منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   تعرف على حقيقة ما كان عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومنهجه في الدعوة من خلال رسائله التي أرسلها للمسلمين (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=19493)

أبو إكرام وليد فتحون 17 Sep 2016 11:22 PM

تعرف على حقيقة ما كان عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومنهجه في الدعوة من خلال رسائله التي أرسلها للمسلمين
 
بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، ومنهجه في الدعوة
من خلال رسائله التي وجهها إلى أشخاص معينين أو إلى جماعة المسلمين
.

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
وبعد، فهذه بإذن الله مجموعة رسائل وردود للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، التي وجهها إلى أشخاص معينين أو إلى جماعة المسلمين، يشرح فيها حقيقة ما هو عليه، ويبين منهجه في الدعوة، ويرد على ما يوجه إليه من تهم من قبل خصومه ، و هي مقسمة إلى خمسة أقسام، بحسب مواضيعها كما يلي:
1- القسم الأول: في بيان عقيدة الشيخ وحقيقة دعوته، ورد ما ألصق به من التهم الباطلة.
2- القسم الثاني: بيان أنواع التوحيد.
3- القسم الثالث: بيان معنى "لا إله إلا الله"، وبيان ما يناقضها من الشرك في العبادة.
4- القسم الرابع: ببان الأشياء التي يكفر مرتكبها ويجب قتاله، والفرق بين فهم الحجة وقيام الحجة.
5- القسم الخامس: توجيهات عامة للمسلمين في الاعتقاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أنقل بإذن الله بعضها كعينة لكل قسم ، من كتاب مطبوع يتضمن جمع لمجموع الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، جُمعت من كتبه ومن مصادر أخرى ، للتعرف على أن عقيدته رحمه الله موافقة لعقيدة السلف و لم يخالفهم في ذلك فهو يدعو الى توحيد الله وإنكار الشرك وإقامة الدين، فهو سلفي العقيدة، يدعو إلى توحيد الله وإلى اتباع شريعته، وينهى عن الشرك والبدع والخرافات والمعاصي مثل ما كان الصحابة يدعون إلى الله, و مثل ما كان أئمة الإسلام رحمهم الله الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك وغيرهم يدعون إلى توحيد الله والإخلاص له ، والله من وراء القصد .

القسم الأول: عقيدة الشيخ وبيان حقيقة دعوته ورد ما ألصق به من التهم

-1- :رسالة الشيخ إلى أهل القصيم لما سألوه عن عقيدته

بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد الله، ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم، أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة: من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل؛ بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيّف، ولا أمثّل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سميَّ له، ولا كفء له، ولا نِدّ له، ولا يقاس بخلقه. فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً؛ فنَزّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى، بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية، وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج.

وأعتقد أن القرآن كلام الله، منَزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وأومن بأن الله فعّال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره؛ ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.
وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت: فأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد؛ فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة عراة غرلاً، تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد،: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} ، وتنشر الدواوين، فآخذٌ كتابه بيمينه،وآخذٌ كتابه بشماله.

وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.
وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم، يمر به الناس على قدر أعمالهم.
وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال؛ ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّض لِمَنِ ارْتَضَى} 2، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} 1، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 2؛ وهو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}

وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته.
وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وأن أفضل أمته: أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم.

وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم، وأترضى عنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء.

وأقرّ بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله. ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام. وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله. ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس، ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه.
وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله. وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.

وأعتقد أن الإيمان: قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ وهو بضع وسبعون شعبة، أعلاها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق. وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.

فهذه عقيدة وجيزة، حررتها وأنا مشتغل البال، لتطلعوا على ما عندي. والله على ما نقول وكيل.

ثم لا يخفى عليكم، أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم؛ والله يعلم أن الرجل افترى عليَّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي.
فمنها: قوله
: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني أدعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد، وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفّر من توسل بالصالحين، وإني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق، وإني أقول: لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفّر من حلف بغير الله، وإني أكفّر ابن الفارض وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسميه روض الشياطين.
جوابي عن هذه المسائل، أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور.
قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ} 1 الآية، بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول: إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} .
وأما المسائل الأخر، وهي: أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى "لا إله إلا الله"، وأني أعرّف من يأتيني بمعناها، وأني أكفّر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام، فهذه المسائل حق، وأنا قائل بها. ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة. وإذا سهل الله تعالى، بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى.
ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} الآية.
ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 17 Sep 2016 11:41 PM

- 2 - رسالته إلى فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام .

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى الشيخ فاضل آل مزيد، زاده الله من الإيمان، وأعاذه من نزعات الشيطان.
أما بعد،
فالسبب في المكاتبة: أن راشد بن عربان ذكر لنا عنك كلاماً حسناً سرّ الخاطر، وذكر عنك أنك طالب مني المكاتبة بسبب ما يجيك عنا من كلام العدوان، من الكذب والبهتان؛ وهذا هو الواجب من مثلك: أنه لا يقبل كلاماً إلا إذا تحققه.
وأنا أذكر لك أمرين قبل أن أذكر لك صفة الدين:
الأمر الأول: أني أذكر لمن خالفني: أن الواجب على الناس: اتباع ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وأقول لهم: الكتب عندكم، انظروا فيها، ولا تأخذوا من كلامي شيئاً. لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم، فاتبعوه ولو خالفه أكثر الناس.

والأمر الثاني: أن هذا الذي أنكروا عليّ، وأبغضوني وعادوني من أجله، إذا سألوا عنه كل عالم في الشام واليمن أو غيرهم، يقول: هذا هو الحق، وهو دين الله ورسوله، ولكن ما أقدر أن أظهره في مكاني، لأجل أن الدولة ما يرضون. وابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره، بل لما عرف الحق اتبعه. هذا كلام العلماء، وأظن أنه وصلك كلامهم.

فأنت، تفكرْ في الأمر الأول، وهو قولي: لا تطيعوني، ولا تطيعوا إلا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم. وتفكرْ في الأمر الثاني: أن كل عاقل مقرّ به، لكن ما يقدر أن يظهره.
فقدّمْ لنفسك ما ينجيك عند الله. واعلم أنه لا ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. والدنيا زائلة. والجنة والنار ما ينبغي للعاقل أن ينساهما.

وصورة الأمر الصحيح أني أقول: ما يُدعى إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى في كتابه: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} . فهذا كلام الله، والذي ذكره لنا رسول الله ووصانا به، ونهى الناس أن لا يدعوه. فلما ذكرت لهم أن هذه المقامات التي في الشام والحرمين وغيرهم، أنها على خلاف أمر الله ورسوله، وأن دعوة الصالحين والتعلق بهم هو الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ، فلما أظهرت هذا أنكروه وكبر عليهم، وقالوا: أجعلتنا مشركين، وهذا ليس إشراكاً؟

هذا كلامهم، وهذا كلامي، أسنده عن الله ورسوله. وهذا هو الذي بيني وبينكم؛ فإن ذكر عني شيء غير هذا فهو كذب وبهتان. والذي يصدق كلامي هذا أن العالم ما يقدر أن يظهره، حتى من علماء الشام من يقول: هذا هو الحق، ولكن لا يظهره إلا من يحارب الدولة، وأنت ولله الحمد ما تخاف إلا الله. نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى دين الله ورسوله، والله أعلم.
ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 18 Sep 2016 12:02 AM

- 3 - رسالته إلى السويدي عالم من العراق .

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى عبد الرحمن بن عبد الله، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فقد وصل كتابك وسر الخاطر، جعلك الله من أئمة المتقين، ومن الدعاة إلى دين سيد المرسلين. وأخبرك أني، ولله الحمد، متبع ولست بمبتدع؛ عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة.

لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين، وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يُعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله، الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة. وبينت لهم أن أول من أدخل الشرك في هذه الأمة هم الرافضة الملعونة الذين يدعون علياً وغيره، ويطلبون منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات. وأنا صاحب منصب في قريتي، مسموع الكلمة. فأنكر هذا بعض الرؤساء، لأنه خالف عادة نشؤوا عليها.

وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا، وشرب المسكر، وأنواع من المنكرات، فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه، لكونه مستحسناً عند العوام؛ فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد وأنهى عنه من الشرك، ولبّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس.

وكبرت الفتنة جداً، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلاً عن أن يفتريه. ومنها ما ذكرتم: أني أكفّر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة. ويا عجباً! كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟!
وكذلك قولهم: إنه يقول: لو أقدر أهدم قبة النبي صلى الله عليه وسلم لهدمتها. وأما "دلائل الخيرات"، فله سبب، وذلك أني أشرت على من قَبِل نصيحتي من إخواني أن لا يصير في قلبه أجلّ من كتاب الله، ويظن أن القراءة فيه أجلّ من قراءة القرآن. وأما إحراقه والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كانن فهذا من البهتان.

والحاصل: أن ما ذكر عنا من الأسباب غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشركن فكله من البهتان. وهذا لو خفي على غيركم، فلا يخفى على حضرتكم.
ولو أن رجلاً من أهل بلدكم، ولو كان أحب الخلق إلى الناس، قام يلزم الناس بالإخلاص ويمنعهم من دعوة أهل القبور، وله أعداء وحساد أشد منه رياسة، وأكثر أتباعاً، وقاموا يرمونه بما تسمع ويوهمون الناس أن هذا تنقص بالصالحين، وأن دعوتهم من إجلالهم واحترامهم، تعلمون كيف يجري عليه.

ومع هذا وأضعافه، فلا بد من الإيمان بما جاء به الرسول ونصرته، كما أخذ الله على الأنبياء قبله، وأنهم في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} . فلما فرض الله الإيمان لم يجز ترك ذلك.

وأنا أرجو أن يكرمك الله بنصر دينه ونبيه، وذلك بمقتضى الاستطاعة، ولو بالقلب والدعاء. وقد قال صلى الله عليه وسلم:
" إذا أُمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " . فإن رأيت عرض كلامي على من ظننت أنه يقبل من إخواننا، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

ومن أعجب ما جرى من الرؤساء المخالفين، أني لما بينت لهم كلام الله وما ذكر أهل التفسير في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} ، وقوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الآية، وغير ذلك، قالوا: القرآن، لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا، ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون. قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي كلٌ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم. فلما أبوا ذلك، نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب، وذكرت ما قالوا بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها، فصرفوا ذلك وتحققوه، ولم يزدهم إلا نفوراً.

وأما التكفير، فأنا أكفّّر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى مَن فعله؛ فهذا هو الذي أكفّره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك.
وأما القتال، فلم نقاتل أحداً إلى اليوم، إلا دون النفس والحرمة؛ وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً. ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، وكذلك من جاهر بسبّ دين الرسول بعد ما عرفه. والسلام.
ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 18 Sep 2016 01:50 PM

- 4 - رسالته إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام .

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام، نصر الله بهم سيد الأنام، وتابعي الأئمة الأعلام؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم، وسببه: هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين، فلما كبر هذا على العامة، لظنهم أنه تنقيص للصالحين، ومع هذا نهيناهم عن دعواهم، وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله، فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور، كبر على العامة جداً، وعاضدهم بعض من يدعي العلم، لأسباب أخر التي لا تخفى على مثلكم؛ أعظمها: اتباع هوى العوام مع أسباب أخر.
فأشاعوا عنا أنَّا نسبّ الصالحين وأنَّا على غير جادّة العلماء، ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب، وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها.

وأنا أخبركم بما نحن عليه (خبراً لا أستطيع أن أكذب) بسبب أن مثلكم لا يروّج عليه الكذب على أناس متظاهرون بمذهبهم عند الخاص والعام. فنحن ولله الحمد متبعين غير مبتدعين ، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء: أني أدعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة. فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور، والأمر بترك دعوة الصالحين، لما أظهرناه وتعلمون، أعزكم الله، أن المطاع في كثير من البلدان، لو تبين بالعمل بهاتين المسألتين، أنها تكبر على العامة الذين درجوا هم وإياهم على ضد ذلك. فإن كان الأمر كذلك، فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة شرفها الله مثل: "الإقناع" و"غاية المنتهى" و"الإنصاف"، التي عليها اعتماد المتأخرين، وهو عند الحنابلة كـ"التحفة" و"النهاية" عند الشافعية. وهم ذكروا في باب الجنايز هدم البنا على القبور، واستدلوا عليه بما في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بهدم القبور المشرفة وأنه هدمها " ، واستدلوا على وجوب إخلاص الدعوة لله، والنهي عما اشتهر في زمنهم من دعاء الأموات بأدلة كثيرة، وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك. فإن كانت المسألة إجماعاً فلا كلام، وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد؛ فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه.

وما أشاعوا عنا من التكفير، وأني أفتيت بكفر البوادي الذين ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء، مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، استنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا: من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها.

ولما وقع ذلك من بعض القرى مع علمهم اليقين بكفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، حتى أنهم يقولون: من أنكر فرعاً مجمعاً عليه كفر، فقلت لهم: إذا كان هذا عندكم فيمن أنكر فرعاً مجمعاً عليه، فكيف بمن أنكر الإيمان باليوم الآخر؟ وسب الحضر وسفّه أحلامهم إذا صدقوا بالبعث. فلما أفتيت بكفر من تبر البوادي من أهل القرى، مع علمه بما أنزل الله وبما أجمع عليه العلماء، كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل فينا من الأكاذيب والبهتان.

وبالجملة: هذا ما نحن عليه. وأنتم تعلمون أن من هو أجلّ منّا لو تبين في هذه المسائل قامت عليه القيامة، وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسوله، أني متبع لأهل العلم، وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه، فبينوا لي، وأنا أشهد الله أني أقبل على الرأس والعين؛ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 18 Sep 2016 01:59 PM

- 5 - رساته إلى عالم من أهل المدينة .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. ثم ينتهي إلى جناب ... لا زال محروس الجناب، بعين الملك الوهاب.

وبعد، الخط وصل، أوصلك الله إلى رضوانه، وسر الخاطر حيث أََخبر بطيبكم. فإن سألت عنا، فالحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، وإن سألت عن سبب الاختلاف الذي هو بيننا وبين الناس، فما اختلفنا في شيء من شرائع الإسلام، من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، ولا في شيء من المحرمات. الشيء الذي عندنا زين هو عند الناس زين، والذي عندهم شين، هو عندنا شين، إلا أنا نعمل بالزين ونغصب الذي يدنا عليه، وننهى عن الشين ونؤدب الناس عليه.
والذي قلب الناس علينا: الذي قلبهم على سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، وقلبهم على الرسل من قبله: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} . ومثل ما قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم: والله ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي.

فرأسُ الأمر عندنا وأساسه: إخلاص الدين لله. نقول: ما يُدعى إلا الله، ولا يُنذر إلا لله، ولا يُذبح القربان إلا لله، ولا يُخاف خوف الله إلا من الله. فمن جعل من هذا شيئاً لغير الله فنقول: هذا الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية.

والكفار الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم يقرّون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، النافع الضار المدبّر لجميع الأمور؛ واقرأ قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} الآية، {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} .

وأخبر الله عن الكفار أنهم يخلصون لله الدين أوقات الشدائد؛ واذكر قوله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ، والآية الأخرى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . وبيّن غاية الكفار ومطلبهم: أنهم يطلبون الشفع. واقرأ أول سورة الزمر، تراه سبحانه بيّن دين الإسلام، وبيّن دين الكفار ومطلبهم، والآيات في هذا من القرآن ما تحصى ولا تعد.

وأما الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فلما قال بعض الصحابة: ما شاء الله وشئت، قال:? أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده " ، وفي الحديث الثاني، قال بعض الصحابة: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، قال: " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله وحده " .

وفي الحديث الثالث: أن أم سلمة، رضي الله عنها، ذكرت له كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، قال:? " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح - أو العبد الصالح - بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " .

والحديث الرابع: لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال له: " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترَدّ على فقرائهم " .

والحديث الخامس: عن معاذ قال: " كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: أن لا يعذّب مَن لا يشرك به شيئاً " الحديث. والأحاديث في هذا ما تحصى.

وأما تنويهه صلى الله عليه وسلم بأن دينه يتغير بعده، فقال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي! عضوا عليها بالنواجذ! وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد " .

وفي الحديث قال: " افترقت الأمم قبلكم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار، إلا واحدة. قالوا: من الواحدة يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ".
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " .

ويكون عندك معلوماً: أن أساس الأمر ورأسه، ودعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة من سواه؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 3 الآيتين.

ويكون عندك معلوماً: أن لله تعالى أفعالاً، وللعبيد أفعالاً. فأفعال الله: الخلق والرزق والنفع والضر والتدبير؛ وهذا أمر ما ينازع فيه لا كافر ولا مسلم. وأفعال العبد: العبادة: كونه ما يدعو إلا الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يذبح إلا له، ولا يخاف خوف السر إلا منه، ولا يتوكل إلا عليه. فالمسلم من وحّد الله بأفعاله سبحانه، وأفعاله بنفسه. والمشرك: الذي يوحد الله بأفعاله سبحانه، ويشرك بأفعاله بنفسه.
وفي الحديث: " لما نَزَّلَ الله عليه: {قُمْ فَأَنْذِرْ} ، صعد الصفا صلى الله عليه وسلم فنادى: واصباحاه! فلما اجتمع إليه قريش قال لهم ما قال، فقال عمه: تباً لك! ما جمعتنا إلا لهذا! وأنزل الله فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ". وقال صلى الله عليه وسلم: " يا عباس عم رسول الله، ويا صفية عمة رسول الله، اشتروا أنفسكم. لا أغني عنكم من الله شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً " .
أين هذا من قول صاحب البردة:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العممِ
وقوله:
ولن يضيق رسول الله جاهُك بي ... إذا الكريم تَجَلَّى باسم منتقمِ

وذكر صاحب السيرة " أنه صلوات الله وسلامه عليه قام يقنت على قريش، ويخصص أناساً منهم، في مقتل حمزة وأصحابه، فأنزل الله عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الآية ". ولكن مثل ما قال صلى الله عليه وسلم: " بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ " .

فإن قال قائلهم: إنهم يكفرون بالعموم، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! الذي نكفّر: الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج، ويتبين مع أهل القبب على أهل التوحيد. ولكن نسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل. {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} الآية.

ويكون عندك معلوما: أن أعظم المراتب وأجلّها عند الله: الدعوة إليه، التي قال الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} 4 الآية، وفي الحديث: " والله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم " .

ثم بعد هذا، يذكر لنا: أن عدوان الإسلام الذين ينفِّرون الناس عنه، يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود. نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفّعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه.

هذا اعتقادنا، وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح،من المهاجرين والأنصار، والتابعين وتابع التابعين، والأئمة الأربعة، رضي الله عنهم أجمعين. وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباعه وشرعه; فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة، فإن اجتماعهم حجة. والقائل: إنه يطلب الشفاعة بعد موته، يورد علينا الدليل من كتاب الله، أو من سنة رسول الله، أو من إجماع الأمة; والحق أحق أن يتبع.

ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 21 Sep 2016 09:16 PM

- 6 - رسالته إلى عامة المسلمين .

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من المسلمين؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، ما ذكر لكم عني: أني أكفّر بالعموم، فهذا من بهتان الأعداء.
وكذلك قولهم: إني أقول: من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده، أنه ما يكفيه حتى يجيء عندي، فهذا أيضاً من البهتان.
إنما المراد: اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت.
ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه، وكذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنها دين للمشركين وزينة للناس; فهذا الذي أكفّره.
وكل عالم على وجه الأرض يكفّر هؤلاء، إلا رجلاً معانداً أو جاهلاً؛ والله أعلم. والسلام.

ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 21 Sep 2016 09:29 PM

- 7 - رسالته إلى أهل المغرب .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولن يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً. وصلى الله على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد.

فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} .

فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين، وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بلزوم ما أُنزل إلينا من ربنا، وترك البدع والتفرق والاختلاف، فقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} .
وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مأخذ القرون قبلها، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " .
وأخبر في الحديث الآخر: " أن أُمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " .

إذا عرف هذا، فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها: الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله.
وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كصرف جميعها، لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ َيحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} .

فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه، وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار، فكذبهم في هذه الدعوى وكفّرهم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} . وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة، فقد عبدهم وأشرك بهم؛ وذلك أن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} ، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} ؛ وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} .
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى، كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، وقال: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} .

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه، لا يشفع إلا بإذن الله، لا يشفع ابتداء، بل " يأتي فيخرّ ساجداً، فيحمده بمحامد يعلّمه إياها، ثم يقال: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفّع. ثم يحدّ له حداً فيدخلهم الجنة " ، فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم.

وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم، وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج، والصلاة عندها، واتخاذها أعياداً، وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان " . وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر. وثبت فيه أيضاً أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه؛ ولهذا قال غير واحد من العلماء: يجب هدم القبب المبنية على القبور، لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفّرونا وقاتلونا، واستحلوا دماءنا وأموالنا، حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم. وهو الذي ندعو الناس إليه، ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة، ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} .
فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان، قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} .
وندعو الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} .

فهذا هو الذي نعتقد وندين الله به، فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم؛ له ما لنا وعليه ما علينا.
ونعتقد أيضاً: أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وصلى الله على محمد.

ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 21 Sep 2016 09:54 PM

القسم الثاني: بيان أنواع التوحيد


- 8 - رسالته إلى عامة المسلمين .

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، أخبركم أني - ولله الحمد - عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة؛ لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يُعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك، مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة. وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة.

فأنكر هذا بعض الرؤساء، لكونه خالف عادة نشؤوا عليها، وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر، وأنواع من المنكرات؛ فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه، لكونه مستحسناً عند العوام. فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد، وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس. وكبرت الفتنة جداً، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله .

فنقول: التوحيد نوعان:
توحيد الربوبية: وهو أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم. وهذا حق لا بد منه، لكن لا يُدخل الرجل في الإسلام؛ بل أكثر الناس مقرّون به، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} ، وأن الذي يُدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الإلهية، وهو: ألا يعبد إلا الله، لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ والجاهلية يعبدون أشياء مع الله، فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة، فنهاهم عن هذا وأخبرهم أن الله أرسله ليوحّد ولا يدعى أحد لا الملائكة ولا الأنبياء، فمن تبعه ووحد الله فهو الذي يشهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة، واستنصرهم والتجأ إليهم، فهو الذي جحد لا إله إلا الله، مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله. وهذه جملة لها بسط طويل، ولكن الحاصل: أن هذا مجمع عليه بين العلماء.

فلما جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم حيث قال: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " . وكان من قبلهم كما ذكر الله عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، وصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء، مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح، صاح عليهم أهل العلم من جميع الطوائف - أعني: على الداعي -. وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم. وبين أهل العلم أن هذا هو الشرك الأكبر، عبادة الأصنام؛ فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليُعبد وحده ولا يدعى معه إله آخر. والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل الشمس والقمر والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تُنْزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. فبعث الله الرسل وأنزل الكتب تنهى عن أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء الاستغاثة.

واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب إليهم، وإلا فهم مقرّون بأن الأمر لله؛ فهم لا يدعونها إلا في الرخاء، فإذا جاءت الشدائد أخلصوا لله، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} الآية.

واعلم أن التوحيد: هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده. فأولهم نوح، عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كسر صور الصالحين، أرسله الله إلى أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله تعالى، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله تعالى، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين.

فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين إبراهيم، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله تعالى، لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يخلق ولا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره. فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا، فاقرأ قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} ، وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} ، وغير ذلك من الآيات الدالات على تحقق أنهم يقولون بهذا كله، لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا: الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله عز وجل ليشفعوا لهم، ويدعو رجلاً صالحاً مثل اللات، أو نبيا مثل عيسى.

وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على ذلك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} .

وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدين كله لله، والذبح كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله. وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله تعالى بهم، هو الذي أحل دماءهم وأموالهم.

عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون. وهذا التوحيد هو معنى قولك: "لا إله إلا الله"؛ فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكاً أو نبياً أو ولياً أو شجرة أو قبراً أو جنياً، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يقرون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ: "السيد"، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي: "لا إله إلا الله". والمراد من هذه الكلمة معناها، لا مجرد لفظها؛ والكفار والجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو: إفراد الله بالتعلق، والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: " قولوا: لا إله إلا الله " قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ؟

فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني؛ والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الأمر إلا الله. فلا خير في رجلٍ، جُهَّالُ الكفار أعلم منه بمعنى "لا إله إلا الله".

فإذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية، وعرفت دين الله الذي بعث به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا، أفادك فائدتين:

الأولى: الفرح بفضل الله وبرحمته، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، وأفادك أيضاً: الخوف العظيم. فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله، خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ، فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.

واعلم: أن الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} ؛ وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} .

فإذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه، أهل فصاحة وعلم وحجج، كما قال تعالى: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآية. فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ، ولكن، إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حجج الله وبيناته، فلا تخف ولا تحزن، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان. وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح. وقد مَنَّ الله علينا بكتابه الذي جعله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين؛ فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} ، قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

والحاصل: أن كل ما ذكر عنّا من الأشياء غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك، فكله من البهتان.
ومن أعجب ما جرى من الرؤساء المخالفين، أني لمّا بينت لهم كلام الله، وما ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآية، وقوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} الآية، وغير ذلك، قالوا: القرآن لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا، ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون. قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، كلٌ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم. فلما أبوا ذلك، نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله، وذكرت كل ما قالوا، بعد ما صرحت الدعوة عند القبور والنذر لها؛ فعرفوا ذلك وتحققوه، فلم يزدهم إلا نفوراً.

وأما التكفير، فأنا أكفّر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفّر. وأكثر الأمة، ولله الحمد، ليسوا كذلك.

وأما القتال، فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة. وهم الذين أتونا في ديارنا، ولا أبقوا ممكناً، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة،: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف.
فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال.
فرحم الله من أدى الواجب عليه وتاب إلى الله وأقرّ على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
ـــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 28 Sep 2016 05:46 PM

- 9 - رسالته إلى محمد بن عبيد وعبد القادر العديلي

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، خصوصاً محمد بن عبيد، وعبد القادر العديلي وابنه، وعبد الله بن سحيم، وعبد الله بن عضيب، وحميدان بن تركي، وعلي بن زامل، ومحمد أبا الخيل، وصالح بن عبد الله.

أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلينا على حين فترة من الرسل، فهدى الله به إلى الدين الكامل والشرع التام؛ وأعظم ذلك وأكبره وزبدته هو: إخلاص الدين لله بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك؛ وهو أن لا يُدعى أحد من دونه من الملائكة والنبيين، فضلاً عن غيرهم. فمن ذلك أنه لا يسجد إلا لله، ولا يركع إلا له، ولا يدعى لكشف الضر إلا هو، ولا لجلب الخير إلا هو، ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يذبح إلا له. وجميع العبادات لا تصلح إلا له وحده لا شريك له.
وهذا معنى قول: "لا إله إلا الله"؛ فإن المألوه: هو المقصود المعتمد عليه؛ وهذا أمر هين عند من لا يعرفه، كبير عظيم عند من عرفه. فمن عرف هذه المسألة، عرف أن أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان، وزين لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب حب الصالحين وتعظيمهم.

والكلام في هذا ينبني على قاعدتين عظيمتين:
القاعدة الأولى: أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون الله ويعظمونه، ويحجون ويعتمرون، ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل، وأنهم يشهدون أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر، إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الآية. فإذا عرفت أن الكفار يشهدون بهذا كله فاعرف:
القاعدة الثانية: وهي أنهم يدعون الصالحين، مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم، وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء سماه إلهاً، ولا يعني بذلك أنه يخلق أو يرزق، بل يدعون الملائكة وعيسى ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والإله في لغتهم هو الذي يسمى في لغتنا: الذي فيه سر، والذين يسمونه الفقراء شيخهم، يعنون بذلك أنه يُدعى وينفع ويضر، إلا أنهم مقرّون لله بالتفرد بالخلق والرزق. وليس ذلك معنى الإله بل الإله المقصود المدعو المرجو، لكن المشركون في زماننا أضل من الكفار في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين:
أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} 3 الآية.
والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازنون عيسى والملائكة.

إذا عرفتم هذا، فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام: هذا يأتي إلى قبر نبي، وهذا إلى قبر صحابي كالزبير وطلحة، وهذا إلى قبر رجل صالح، وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته، وهذا ينذر له، وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والآخرة، وهذا يسأله خير الدنيا والآخرة، فإن كنتم تعرفون أن هذا من الشرك كعبادة الأصنام الذي يخرج الرجل من الإسلام، وقد ملأ البر والبحر وشاع وذاع، حتى إن كثيراً ممن يفعله يقوم الليل ويصوم النهار وينتسب إلى الصلاح والعبادة، فما بالكم لم تفشوه في الناس، وتبينوا لهم أن هذا كفر بالله، مخرج عن الإسلام؟

أرأيتم لو أن بعض الناس أو أهل بلدة تزوجوا أخواتهم أو عماتهم جهلاً منهم، أفيحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتركهم لا يعلمهم أن الله حرم الأخوات والعمات. فإن كنتم تعتذرون أن نكاحهم أعظم مما يفعله الناس اليوم عند قبور الأولياء والصحابة، وفي غيبتهم عنها، فاعلموا أنكم لم تعرفوا دين الإسلام، ولا شهادة أن لا إله إلا الله؛ ودليل هذا ما تقدم من الآيات التي بينها الله في كتابه. وإن عرفتم ذلك، فكيف يحل لكم كتمان ذلك والإعراض عنه، وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه.

فإن كان الاستدلال بالقرآن عندكم هزؤاً وجهلاً كما هي عادتكم ولا تقبلونه، فانظروا في "الإقناع" في باب حكم المرتد، وما ذكر فيه من الأمور الهائلة التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها فقد ارتد وحل دمه، مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين، وجعلهم وسائط بينه وبين الله، ومثل الطيران في الهواء، والمشي في الماء. فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم مثل السائح الأعرج ونحوه تعتقدون صلاحه وولايته، وقد صرح في الإقناع بكفره، فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة أن لا إله إلا الله. فإن بان لكم في كلامي هذا شيء من الغلو، من أن هذه الأفاعيل لو كانت حراماً فلا تخرج من الإسلام، وأن فعل أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر وعند قبور الأنبياء والصالحين ليست من هذه، بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه. وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله وأقر على نفسه؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى، والسلام.

ــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 28 Sep 2016 05:57 PM

القسم الثالث:
بيان معنى لا إله إلا الله وما يناقضها من الشرك في العبادة

- 10 - رسالته إلى ثنيان بن سعود

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى ثنيان بن سعود، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، سألتم عن معنى قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} ، وكونها نزلت بعد الهجرة، فهذا مصداق كلامي لكم مراراً عديدة أن الفهم الذي يقع في القلب غير فهم اللسان.
وذلك أن هذه المسألة من أكثر ما يكون تكراراً عليكم، وهي التي بوب لها الباب الثاني في كتاب التوحيد. وذلك أن العلم لا يسمى علما ًإلا إذا أثمر، وإن لم يثمر فهو جهل، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، وكما قال عن يعقوب: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} . والكلام في تقرير هذا ظاهر.

والعلم هو الذي يستلزم العمل، ومعلوم تفاضل الناس في الأعمال تفاضلاً لا ينضبط، وكل ذلك بسبب تفاضلهم في العلم؛ فيكفيك في هذا استدلال الصِّدِّيق على عمر في قصة أبي جندل، مع كونها من أشكل المسائل التي وقعت في الأولين والآخرين، شهادة أن محمداً رسول الله. وسر المسألة: العلم بلا إله إلا الله، ومن هذا قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} .

فإن العلم بهذه الأصول الكبار يتفاضل فيه الأنبياء فضلاً عن غيرهم، ولما نهى نوح بنيه عن الشرك أمرهم بلا إله إلا الله؛ فليس هذا تكراراً، بل هذان أصلان مستقلان كبيران، وإن كانا متلازمين. فالنهي عن الشرك يستلزم الكفر بالطاغوت، ولا إله إلا الله الإيمان بالله، وهذا وإن كان متلازماً فيوضحه لكم الواقع، وهو أن كثيراً من الناس يقول: لا أعبد إلا الله، وأنا أشهد بكذا، وأقر بكذا، ويكثر الكلام، فإذا قيل له: ما تقول في فلان وفلان إذا عَبَدا أو عُبِدا من دون الله، قال: ما عليَّ من الناس، الله أعلم بحالهم، ويظن بباطنه أن ذلك لا يجب عليه.

فمن أحسن الاقتران: أن الله قرن بين الإيمان به والكفر بالطاغوت؛ فبدأ بالكفر به على الإيمان بالله، وقرن الأنبياء بين الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، مع أن في الوصية بلا إله إلا الله ملازمة الذكر بهذه اللفظة والإكثار منها. ويتبين عظم قدرها، كما بيَّن صلى الله عليه وسلم فضل سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} على غيرها من السور، ذكر أنها تعدل ثلث القرآن مع قصرها. وكذلك حديث موسى عليه السلام، فإن في ذكره ما يقتضي كثرة الذكر بهذه الكلمة، كما في الحديث: " أفضل الذكر: لا إله إلا الله " . والسلام .
ــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 19 Oct 2016 07:20 PM

- 11- رسالتــة إلــى علمــاء الإســلام

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من علماء الإسلام، أنس الله بهم غربة الدين، وأحيا بهم سنة إمام المتقين، ورسول رب العالمين؛ سلام عليكم معشر الإخوان، ورحمة الله وبركاته.

أما بعد، فإنه قد جرى عندنا فتنة عظيمة، بسبب أشياء نهيت عنها بعض العوام من العادات التي نشؤوا عليها، وأخذها الصغير عن الكبير، مثل عبادة غير الله وتوابع ذلك من تعظيم المشاهد، وبناء القباب على القبور وعبادتها واتخاذها مساجد، وغير ذلك مما بينه الله ورسوله غاية البيان، وأقام الحجة وقطع العذرة؛ ولكن الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم: " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ " 1. فلما عظم العوام قطع عاداتهم، وساعدهم على إنكار دين الله بعض من يدعي العلم، وهو من أبعد الناس عنه - إذ العالم من يخشى الله -، فأرضى الناس بسخط الله، وفتح للعوام باب الشرك بالله، وزين لهم وصدهم عن إخلاص الدين لله، وأوهمهم أنه من تنقيص الأنبياء والصالحين، وهذا بعينه هو الذي جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن عيسى، عليه السلام، عبد مربوب، ليس له من الأمر شيء، قالت النصارى: إنه سبَّ المسيح وأمه، وهكذا قالت الرافضة لمن عرف حقوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم، ولم يغلُ فيهم، رموه ببغض أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا هؤلاء، لما ذكرت لهم ما ذكره الله ورسوله، وما ذكره أهل العلم من جميع الطوائف، من الأمر بإخلاص الدين لله، والنهي عن مشابهة أهل الكتاب من قبلنا في اتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، قالوا لنا: تنقصتم الأنبياء والصالحين والأولياء. والله تعالى ناصر لدينه ولو كره المشركون.

وها أنا أذكر مستندي في ذلك، من كلام أهل العلم من جميع الطوائف؛ فرحم الله من تدبرها بعين البصيرة، ثم نصر الله ورسوله وكتابه ودينه، ولم تأخذه في ذلك لومة لائم.
فأما كلام الحنابلة: فقال الشيخ تقي الدين، رحمه الله، لما ذكر حديث الخوارج: فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً، وذلك بأمور، منها: الغلو الذي ذمه الله تعالى، كالغلوّ في بعض المشايخ كالشيخ عدي، بل الغلوّ في عليّ بن أبي طالب، بل الغلوّ في المسيح ونحوه. فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يدعوه من دون الله بأن يقول: يا سيدي فلان أغثني! أو أجرني! أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله أرسل الرسل ليعبد وحده، لا يجعل معه إله آخر.

والذين يجعلون مع الله آلهة، أخرى مثل الملائكة أو المسيح أو العزير أو الصالحين أو غيرهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يدعونهم، يقولون: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 1، فبعث الله الرسل تنهى أن يدعى أحد من دون الله، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. انتهى. وقال في الإقناع، في أول باب حكم المرتد، أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، فهو كافر إجماعاً.

وأما كلام الحنفية: فقال الشيخ قاسم في شرح درر البحار: النذر الذي يقع من أكثر العوام، بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلا: يا سيدي! إن ردَّ غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب أو الطعام أو الشمع كذا وكذا، باطل إجماعاً، بوجوه، منها: أن النذر للمخلوق لا يجوز. ومنها: أنه ظن الميت يتصرف في الأمر، واعتقاد هذا كفر - إلى أن قال - وقد ابتلي الناس بذلك، ولا سيما في مولد الشيخ أحمد البدوي. وقال الإمام البزازي في فتاويه: إذا رأى رفض صوفية زماننا هذا في المساجد مختلطاً بهم جهال العوام، الذين لا يعرفون القرآن والحلال والحرام، بل لا يعرفون الإسلام والإيمان، لهم نهيق يشبه نهيق الحمير، يقول: هؤلاء لا محالة اتخذوا دينهم لهواً ولعباً. فويل للقضاة والحكام حيث لا يغيرون هذا مع قدرتهم.

وأما كلام الشافعية: فقال الإمام محدث الشام: أبو شامة، وهو في زمن الشارح وابن حمدان في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث: لكن نبين من هذا ما وقع فيه جماعة من جهال العوام، النابذين لشريعة الإسلام، وهو ما يفعله الطوائف من المنتسبين إلى الفقر، الذي حقيقته الافتقار من الإيمان، من مؤاخاة النساء الأجانب، واعتقادهم في مشايخ لهم، وأطال رحمه الله الكلام - إلى أن قال - وبهذه الطرق وأمثالها، كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها. ومن هذا: ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح، ثم يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي ما بين عيون وشجر وحائط. وفي مدينة دمشق، صانها الله، من ذلك مواضع متعددة. ثم ذكر، رحمه الله، الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قال له بعض من معه: اجعل لنا ذات أنواط، قال: " الله أكبر! قلتم، والذي نفس محمد بيده، كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} " 1. انتهى كلامه، رحمه الله. وقال: في اقتضاء الصراط المستقيم: إذا كان هذا كلامه صلى الله عليه وسلم في مجرد قصد شجرة لتعليق الأسلحة والعكوف عندها، فكيف بما هو أعظم منها، الشرك بعينه بالقبور ونحوها؟

وأما كلام المالكية: فقال أبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع، لما ذكر حديث الشجرة ذات أنواط: فانظروا، رحمكم الله، أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء لمرضاهم من قبلها، فهي ذات أنواط، فاقطعوها.
وذكر حديث العرباض بن سارية الصحيح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين! عضوا عليها بالنواجذ! وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل بدعة ضلالة " 2. قال في البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: " والله ما أعرف من أمر محمد شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً ". وروى مالك في الموطإ عن بعض الصحابة أنه قال: " ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس، إلا النداء بالصلاة ". قال الزهري: دخلت على أنس بدمشق وهو يبكي ... فقال:? " ما أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة؛ وهذه الصلاة قد ضيعت ". قال الطرطوشي، رحمه الله: فانظروا، رحمكم الله، إذا كان في ذلك الزمن طمس الحق، وظهر الباطل، حتى ما يعرف من الأمر القديم إلا القبلة، فما ظنك بزمانك هذا؟ والله المستعان.

وليعلم الواقف على هذا الكلام من أهل العلم، أعزهم الله، أن الكلام في مسألتين:
الأولى: أن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لإخلاص الدين لله، لا يجعل معه أحد في العبادة والتأله، لا ملك ولا نبي، ولا قبر ولا حجر ولا شجر، ولا غير ذلك، وأن من عظم الصالحين بالشرك بالله فهو يشبه النصارى؛ وعيسى عليه السلام بريء منهم.
والثانية: وجوب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك البدع، وإن اشتهرت بين أكثر العوام؛ وليعلم أن العوام محتاجون إلى كلام أهل العلم من تحقيق هذه المسائل، ونقل كلام العلماء. فرحم الله من نصر الله ورسوله ودينه، ولم تأخذه في الله لومة لائم. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 19 Oct 2016 07:24 PM

- 12- رسالتــة إلــى عامـــة المسلميـــن

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى من يصل إليه من المسلمين، هدانا الله وإياهم لدينه القويم، وسلوك صراطه المستقيم، ورزقنا وإياهم ملة الخليلين محمد وإبراهيم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 1، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 2، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} 3 إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} 4 الآية؛ فيجب على كل إنسان يخاف الله والنار، أن يتأمل كلام ربه الذي خلقه. هل يحصل لأحد من الناس أن يدين الله بغير دين النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} 5 الآية، ودين النبي صلى الله عليه وسلم: التوحيد، وهو معرفة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والعمل بمقتضاهما.

فإن قيل: كل الناس يقولونها، قيل: منهم من يقولها، ويحسب معناها: أنه لا يخلق إلا الله، ولا يرزق إلا الله، وأشباه ذلك. ومنهم من لا يفهم معناها. ومنهم من لا يعمل بمقتضاها. ومنهم من لا يعقل حقيقتها. وأعجب من ذلك: من عرفها من وجه، وعاداها وأهلها من وجه. وأعجب منه: من أحبها، وانتسب إلى أهلها، ولم يفرق بين أوليائها وأعدائها. يا سبحان الله العظيم! أتكون طائفتان مختلفتين في دين واحد، وكلهم على الحق؟! كلا والله! فماذا بعد الحق إلا الضلال.

فإذا قيل: التوحيد زين، والدين حق، إلا التكفير والقتال، قيل: اعملوا بالتوحيد ودين الرسول، ويرتفع حكم التكفير والقتال. فإن كان حق التوحيد الإقرار به، والإعراض عن أحكامه، فضلاً عن بغضه ومعاداته، فهذا والله عين الكفر وصريحه. فمن أشكل عليه من ذلك شيء، فليطالع سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
والسلام عائد عليكم كما بدأ، ورحمة الله وبركاته.
ــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 19 Oct 2016 08:45 PM

- 13- رسالــة أخــرى إلــى عامـــة المسلميـــن

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فاعلموا، رحمكم الله، أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس بشيراً ونذيراً، مبشراً لمن اتبعه بالجنة ومنذراً لمن لا يتبعه بالنار.

وقد علمتم إقرار كل من له معرفة أن التوحيد الذي بينا للناس هو الذي أرسل الله به رسله، حتى كل مطوع معاند يشهد بذلك، وأن الذي عليه غالب الناس من الاعتقادات في الصالحين وفي غيرهم هو الشرك الذي قال الله فيه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} 1.
فإذا تحققتم هذا، وعرفتم أنهم يقولون: لو يترك 2 أهل العارض التكفير والقتال، كانوا على دين الله ورسوله، ونحن ما جئناكم في التكفير والقتال، لكن ننصحكم بهذا الذي قطعتم أنه دين الله ورسوله إن كنتم تعلمونه وتعملون به 3، إن كنتم من أمة محمد باطناً وظاهراً.

وأنا أبين لكم هذه بمسألة القبلة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته يصلّون، والنصارى يصلّون، ولكن قبلته صلى الله عليه وسلم وأمته بيت الله، وقبلة النصارى مطلع الشمس؛ فالكل منا ومنهم يصلي، ولكن اختلفنا في القبلة.
ولو أن رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقر بهذا، ولكن يكره من يستقبل القبلة، ويحب من يستقبل الشمس، أتظنون أن هذا مسلم؟ وهذا ما نحن فيه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالتوحيد، وأن لا يدعى مع الله أحد، لا نبي ولا غيره، والنصارى يدعون عيسى رسول الله، ويدعون الصالحين يقولون: ليشفعوا لنا عند الله، فإذا كان كل مطوع مقراً بالتوحيد، فاجعلوا التوحيد مثل القبلة، واجعلوا الشرك مثل استقبال المشرق، مع أن هذا أعظم من القبلة.

وأنا أنصحكم لله، وأنخاكم لا تضيعوا حظكم من الله، وتحبون دين النصارى على دين نبيكم. فما ظنكم بمن واجه الله وهو يعلم من قلبه أنه عرف أن التوحيد دينه ودين رسوله، وهو يبغضه ويبغض من اتبعه، ويعرف أن دعوة غيره هو الشرك، ويحبه ويحب من اتبعه، أتظنون أن الله يغفر لهذا؟ والنصيحة لمن خاف عذاب الآخرة، وأما القلب الخالي من ذلك فلا. والسلام.
ــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 19 Nov 2016 08:48 PM

القسم الرابع:
بيان الأشياء التى يكفر مرتكبها ويجب قتاله والفرق بين فهم الحجة وقيام الحجة.

14 - من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن فارس .
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن فارس، سلام عليكم.
وبعد، الواصل إليكم: مسألة التكفير من كلام العلماء، وذكر في الإقناع إجماع المذاهب كلها على ذلك؛ فإن كان عند أحد كلمة تخالف ما ذكروه في مذهب من المذاهب، فيذكرها وجزاه الله خيراً، وإن كان يبغي يعاند كلام الله وكلام رسوله، وكلام العلماء، ولا يصغي لهذا أبداً، فاعرفوا أن هذا الرجل معاند ما هو بطلاب حق، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1.
والذي يدلكم على هذا: أن هؤلاء يعتذرون بالتكفير إذا تأملتهم؛ إذ إن الموحدين أعداؤهم، يبغضونهم ويستثقلونهم، والمشركون والمنافقون هم ربعهم الذين يستأنسون إليهم، ولكن هذه قد جرت من رجال عندنا في الدرعية وفي العيينة الذين ارتدوا وأبغضوا الدين.

وقال أيضاً، رحمه الله تعالى:
اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة:
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2؛ ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، كفر إجماعاً.
الثالث: من لم يكفّر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إجماعاً.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه، فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به، كفر إجماعاً، والدليل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 3.
السادس: من استهزأ بشيء من دين اللهن أو ثوابه، أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 4.
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 5.
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمينن والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 6.
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى، عليهما السلام، فهو كافر.
العاشر: الإعراض عن دين اللهن لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} 7.
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره؛ وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومن أكثر ما يكون وقوعاً؛ فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه. وصلى الله على محمد.
__________
1سورة آل عمران آية: 80.
2سورة النساء آية: 48، و116.
3سورة محمد آية: 9.
4سورة التوبة آية: 65-66.
5سورة البقرة آية: 102.
6سورة المائدة آية: 51.
7 سورة السجدة آية: 22.
:: يتبع بإذن الله ::

أبو إكرام وليد فتحون 19 Nov 2016 09:45 PM

- 15 - رسالته إلى أحمد عبد الكريم.

هذه رسالة أرسلها جواباً لرجل من أهل الحسا، يقال له: أحمد بن عبد الكريم، وكان قد عرف التوحيد، وكفّر المشركين. ثم إنه حصل له شبهة في ذلك، بسبب عبارات رآها في كلام الشيخ تقي الدين، ففهم منها غير مراد الشيخ، رحمه الله، قال فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى أحمد بن عبد الكريم؛ سلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أما بعد، فقد وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت، وتذكر أن عليك إشكالاً تطلب إزالته.
ثم ورد منك مراسلة تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ أزال عنك الإشكال، فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام.
وعلى أي شيء يدل كلامه؟ على أن من عبد الأوثان عبادة أكبر من عبادة اللات والعزى، وسب دين الرسول بعد ما شهد به، مثل سب أبي جهل، أنه لا يكفر بعينه؛ بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز وصالح بن عبد الله وأمثالهما، كفراً ظاهراً ينقل عن الملة فضلاً عن غيرهما.
هذا صريح واضح في كلام ابن القيم الذي ذكرت، وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال، في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله، ودعاهم في الشدائد والرخاء، وسب دين الرسل بعد ما أقر به، ودان بعبادة الأوثان بعد ما أقر بها. وليس في كلامي هذا مجازفة، بل أنت تشهد به عليهم، ولكن إذا أعمى الله القلب فلا حيلة فيه.

وأنا أخاف عليك من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} 1.
والشبهة التي دخلت عليك، هذه البضيعة التي في يدك، تخاف تغدى أنت وعيالك إذا تركت بلد المشركين، وشاك في رزق الله، وأيضاً قرناء السوء أضلوك كما هي عادتهم، وأنت والعياذ بالله تنْزل درجة درجة أول مرة في الشك، وبلد الشرك وموالاتهم والصلاة خلفهم، وبراءتك من المسلمين مداهنة لهم، ثم بعد ذلك طحت على ابن غنام وغيره، وتبرأت من ملة إبراهيم، وأشهدتهم على نفسك باتباع المشركين من غير إكراه لكن خوف ومداراة، وغاب عنك قوله تعالى في عمار بن ياسر وأشباهه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} 2 إلى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} 3، فلم يستثن الله إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان، بشرط طمأنينة قلبه.
والإكراه لا يكون على العقيدة، بل على القول والفعل؛ فقد صرح بأن من قال المكفّر أو فعله فقد كفر، إلا المكرَه بالشرط المذكور، وذلك أن ذلك بسبب إيثار الدنيا لا بسبب العقيدة.
فتفكر في نفسك: هل أكرهوك وعرضوك على السيف مثل عمار أم لا؟ وتفكر هل هذا بسبب أن عقيدته تغيرت أم بسبب إيثار الدنيا؟ ولم يبق عليك إلا رتبة واحدة وهي: أنك تصرح مثل ابن رفيع تصريحاً بمسبة دين الأنبياء، وترجع إلى عبادة العيدروس وأبي حديدة وأمثالهما. ولكن الأمر بيد مقلب القلوب.
فأول ما أنصحك به: أنك تفكر هل هذا الشرك الذي عندكم هو الشرك الذي ظهر نبيك صلى الله عليه وسلم ينهى عنه أهل مكة؟ أم شرك أهل مكة نوع آخر أغلظ منه؟ أم هذا أغلظ؟ فإذا أحكمت المسألة، وعرفت أن غالب من عندكم سمع الآيات، وسمع كلام أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، وأقر به وقال: أشهد أن هذا هو الحق، ونعرفه قبل ابن عبد الوهاب، ثم بعد ذلك يصرح بمسبة ما شهد أنه الحق، ويصرح بحسن الشرك وأتباعه، وعدم البراءة من أهله. فتفكر هل هذه مسألة أو مسألة الردة الصريحة التي ذكرها أهل العلم في الردة؟ ولكن العجب من دلائلك التي ذكرت كأنها أتت ممن لا يسمع ولا يبصر.

أما استدلالك بترك النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بعده تكفير المنافقين وقتلهم، فقد عرفه الخاص والعام ببديهة العقل، أنهم لو يظهرون كلمة واحدة أو فعلاً واحداً من عبادة الأوثان أو مسبة التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أنهم يُقتلون أشر قتلة.
فإن كنت تزعم أن الذين عندكم أظهروا اتباع الدين الذي تشهد أنه دين الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرؤوا من الشرك بالقول والفعل، ولم يبق إلا أشياء خفيه تظهر على صفحات الوجه، أو فلتة لسان في السر، وقد تابوا من دينهم الأول، وقتلوا الطواغيت، وهدموا البيوت المعبودة، فقل لي. وإن كنت تزعم أن الشرك الذي خرج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من هذا، فقل لي. وإن كنت تزعم أن الإنسان إذا أظهر الإسلام، لا يكفر إذا أظهر عبادة الأوثان، وزعم أنها الدين، وأظهر سب دين الأنبياء، وسماه دين أهل العارض، وأفتى بقتل من أخلص لله الدين وإحراقه وحل ماله، فهذه مسألتك، وقد قررتها وذكرت أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يقتلوا أحداً، ولم يكفروه من أهل الملة.
أما ذكرت قول الله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ 4 إلى قوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} 5. واذكر قوله {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا} 6 إلى قوله: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} 7الآية، واذكر قوله في الاعتقاد في الأنبياء: {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 8، واذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشخص رجلاً معه الراية، إلى من تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله، فأي هذين أعظم؟ تزوج امرأة الأب أو سب دين الأنبياء بعد معرفته؟ واذكر أنه قد هم بغزو بني المصطلق لما قيل إنهم منعوا الزكاة، حتى كذب الله من نقل ذلك. واذكر قوله في أعبد هذه الأمة وأشدهم اجتهاداً: " لئن أدركتهم، لأقتلنّهم قتل عاد. أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة " 9. واذكر قتال الصديق وأصحابه مانعي الزكاة، وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم.
واذكر إجماع الصحابة على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردتهم، لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة، ولكن الصحابة اختلفوا في قبول توبتهم لما تابوا؛ والمسألة في صحيح البخاري وشرحه، في الكفالة. واذكر إجماع الصحابة لما استفتاهم عمر على أن من زعم أن الخمر تحل للخواص، مستدلاً بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} 10 مع كونه من أهل بدر. وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي مثل اعتقاد هؤلاء في عبد القادر، وردّتهم، وقتلهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم أحياء، فخالفه ابن عباس في الإحراق، وقال: يقتلون بالسيف، مع كونهم من أهل القرن الأول، أخذوا العلم عن الصحابة.
واذكر إجماع أهل العلم من التابعين وغيرهم على قتل الجعد بن درهم.
قال ابن القيم:
شكر الضحية كل صاحب سنة ... لله درك من أخي قربان

ولو ذهبنا نعدد من كفّره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته وقتله لطال الكلام،
لكن من آخر ما جرى: قصة بني عبيد ملوك مصر وطائفتهم، وهم يدّعون أنهم من أهل البيت، ويصلّون الجمعة والجماعة، ونصبوا القضاة والمفتين، أجمع العلماء على كفرهم وردّتهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، يجب قتالهم ولو كانوا مكرهين مبغضين لهم.
واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة، كيف ذكروا أنواعاً كثيرة موجودة عندكم. ثم قال منصور: وقد عمت البلوى بهذه الفرق وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد. نسأل الله العفو والعافية. هذا لفظه بحروفه. ثم ذكر قتل الواحد منهم، وحكم ماله. هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة من أصحابه 11 إلى زمن منصور: إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم؟
وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك، فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم؛ فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة.
فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} 12.

وقوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} 13. وإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة، بل في المسائل الجزئيات، سواء كانت من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله، والذي درج عليه هو وأصحابه، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه ويسبون من خالفه.
فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة على غالبهم، قامت على هذا المعين الذي يحكي المذهبين: مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ثم يحكي مذهب الأشعري ومن معه؛ فكلام الشيخ في هذا النوع يقول: إن السلف كفّروا النوع، وأما المعين: فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه، وإلا لم يكفّروا.

وأنا أذكر لك من كلامه ما يصدق هذا، لعلك تنتفع إن هداك الله، وتقوم عليك الحجة قياماً بعد قيام، وإلا فقد قامت عليك وعلى غيرك قبل هذا. وقال، رحمه الله، في اقتضاء الصراط المستقيم في الكلام على قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} 14: ظاهره: أنه ما ذبح لغير الله حرم، سواء لفظ به أو لم يلفظ، وهذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم وقال فيه: باسم المسيح ونحوه؛ فإن عبادة الله والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فكذلك الشرك بالنسك لغيره أعظم من الاستعانة باسمه. وعلى هذا لو ذبح لغير الله متقرباً إليه، وإن قال فيه: بسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان؛ ومن هذا الباب ما قد يفعله الجاهلون بمكة وغيرها من الذبح للجن. انتهى

لامه بحروفه. فانظر كلامه لمن ذبح لغير الله، وسمى الله عليه عند الذبح، أنه مرتد تحرم ذبيحته، ولو ذبحها للأكل؛ لكن هذه الذبيحة تحرم من جهتين: من جهة أنها مما أُهل به لغير الله، وتحرم أيضاً لأنها ذبيحة مرتد، يوضح ذلك ما ذكرته أن المنافقين إذا أظهروا نفاقهم صاروا مرتدين. فأين هذا من نسبتك عنه أنه لا يكفر أحد بعينه؟
وقال أيضاً في أثناء كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم، لما ذكر عن أئمتهم شيئاً من أنواع الردة والكفر، وقال، رحمه الله: وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال: إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم المشركون واليهود والنصارى أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث بها وكفّر من خالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة وغيرهم، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين. وكثير منهم تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة، وتارة يعود إليه مع مرض في قلبه ونفاق؛ والحكاية عنهم في ذلك مشهورة.

وقد ذكر ابن قتيبة من ذلك طرفاً في أول مختلف الحديث، وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة، كما صنف الفخر الرازي في عبادة الكواكب، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين. هذا لفظه بحروفه. فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه في كفر المعين، وتأمل تكفيره رؤوسهم فلاناً وفلاناً بأعيانهم وردّتهم ردة صريحة. وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام، مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه أن المعين لا يكفر؟ ولو دعا عبد القادر في الرخاء والشدة، ولو أحب عبد الله بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة، ولو أبغضك واستنجسك مع أنك أقرب الناس إليه لما رآك ملتفتاً بعض الالتفات إلى التوحيد، مع كونك توافقهم على شيء من شركهم وكفرهم.

وقال الشيخ أيضاً، في رده على بعض المتكلمين وأشباههم: والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة، وفيهم زهد وأخلاق، فهذا لا يوجب السعادة إلا بالإيمان بالله وحده. وإنما قوة الذكاء بمنْزلة قوة البدن، وأهل الرأي والعلم بمنْزلة الملك والإمارة، فكل منهم لا ينفعه ذلك إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويتخذه إلهاً دون ما سواه، وهو معنى قول: "لا إله إلا الله". وهذا ليس في حكمتهم، ليس فيها إلا أمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة المخلوقات، بل كل شرك في العالم إنما حدث بزي جنسهم؛ فهم الآمرون بالشرك الفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء، وإن رجح الموحدين ترجيحاً ما، فقد يرجح غيره المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعاً. فتدبر هذا، فإنه نافع جداً. وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك، ويوجبون التوحيد [بل يسوغون الشرك ويأمرون به وهم إذا ادعوا التوحيد] 15 فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لا بد فيه من التوحيد بإخلاص الدين كله لله، وعبادته وحده لا شريك له، وهذا شيء لا يعرفونه. والتوحيد الذي يدعونه إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات، فلو كانوا موحدين بالكلام، وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله، لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في النجاة، بل لا بد أن يعبد الله وحده يتخذه إلهاً دون ما سواه؛ وهو معنى قوله: "لا إله إلا الله". فكيف وهم في القول معطلون جاحدون، ولا مخلصون؟ انتهى.

فتأمل كلامه، واعرضه على ما غرك به الشيطان من الفهم الفاسد الذي كذبت به الله ورسوله، وإجماع الأمة، وتحيزت به إلى عبادة الطواغيت. فإن فهمت هذا، وإلا أشير عليك أنك تكثر من التضرع والدعاء إلى من الهداية بيده، فإن الخطر عظيم، فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة، ما يسوي بضيعة تربح تومانا أو نصف تومان. وعندنا ناس يجيئون بعيالهم بلا مال، ولا جاعوا ولا شحذوا، وقد قال الله في هذه المسألة: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} 16، {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} 17. والله أعلم.
__________
1 سورة المنافقون آية: 3.
2 سورة النحل آية: 106.
3 سورة النحل آية: 107.
4 سورة الأحزاب آية: 60.
5 سورة الأحزاب آية: 61.
6 سورة النساء آية: 91.
7 سورة النساء آية: 91.
8 سورة آل عمران آية: 80.
9 البخاري: المناقب (3611) , ومسلم: الزكاة (1066) , والنسائي: تحريم الدم (4102) , وأبو داود: السنة (4767) , وأحمد (1/131, 1/160) .
10 سورة المائدة آية: 93.
11 كذا في بعض المراجع التي بأيدينا وفي الدرر بدون كلمة (أصحابه) .
12 سورة الأنعام آية: 25.
13 سورة الأنفال آية: 22.
14 سورة المائدة آية: 3.
15 ما بين المعكوفين سقط من الأصل، وأثبتناه من المخطوطة والدّرر (8/81) .
16سورة العنكبوت آية: 56.
17 سورة العنكبوت آية: 60.


الساعة الآن 04:16 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013