منتديات التصفية و التربية السلفية - التكامل وسلامة المنهجية عند طالب العلم

التكامل وسلامة المنهجية عند طالب العلم

الحمد الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله على نبيه الذي بلغ وبّين وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فهذه لفتات كالتتمات لما ذكره أخونا الكريم خالد حمودة في مقاله "الفارغ والمفرغ وما لم يفرغ منه"، وهذا سنة متبعة عند أهل العلم -وإن لم أكن منهم-، فإنه من المهمات أن يكون الطالب متكاملا في علمه، متجنبا الخطأ والزلل في منهجية طلبه، و أجعل التتمات على شكل نقاط، فبالله التوفيق:

الأولى: أنه ينبغي لنا ألا نهمل جانبا من جوانب العلم على حساب جانب آخر، فمن ذلك أن كثيرا منا يعتني بفن معين ويفرط في فنون، وهذا نقص وتفريط، وضده كمال للطالب، وقوة في العلم، ومن ذلك التفريط:

قلة دراسة الفقه، فبعضنا تجده قد درس من كتب العقيدة ما درس، وهذا فيه خير كبير، وهو أمارة وعي، لكن بإزاء ذلك تجده لم يقرأ من كتب الفقه إلا كتابا أو كتابين، وقد يكون ذلك تصفحا، إلى جانب بعض المطويات والرسائل، وهذا خلل من جهتين:

الجهة الأولى: أن كثيرا من مسائل الفقه من فروض الأعيان، والإخلال بمعرفتها وضبطها قد يوقع صاحب ذلك في الإثم.

الجهة الثانية: أن الاعتماد على الرسائل والمطويات في دراسة العلم لا يكوّن طالبا، بل ذلك شأن التذوق والتثقف في الدين، زد أن الأصول التي يعتمدها كل مؤلف غير ما يعتمده الآخر، ويقع لبعض من شأنه ذلك أن يخرج بقول شاذ لم يسبق إليه.

كذلك العناية بعلوم اللغة فقد يصل بعض الطلاب إلى الألفية حفظا ودراسة، وليس له من متن اللغة أو البلاغة مثلا إلا نتف وأشياء علقت بالذهن، والحق أن النحو لا يكفي لتكوين الملكة اللغوية ولا يستغنى به لفهم كلام الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك كذلك العناية بالأدب والأخلاق والتاريخ والسير، وقد آثرت جمعها في محل واحد طلبا للاختصار، وهذه فنون من العلم مهمة، وتجدر العناية بها، فهي مما ينمي الشخصية العلمية للطالب ويصقل مواهبه، بل مما يزيده إيمانا وإذعانا لشرع الله تعالى لما فيها من المحاسن والعبر، ويغلط من يظن أن الآداب الإسلامية مستحبة فحسب، فمنها ما هو واجب ومتأكد، ومن الطلاب من درس المسائل المنهجية، وقلبها ظهرا لبطن، ونصيبه مما تقدم ضئيل، وهذا في حقنا نقص وتقصير، ويقابله:

التقصير في دراسة المسائل المنهجية، والنأي عنها بحجج واهية كخيوط العنكبوت، وهذا مما سبب فتنا وأورث ضغائن، ودع عنك من يقول العكس، فدراسة هذه المسائل –والله- مما يزكي النفس ويحصن الطالب، ومن أعظم ما يجمع الكلمة على الحق.

الثانية: الحذر من الاستقلالية في طلب العلم واختيار الكتب والشيوخ، وهذا شين للطالب، وطريق ملتوية ذات مخاطر، فمن أعظم النعم على الطالب أن تكون له مشيخة ومرجعية علمية توجهه وتوضح له سبيل العلم والتحصيل، ولا أقل أن يطلع الواحد منا على الكتب التي تبين ذلك من تصانيف أدب الطلب وأصول التلقي، ومذهب بعضنا في اختيار الكتب هو ما كان موضع إعجاب واتفق لنا من غير سابق حساب دون مراعاة واتباع ما ذكره أهل العلم في هذا الباب.

الثالثة: الحرص على الكتب المعتمدة، والمراجع الأصيلة، وكذلك الشيوخ الثقات من أهل العلم الكبار، وهذا هو مربط الفرس، فإن المصادر الموثوقة والمعتمدة مظنة العلم الصحيح، ومن أخطأه المنهل النقي والمنبع الصافي أصيب في صميم منهجه، فإيانا والمشرب الكدر أو المورد العكر، من كتب المبتدعة –وهي أضرها-، أو كتب الدخلاء على العلوم التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وعلينا بكتب السلف والمحققين من أهل العلم، وذلك حتى في الشروح وسماع الأشرطة، فكم منا من ديدنه السماع لصغار الطلبة وتتبع كل جديد وكثير منه غير سديد ولا مفيد، ثم إذا ظهر من هذا ما ظهر تعقبنا الحسرة أو الحيرة.

فهذه إشارات اكتفيت بها عن إيراد الشواهد والعبارات، وما صاحبكم بفارس في الميدان ولا صاحب علم أو بيان، لكنها حسرة بالقلب، ورحمة بالحال، فكم أوقع الإفراط فيما تقدم في الخبط والخلط، وكم اتخذ سلما للنيل ممن يتمسك بدين الله تعالى، بل والسخرية والاستهتار بهم، ممن لا يرجون لله وقارا، ولا هم في العير ولا في النفير، لا للعلم الصحيح نشروا ولا للأدب أقاموا، ولولا ألقاب أضفيت عليهم لما التفت إليهم، واللبيب بالإشارة يفهم.