في علوم القرآن... "خَوَاصُّ القُرآنِ"
"خَوَاصُّ القُرآنِ" الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله: فهذه سِلْسِلةٌ لا سَنَنَ لها مُتَّبَع، ولا قيودَ تَمنَع، بل (علوم القرآن) لها مَرتَع... إلاّ أنّها رهينَةُ هِمّة، أو فائدةٍ مهمّة رجاء النّفع والانتفاع، وعَفْوٍ به الجنّةَ أبتاع... وأوّل الغيث: إطلالةٌ تأصيليّةٌ حول فَنَنٍ مِن أفنانِ القرآنِ "خَواصُّ القُرآنِ" فما هو تعريفُ "خواصّ القرآن"؟ وعلى ما مداره؟ وما هي المؤلّفات فيه؟ 1- تعريف "الخواصِّ": ب- اصطلاحًا: العلم الذي يتعرف به المنافع والمضار، والعجائب والغرائب، والخواص الشريفة، والأحوال العجيبة؛ وما يترتب على ذلك من خواص مناسبة لهذه الأحوال والأعمال. 2- تعريف "القرآن": أ- لغةً: على خلاف والرّاجح: أن القرآن مصدرٌ مهموزٌ مشتقٌّ من (قرأ) بمعنى: تلا. ب- اصطلاحًا: كلام الله تعالى، المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أوّل سورة الفاتحة إلى آخر سورة النّاس. 3- تعريف المركّب الإضافي "خواصُّ القرآن": المراد بـ"خواصِّ القرآن" هو تأثير القرآن أو بعض سوره أو آياته في جلب المنافع ودفع المضار ورفعها. ثانيا: خلاصة ما ورد في الموضوع: * هذا الفن علمٌ من علوم القرآن الكريم، وله أصلٌ من الكتاب والسنة الصحيحة، وقد شابه الكثير من البدع والخرافات، واعتنى المفسرون –بالأثر أو الرأي- به؛ فذكره بعضهم في مقدِّمات تفاسيرهم، وآخرون تحت مُتعلَّقه من سورة –قبلها أو بعدها- أو آية –وهو صنيع أكثرهم-، وقسمٌ آخر ضمّنه فضائلَ السور، وأوّل من أفرده بالتصنيف فيما بلغنا هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد التميمي (390 تقريبا) في "خواص القرآن الحكيم" أو "منافع القرآن"، وتداوله المؤلفون في علوم القرآن –ذات الاتجاهين: الشاملة والخاصة- فجعله قسيما لها الزركشي في البرهان 2/62 في (النوع السابع والعشرون – معرفة خواصه)، والسيوطي في الإتقان 2/1153 (النوع الخامس والسبعون – في خواص القرآن)، واهتم به المؤلفون في نوع من أنواع علوم القرآن، فاعتنى به الكاتبون في فضائل القرآن أكثر من غيرهم للترابط الوثيق بين النوعين، ودون ذلك كتب آداب التلاوة، والأدعية والأذكار، والتداوي بالقرآن الكريم والاستشفاء به. * ولم تقتصر دراسته عند المهتمين بالقرآن وعلومه فحسب، بل حتى المحدثون لهم إسهامات في ذلك، فنجد البخاري رحمه الله مثلا وكذلك الترمذي والنسائي في الكبرى قد ذكروا قسطا لا بأس به تحت كتاب فضائل القرآن وكتاب الطب، وزاد النسائي في كتاب الاستعاذة، وكذلك باقي الستة وأغلب المحدثين؛ وتشابهت هذه الكتب في سرد الأحاديث وذكر السور والآيات، مع الاختلاف في الروايات والزيادات. * وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهميته إذ متعلّقه القرآن الكريم، ولأن له أصلا في الكتاب والسنة، وأفرده العلماء في تصانيفهم، وأنه من أعظم الأبواب وأخطرها من حيث دخول البدع وسريانها في المجتمع تحت ستار هذا الفن، مما أوقع الناس في جهل وخبط وخلط في كتاب الله –كلامه تعالى- وما أعظم هذا وأشد أثره على الفرد والمجتمع. * وهذا الفن اللطيف في كتاب الله له أقسام: -فمنه ما يتعلق بسورة قرآنية كاملة، مثاله: حديث سعيد الخدري في سورة الفاتحة التي رقى بها الصحابي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم». - ومنه بسُوَرٍ عدّة، مثاله: في حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -: «اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما يوم القيامة... ». - ومنه المتعلق بآية، مثاله: عن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر! أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } قال: فضرب في صدري وقال: لِيَهْنِكَ العلم أبا المنذر..». - ومنه بآيات عدّة، مثاله: عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله - عز وجل - كَتَبَ كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فأنزل منه آيتين خَتَمَ بهما سورة البقرة فلا تُقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان». * وكلٌّ من هذه الأربع تتجاذبها الصِّحَّةُ والضَّعف والوضع([1])، وفي الصَّحيح غُنْيَةٌ عنهما. * ولا شكَّ في جواز هذا النوع لما له من الأدلّة في الكتاب والسنّة، والشواهد في الواقع المُعاش، والرّاجح أنه توفيقيٌّ، إلاَّ أنّ المقدَّم النصّ الثابت، ولا حرج في الأخذ بالتجربة إن سلِمت من المحاذير، وهذا باب نافع ينبغي أن يهتم به المرء ويبحث عما ينتفع به وينفع به غيره، ويُشترط فيها ما يُشترط في الرقية الشرعية. * ومن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب الخواص: تحقيق التوحيد، وتجريد المتابعة، الأعمال والعبادات القلبية بأنواعها من إنابة وتوكل وإخلاص، وتحقيق التقوى عملا بالقرآن، وملازمة تلاوته... * ومن الضوابط التي تراعى في الخواص: أن تكون شرعية، ثابتة فيما يراد الانتفاع بها سواء بالنصّ أو التجربة، مع خلوّ الوسيلة إليها من المخالفات. * وليحذر العامل بالخاصيَّة من أمرين: أ- المحذورات العقدية: كضعف التوكل على الله، أو اليأس والقنوط من رحمته، أو امتهان القرآن أو تحريفه، أو الاقتصار على الخواص مع إهمال التدبر والاتعاظ. ب- المحذورات التّعبّديّة: كعدم الطّهارة أثناء الممارسة –وهي مستحبة-، وتعظيم كلام البشر وطلاسمهم على كلام الله، والوقوع في المحرمات. ثالثا: المؤلّفات فيه: أولا: الصّريحة: 1- "خواص القرآن الحكيم" لأبي عبد الله محمد التميمي (ت: 390هـ تقريبا). 2- "خواص القرآن" لأبي عبدالله حسين بن علي القاضي الصَيمَري (ت:436هـ). 3- "خواص الآي" وقيل غير ذلك، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت: 505هـ). 4- " خواص القرآن الكريم " أبو الغوث عبدالرحمن بن علي بن أحمد القرشي. 5- "رسالة في خواص بسم الله الرحمن الرحيم" أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف البوني القرشي (622هـ). 6- "الدر النظيم في خواص القرآن العظيم" أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن سهيل الخزرجي بن الخشاب اليمني (650هـ). 7- "الاختصاص من الآيات القرآنية والخواص" أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الحسني الشاذلي (656هـ). 8- "خواص القرآن" أبو بكر محمد بن عبد الله المالقي (705هـ). 9- " البرهان والدليل في خواص التنزيل وما في قراءتها في النوم من بديع التأويل " أبو بكر محمد بن عبيد الله بن محمد بن يوسف بن منظور القيسي (750هـ). 10- "خواص القرآن" القاسم نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم الأصفوني (750هـ). 11- "الدر النظيم في خواص القرآن العظيم" أبو السعادات عبد الله بن أسعد اليمني اليافعي الشافعي (768هـ). 12- " المستشفي وكفاية المكتفي في شرح خواص القرآن " عبد الله بن محمد الحسني المكراني (776هـ). 13- " الدر النظيم في خواص القرآن العظيم " مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (817هـ). 14- " مفتاح النجاة في خواص السور والآيات " محمود بن عثمان اللامعي (940هـ). 15- "خزانة الخواص" أو " سفر الأدعية المأثورة وخواص الآيات المسطورة " عبد الفتاح بن المفتي محمود اللارندي، المتوفى سنة (946هـ). وغيرها. 16- "خواص القرآن الكريم دراسة نظرية تطبيقية"، تركي بن سعد بن فهيد الهويمل. وعليه اعتمادي في هذه الخلاصة. ثانيا: غير الصّريحة: 1- "الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور " لابن المبرد (909هـ). 2- التنبيه على الأسرار المودعة في بعض سور القرآن،أحمد بن علي البوني (622هـ) 3- "جواهر القرآن" و" السر المصون المستنبط من القرآن المكنون " محمد بن محمد الغزالي (505هـ). 4- "الفتح القدسي في آية الكرسي" برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي (885هـ). 5- المواهب المدخرة في خواتيم سورة البقرة برهان الدين إبراهيم بن محمد المقدسي (923هـ). وغيرها. انتهى مُلخَّصًا، والحمد لله ربِّ العالمين أبو عبيد الله عبد الله: 16 شوال 1435هـ. [1] ) أشهر موضوع في الباب، والأكثر دورانا في المصنفات؛ حديث عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عليَّ القرآن في كل سنة مرة، فلما كان في السنة التي مات فيها أتاه جبريل صلوات الله عليه، فقال له: اقرأ القرآن على أبيّ مرتين، وهو يقرئك السلام، وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي، فلما قرأ عليَّ القرآن، قلت: يا رسول الله، كما كانت خاصة لي قراءة القرآن فخصني بثواب القرآن مما علمك الله، وأطلعك عليه، قال: نعم يا أبيّ. أيّما مسلم قرأ بفاتحة القرآن أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن قرأ سورة البقرة أعطي من الأجر كالمرابط في سبيل الله سنة لا تسكن روعته، يا أبي مُر المسلمين أن يتعلموا سورة البقرة، فإن تعلمها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، قلت يا رسول الله وما البطلة؟ قال: السحرة. ومن قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أماناً على جسر جهنم، ومن قرأ سورة النساء أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل من ورَّث ميراثاً، وكان له من الأجر بقدر من اشترى محرراً، وبرئ من الشرك، وكان في مشيئة الله تعالى التي يتجاوز عنهم. ومن قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات ومحي عشر سيئات، ورفع عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا..." وهكذا يسرد كل سور القرآن، وهذا مما أجمع العلماء على وضعه. |
جزاك الله خيرا أبا عبيد الله على مقالك هذا .
وقد سجلت بعض الملاحاظات عليه، أردت أن أقدمها لك لعلك تنفعنا بحوار عليها. أولا: رأيت المقال فأعجبني كثيرا لأن علوم القرآن في النفس لها ميل لتعلقها بكتاب الله، فأخذت بقراءة المقال فشد انتباهي عدم ذكر مصادر ومراجع لتعريفات مهمة جدا في بحثك . ثانيا: ذكرت رحمك الله ما مفاده :"خلاصة ما ورد في الموضوع: هذا الفن علمٌ من علوم القرآن الكريم ". فهل خواص القرآن علم مستقل بذاته أم هو فن من فنون عوم القرآن ؟ فهذا ما أردت أن أستفسر عنه، وبارك الله فيك أخي . |
جهد طيب، جزاك الله خيرا أبا عبيد الله، ووفقك الله لمزيد من العطاء.
|
أتّفق مع أخي أبي مالك، وأزيد عليه استفسارين اثنين:
قُلتَ - أكرمك الله -: " والرَّاجحُ أنّه توفيقيٌّ " هذا يحتاج إلى فصل مستقلّ لبيانه، لقوّة القولِ بالتَّوقيف، وما هي ضوابط التّوفيق فيه، وهل يكفي اتفاق الانتفاع لمن سبقَ بآية من كتاب الله جوازُ حكايةِ نفعيّتها لمن لحق؟ الاستفسار الثاني: وهو قولك - بارك الله فيك -: " انتهى ملخّصًا "، والملخّصُ له أصلٌ مبسوطٌ، فهل المبسوط لك أُخيّ، أم لك التّلخيصُ فقط. هذا ونفعني الله بمقالك وطيّب خصالك وإيّاك وجميع من قرأ لك |
أحسنت الاختيار وأجملت الاختصار أبا عبيد الله، لا سيئت يمينك.
اقتباس: اقتباس:
اقتباس: اقتباس:
|
بارك الله فيك شيخنا الحبيب، لم أنتبه لذلك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، زادك الله فضلاً ورفعةً
|
بارك الله في الجميع أخي أبا مالك: اقتباس:
وأظنّ أنّه قد كفاني الإجابة الأستاذ خالد -حفظه الله-: اقتباس:
أمّا سؤالك الثاني: اقتباس:
فالجواب في صلب الموضوع: اقتباس:
أما بالنسبة لك أخي مصباح اقتباس:
اقتباس:
الأول: أن لا يعتقد أنها تنفع بذاتها دون الله، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله فهو محرم؛ لأنه شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله. الثاني: أن لا تكون مما يخالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله، أو استغاثة بالجن، وما أشبه ذلك فإنه محرم. الثالث: أن تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنس الطلاسم والشعوذة فإنها لا تجوز [القول المفيد] اقتباس:
قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: =وأما شهادة التجارب بذلك فهي أكثر من أن تذكر. وذلك في كل زمان، وقد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أموراً عجيبة، ولاسيما مدة المقام بمكة، فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة، بحيث تكاد تقطع الحركة منِّي، وذلك في أثناء الطواف وغيره. فأبادر إلى قراءة الفاتحة، وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط. جربت ذلك مراراً عديدة, وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً، فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك، ولكن بحسب قوة الإيمان، وصحة اليقين، والله المستعان. اقتباس:
والسلام عليكم. |
أخي أبا عُبيد الله، جزاك الله خيراً، فقد ( نفعني الله حقّاً بمقالك )، وزادني تقديراً لكَ حُسنُ ردِّكَ الذي هو من ( طيّب خصالك )، فأسأل الله تعالى أن ينفعـــــــني بهذا المقال تأدُّباً وعَمَلاً كما نفعني به عِلماً، و ( إيّاكَ ) أجراً ومَثوبةً، وأن ينفع ( جميع من قرأ لك ) ...
هذه علامات التّرقيم، وهذا المُراد... جزاك الله خيراً |
خلاصة موفقة أخي العزيز بارك الله فيك انتفعتُ بها
|
بارك الله فيكم جميعا، و جزاكم الله خيرا.
استفدت من كتابتكم أولا، و كذلك استفدت كثيرا من حسن أدبكم، و لطف تعاملكم، أحسن الله إليكم. |
جزاك الله خيرا على اللفتة و التنبيه إلى هذا الفن الشريف
|
الساعة الآن 12:25 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013