاءات اللهو أوالسفه والجهل والطيش، وأحيانا المجون عياذا بالله.
([45]) الذي قلت يوما: فيه «قليل الأدب» فحيرت عقول العقلاء من السَّلفيين! وهذا مما يحفظ لك للتأريخ.
([46]) في «كتاب التوحيد»، ورسائل إمام الدعوة، وغيرها.
([47]) مجالس «بلوغ المرام» في عشر سنوات أو تزيد، و«كتاب التوحيد»، وغيرها.
([48]) في «شرح الموطأ»، و«المعارج» و«فضل الإسلام»، وغيرها.
([49]) وإن كانوا كذلك أفيحل لكم خديعتهم وخيانتهم؟ أين أنتم من قاعدة: «أدِّ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك».
([50]) وهذا شيء وجدته منكم ولا يزال يكبر ويكبر في قلبي، ولا تزال قناعتي تزداد به.
([51]) أم تصدقون أن نصدق دروشة حسان، وسفسطة صاري؟!
([52]) لكن أنَّى لكم ذلك.
([53]) «أصول الاعتقاد» (1: 369 و373) لأبي القاسم الطبري.
([54]) انظر: «طبقات الحنابلة» (1: 36) لابن أبي يعلى ضمن الرسالة في «السنة» التي رواها أحمد بن جعفر بن يعقوب الاصطخري رحمه الله.
([55]) أعني: أن الوقف فيه على ماذكر كالوقف في الآية.
([56]) «التوضيح المفيد لمسائل التوحيد» (ص: 43).
([57]) «القول المفيد» (1: 98- 99).
([58]) «إعانة المستفيد» (1: 85- 86).
([59]) الكَبْكَبَةُ: بفتح الكاف ويجوز ضمُّها، بعدَها موحدةٌ: هي الجماعةُ من النَّاس، إذا اِنْظَمَّ بعضُهم إلى بعض. انظر: «الفتح» (11: 408)/ (15: 70) ط/ دار طيبة.
([60]) انظر: «البحر المحيط الثجاج» (5: 517).
([61]) الظراب: بكسر معجمة آخره موحدة، هي: الجبال الصغار المنبسطة على الأرض. أفاده السندي «حاشية المسند» (3: 327).
([62]) أصل الشن: الوعاء المعمول من الأدم، فإذا يبس فهو: شن، والطبق: هو الغطاء. انظر: «الأمثال» (ص: 177) لأبي عبيد القاسم بن سلام.
([63]) وهذا حال السَّلفي إذا نظر إلى المخالف بعين القدر لا بعين الشرع؛ فإنه بتلك يرحم وبهذه يمقت.


أبو حذيفة محفوظ البوفاريكي 03 Sep 2019 07:14 PM

بوركت شيخنا

فاتح عبدو هزيل 04 Sep 2019 12:05 AM

جزى الله خيرا الشيخ عبد المجيد تالي على هذا الرد المفحم

كمال بن سعيد 04 Sep 2019 12:25 AM

جزاك اللّه خيرا
سلمت يمينك شيخ عبد المجيد ألقمته حجرا فمنذ البداية همهم الكثرة ليلبسوا على الشباب وليكذبوا على غيرهم وليوهموا النّاس "أنّ السلفيين على قلب رجل واحد" ولا فُرقة ولا هم يحزنون وصوروا الأمر على خلاف ماهو عليه بقولهم بعض الصغار طعنوا في الكبار لتمرير مخططهم ولمّا تفطن لهم العلماء كشفوا عن وجههم الحقيقي كفانا اللّه شرهم بما شاء
جمعة سماه الشيخ عبيد متولي كبر الفرقة لأنه خبره وطالبه بالأدلة وعلم أنه هو من يدير ويوجه غيره وحسبنا اللّه ونعم الوكيل

أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي 04 Sep 2019 06:37 AM

جزاك الله خيرا شيخ عبد المحيد تالي

محمد أمين أبو عاصم الأرهاطي 04 Sep 2019 09:45 AM

جزاك الله خيرا شيخنا عبد المجيد،فقد نسفت كلامه نسفا وبينت غشه وتلاعبه بمايعلم من قواعد العلم،استغفالا للأتباع والسفهاء.
أثقل الله لك الموازين وزادك من فضله.ءامين

فاتح بن دلاج 04 Sep 2019 10:35 AM

جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل عبد المجيد على هذا الرد المفحم فمتولي كبر هذه الفرقة يتلاعب بعقول الاتباع المغفلين الذين معه نسأل الله أن يكفينا شره بما شاء.

أبو عبد الباري أحمد صغير 05 Sep 2019 03:34 PM

جزاك الله خيرا يا شيخ عبد المجيد ونفع بك.

أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي 07 Sep 2019 03:27 PM

جَزَاكُمُ اللهُ خَيرًا أَيُّهَا الشَّيْخُ الْفَاضِلُ عَبْدُ الْمَجِيدِ تَالِي
مَقَالَةٌ دَقِيقَةٌ فِيهَا إِظْهَارٌ لِكَيْفِيَّةِ الْاِسْتِدْلَاَلِ بِالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْمَرْضِيَّةِ، لَا مَا فَعَلَهُ الطَّائِشُ جُمْعَة مِنْ عَبَثٍ بِالنُّصُوصِ وَلَيِّهَا وَإِنْزَالِهَا فِي غَيْرِ مُرَادِ اللهِ!
نَفَعَ اللهُ بِمَا كَتَبْتُم

محسن سلاطنية 09 Sep 2019 10:47 PM

جزاك الله خيرا ونفع بمقالتك هذه شيخنا عبد المجيد تالي فقد ألقمت المفرق جمعة الحجر.

أبو جميل الرحمن طارق الجزائري 11 Sep 2019 12:52 AM

جزاكم الله خيرا على ما كتبتم من تأصيل سلفي متين اتسم بروح الإنصاف وبيان الحق دون اعتساف
فجزاكم الله خيرا

أبو جويرية عجال سامي 19 Sep 2019 09:15 PM

جزاكم الله خيرا شيخنا عبد المجيد فقد كشفت مرض الرجل وصفت له الترياق الشافي بإذن الله ودونه هذا المقال الطيب ليفيق من سكرته جزاك الله خيرا وبارك فيك وفي وقتك وقلمك


الساعة الآن 10:04 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013