منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   إنّنا نحسِدُكم يا جيرانَ العالِم وأهلَ بلدِه (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=18515)

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Apr 2016 12:04 PM

إنّنا نحسِدُكم يا جيرانَ العالِم وأهلَ بلدِه
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و كفى و صلى الله و سلم على المصطفى و على آله و صحبه و من اقتفى ، و بعد :
قال الله ﴿ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَ المَلَائِكَةُ وَ أُلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ ﴾ [آل عمران 18]
قال القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن"(4/44) : "في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء"
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ , يَقُولُ : " إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا ، وَلا دِرْهَمًا ، وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ , فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " . رواه أبو داود و الترمذي و ابن حبان و غيرهم و صححه الألباني
و روى البخاري و مسلم و غيرهما، عن معاوية، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
و هذا كله يدل على شرف البقعة التي يسكنها العالم ، فأهلها يقيمُ بين ظهرانيهم أحد ورثة علم الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ، و هم جيران امرئ قرن الله شهادتهُ بشهادتهِ و شهادة ملائكته ، محِلّةٌ أراد بها الله بها خيرا فقيّض لها من يُفقِّه أهلها في الدين ، و هم أوفر حظاًّ لأخذ ميراث الأنبياء عنه .
لكنّ النّعمة إذا كانت حاضرةً لم يقدرها أهلها حق قدرها ، وقد يَزهَدون بل و يُزهِّدون فيها ، كما ورد عن بعض التابعين : " أزهدُ الناسِ في العالِم أهله وجيرانه "
و هذا مما لمستُ ـ و لمسَ غيرنا ممن حاله أشبه بحالنا ـ شيئا منه ، فنحن أهل الصحراء ( الجنوب ) ننتظر العُطل السنوية بفارغ الصبر ، لنضرب أكباد الحافلات و القطارات لتكتحل أعيُننا برؤية طالب علمٍ فضلا عن عالم ، و ننتظر الساعاتِ عند مكتبة الشيخ أبي عبد المعز صلاة العصر لنشنِّفَ أسماعنا بفتاويه و ننهل من معين علمه حفظه الله ، و كنت استغربُ عندما يقول صاحبٌ لي ـ من أهل الجزائر العاصمة و لا يَفرِق بينه و بين الشيخ إلا أميالٌ معدودة ـ أنه لم ير الشيخ منذُ أشهرٍ . و لك أن تعرف مقدار الحزن و الأسف الذي يُصيب المرء و قد حضر عند الشيخ مرارا و قد حضّرَ نفسَهُ لإلقاء مسألته ثم يقدر الله أن لا تُشيرَ سبّابةُ الشيخِ إليكَ ـ و هو معذور طبعا ـ أو أن تخرج من صلاة العصر ثم لا تجد موطئ قدمٍ حتى على الرّصيف ، و أقرب ما بلغتُ منه يوما عندما استوقفَه و هو خارج من المكتبة أحد إخواننا قائلا إنّه من جاء من الشرق من قسنطينة ، فوقف الشيخ معه و فصّل له مسألته و هو واقفٌ ـ حفظه الله ـ و لما أنهى جوابه مددتُ يدي إليه فصافحته مسلّما ، و قلتُ إنني من أقصى الجنوب و لي مسألةٌ ، فضغط على يدي بلطفٍ و قال لو أجبتك فسيغضبُ الإخوان ، و قد أجبتُ على ستّ مسائل زيادة على المُقرر ، ثم اعتذر و انصرف . جزاه الله عن الإسلام و المسلمين خيرا .
و بتُّ عند أخٍ فاضلٍ من برج الكيفان ، فأخذني للمسجد الذي يؤم الناسَ فيه الشيخُ الفاضل عمر الحاج مسعود ، وقتَ صلاة الصبح ، و بعدها ذهبتُ إليه و أخبرته أنني من الجنوب و عندي مسائل ، فقال لي أُعطيك عشر دقائق ، لأن عندي عملا مستعجلا في المجلة ( مجلة الإصلاح ) فقبلتُ فأجابني عن بعضها و أحالني على الشيخ فركوس في بعضها و كانت مدة الجلسة أربعين دقيقة تقريبا ، فقد رقّ لحالي لما علم أنني من أقصى الجنوب و أسكنُ منطقة نائية ، لم تكتحل أبصار أهلها بأحدٍ من أهل العلم ، ثم أعطاني مجموعة من الرسائل أوزعها على الإخوان عندنا فجزاه الله خيرا و أحسن إليه .
عشر دقائق أو وقفة عابرةٌ مع عالم أو طالب علم نراها غنيمة ، تهون دونها المشاق و المسافات ، و تجد جيران العالم و أهل بلده في المتنزّهات و الشواطئ و المحلاّت ، و قد تمر الأشهر و السّنواتُ و لا تطرُق سمع أحدهم كلمةٌ نطقها لسان عالِمِهم ، و لا تتشرف ركبتاه بمسِّ الأرض في مجلسه .
و هكذا تجد أن أعرف الناس بقدر العلم و العالم من كانت أقطارهم خواء من أهل العلم و الفضل ، لكن في الليلة الظلماء يفتقد البدرُ ، فالعالم اليوم فوق سطح الأرض و غدا تحتها ، و الموفَّق من أخذ حظّه منه ، و المحروم من زهد في حظّه منه .
و لقد أخبرني من رأى أخاً أردنيا ، إذا ذُكر بحضرته الشيخُ الألباني خنقته العَبرة ، و اغرورقت عيناه ، لأنه كان في حياة الألباني لا يعرف المنهج السّلفي ، و هو من جيران الشيخ ، و كان يراه كثيرا ، لكن لم يكن يعرف قدر الشيخ آنذاك ، ثم ذهب إلى الدّراسة في السّعودية فاستقام هناك و عرف قيمة الألباني و جهودَه العلمية ، و وجد الناسَ هناك يعلمون عن الألباني ما لم يعرفه عنه جاره ، فكان بالشوق للُقياهُ ، لكن المنيّة كانت إلى الشيخِ أسبق من الفتى ، و كان يتمثل كثيرا بقول أبي فراس الحمداني :
سَيَذْكُـرُنـي قـومـي إذا جَـــدَّ جِـدُّهُــمْ ............ وفــي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْـتَـقَـدُ الـبَــدْرُ
فقد كان رميةَ حجرٍ أو أقرب ليُعدّ من تلاميذ الألباني رحمه الله ( إن عصمه الله مما وقع فيه الحلبي و جماعته ـ هداهم الله ـ )
و والله إنّنا نحسدكم يا جيران أهل العلم ، و السّاكنينَ مَصراً شرّفه الله بوجودهم فيه و بين أهله ، و استشعروا نعمة الله عليكم ، فقولوا لي بربِّكم أعمّانُ اليومَ خيرٌ أم يوم كان الألباني يمشي في طرقاتها و يُصلّي في مساجدها و يصدح بالحق في جنباتها ، و اذكُر عُنيزةَ اليوم و هي بالشوقِ إلى مثل ابن عثيمين و ابن سعدي ـ رحم الله جميعهم و جزاهم خير الجزاء
فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ :" إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " . رواه البخاري
و هذا المقال أقصد به أهل الغفلة و الزهد في أهل العلم لا غيرهم ، و إلا فمجالس علمائنا و مشايخنا بفضل الله عامرة بمنْ منّ الله عليهم بمعرفة قدر العالم ، و استشعار قيمة وجوده ، فهم يسابقون الزمن ليُحصلوا حظّهم و نصيبهم من ميراث الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم
هذا ما أردتُ أن أُذكر به نفسي و إخواني و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل

كتبه أبو عاصم مصطفى بن محمد
السُّلمي

تبلبالة ضحى يوم الجمعة لسبع خلون من رجب 1437 هــ

عبد المجيد عبد الجبار ابو عبد الرحمن 15 Apr 2016 10:27 PM

بارك الله فيك
نسأل الله أن يجعلنا ممن يعرفون لأهل العلم أقدارهم
جزاك الله خيرا على التذكير

أبو إكرام وليد فتحون 16 Apr 2016 12:01 AM

أحسن الله اليك اخي الفاضل مصطفى
و علينا أن لا ننسى الدعاء لهم لحيهم و لميتهم
اللهم أحفظ علماءنا ومشايخنا وطلبة العلم، وجازهم عن الإسلام و عنا خيرا
و زدهم من علمك وفضلك وأرزقهم العمل به.

اللهم ثبتهم وأعنهم و أنصرهم وأيد المشايخ المجاهدين والذابين عن هذا الدين.
اللهم إنا نتقرب إليك بحبهم وبغض من حاربهم و عاداهم لما معهم من الحق
فأجمعنا بهم في الدنيا، وفي الآخرة مع النبييين والصديقين والشهداء والصالحين.

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Apr 2016 11:37 AM

جزاكما الله خيرا و أحسن إليكما
أخويّ الفاضلين : أبا عبد الرحمن و أبا إكرام ، مرور مشجع بارك الله فيكما

أبو عبد الرحمن العكرمي 16 Apr 2016 11:49 AM

أكرمك الله أخي أبا عاصم
دخلت إلى مكنونات قلوبنا , و فتح صحائف أفئدتنا !!
فاطعلت منها على ما حاك في القلب و تردد و أبى أن يخرج , لا رهبا و لكن عجبا !!
فجئته فنفست عنه بنفثتك
نفثة مصدور أو قل نفثة مصدورين كثيرين مثلك
حفظ الله مشايخنا و بارك في أعمارهم و أعمالهم.

أبو ربيع زبير مبخوتي 16 Apr 2016 03:32 PM



جزاك الله خيرا على ما سطرت فهذا تنبيه جيد، وكما أسلفتَ:


•وَفِي اللَيلِةِ الظَلْمَاءِ يُفتَقَدُ البَدْرُ•


قال العلامة عبد السلام البرجس رحمه الله في كتابه «عوائق في طريق الطلب» :
فيا أيها الطُلاب: إذا أردتم العلم من منابعه فهاؤهم العلماء الكبار، الذين شابت لحاهم، ونحلت جسومهم، وذبلت قواهم في العلم و التعليم، إلزموهم قبل أن تفقدوهم، واستخرجوا كنوزهم قبل أن توارى معهم، وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.




قال العلامة عبيد الجابري حفظه الله:
" كان أهل الفضل والصلاح والتقى إذا نزلت بهم نازلة أو حلّت بهم مشكلة عمدوا إلى الأكابر من أهل العلم بالسؤال وطلبوا منهم الجواب الشافي الكافي، وهذه سنة متبعة بدءاً من الصحابة فأئمة التابعين فمن بعدهم من أهل العلم والفضل والدين والإيمان، وما أحسن ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه : (لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم عن أصحاب محمد ﷺ وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم عن أصاغرهم هلكوا). ". [الطيب الجني على شرح السنة للإمام المزني ص ١٩]






قال الصقلي في الجامع 347/9:
قال مالك : عليكم بمعرفة أهل العلم والتماس برهم وواجب عليكم ألا تمروا بقرية يبلغكم أن بها عالما واحدا إلا أتيتموه تسلمون عليه .




أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Apr 2016 05:08 PM

أبا عبد الرحمن و أبا ربيع جزاكما الله خيرا و أحسن إليكما
باقة نقل سديدة من علمائنا رحم الله الأموات و حفظ الأحياء ، بارك الله فيكما

أبو معاذ عبد النور بوعاش 16 Apr 2016 06:30 PM

جزاك الله خيرا أخي مصطفى
فقد كفيت ووفيت

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Apr 2016 09:44 PM

أحسن الله إليك أبا معاذ
بارك الله فيك على التشجيع أخي الكريم

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 29 Apr 2016 08:01 AM

قال الإمام ابن الصلاح : ( و إذا فرغ من سماع العوالي و المهمات التي ببلده فليرحل إلى غيره )

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 05 May 2016 10:25 PM

قيل للإمام أحمد<رحمه الله>: أيرحل الرجل في طلب العلو ؟
قال :<< بلى والله شديدا ، لقد كان علقمة و الأسود يبلغهما الحديث عن عمر<رضي الله عنه>، فلا يقنعهما ، حتى يخرجا إلى عمر فيسمعانه منه>>

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 17 May 2016 07:28 PM

قال الشيخ مصطفى مبرم حفظه الله في تغريدة له في حسابه:
لو أنصف أهل الجزائر لعلموا أن بين أظهرهم عالما راسخا لا يحتاجون معه إلى رحلة -الشيخ فركوس- وأخشى أن يصدق عليهم قول الشافعي في أهل مصر والليث بن سعد.

فحق على أهل الجزائر أن يخشوا أن يصدق فيهم قول الشافعي رحمه الله في أهل مصر والليث بن سعد حين قال:

الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به. "ت 175 هـ". "تهذيب الكمال" 24/255.

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 17 Oct 2016 11:25 PM

للرفع ...............

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 04 Jul 2017 09:35 PM

و لا نزال نرى و نسمع ، من يُنفق الملايين على ما لا يُسمن و لا يغني من جوع ، و يضنّ ببضعة آلاف في سبيل علم يطلبه أو عالم تكتحل برؤيته عيناه و يحيا بكلامه قلبه .
والله المستعان

عبد الباسط لهويمل 05 Jul 2017 12:06 AM

بارك الله فيك يا أبا عاصم وأعلم أنه قد ينتفع بالصالحين والكُمل من الرجال من لم يعاشرهم ويجامعهم في المجالس أكثر من الذين يقابلونهم ويجاورنهم ، إذا عرفَ العبد شرف العلم ورجاله ، ولقد كان يجاور خير الخلق عليه الصلاة والسلام أناسٌ وكانوا يرون شخصه ، ويسمعون صوته ، ويبصرون في البطحاء آثر خطوه ، ولم ينتفعوا بالهدى الذي جاء به وماتوا على الملة الكافرة ، فلأمر أهون عند من جاء بعده واتبع منهاجه وسبيله -وله في النبي عليه الصلاة والسلام القدوة والأسوة الحسنة -، فإن الغربة عامة وخاصة ، عامة لأهل الإسلام مع الملل الكافرة وخاصة لأهل السُّنة مع الفرق الهالكة ، ولو كان الناس يعرفون شرف زمانهم ، وقدر علمائهم ، لانتفت الغربة و البلاء ، ولكن أمرنا على خير الطريقة ..ولله في خلقه أمر وتدبير وحكمة وهو الحكيم الخبير


الساعة الآن 04:37 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013