منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=4424)

أحمد سالم 12 Aug 2010 03:19 PM

الرَّد على الاستدلاَل بِجَوازِ التَّفجير العامِّ مَع الجَوابُ الحاسِمُ لبَعض الشُّبَه القِتاليَّةِ
بحثٌ مستل مِن كِتاب الفذّ :
" تَميِيْزُ ذَوِي الْفَطن بَينَ شَرَفِ الجِهَادِ وَسَرَفِ الفِتَن "
الاستدلاَلُ على جَوازِ التَّفجير العامِّ برَمي التُّرس والرَّدُّ علَيه
ويليه
الجَوابُ الحاسِمُ لبَعض الشُّبَه القِتاليَّةِ
بقلم:
فضيلة الشَّيخ
عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائري حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
وصِنفٌ لم يُظهِروا التَّكفيرَ العامَّ، لَكنَّهم أظهَروا التَّقتيلَ العامَّ، كما هوَ شَأنُ التَّفجيراتِ العَشوائيَّةِ في الأَماكنِ العامَّةِ، وقد يَكونُ فِيهم مَن يَقْصرُ تَكفيرَه على الحكَّام وحَاشيِتهم من العَساكرِ والوُزراءِ وهَذا - وإنْ كانَ بوَّابةَ التَّكفيرِ العامِّ فإنَّني ذكَرتُه لتَوضيح واقعِهم ، وقد لَجأُوا إلى هَذا التَّصرُّفِ الغَريبِ لمَّا كثُرَ المدَّعونَ للجِهادِ من الجُبناءِ العَاجزِينَ عن المُواجِهةِ وجهاً لوَجهٍ ، وهَذا النَّوعُ من القِتالِ يُفعلُ اليَومَ ولا ضَرورة مُلجِئة إلَيه وإن زَعَموا أنَّهم يُريدونَ الوُصولَ إلى بَعضِهم فقَطْ ، فلمَّا كانَ المُستَهدَفونَ مُختِلطِينَ بغَيرِهم زعَموا أنَّهم اضطُرُّوا إلى إِصابةِ الجَميع !
ودَليلُ كَونِه من قِتالِ الفِتنةِ حَديثُ أبي هُريرة أيضاً ، لأنَّ فيهِ : " وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّها وَفَاجِرَهَا ، لاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنهَا ، وَلاَ يَفِي بِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي "، وكَذا النَّظرُ في مَقاصدِ الشَّريعةِ الَّتي تَنهَى عن الفَسادِ في الأَرض عُموماً ، وعن تَحْميل البَريءَ جِنايةَ الجانِي خُصوصاً كمِثل قَولهِ تَعالى : ﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[ الأنعام ] ، ومِثل مَا رَواه البخاري (3014) ومسلم (1744) عَن ابن عُمر : " أنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْض مَغَازِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَقْتُولةً ، فَأَنْكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَتْلَ النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ " ، وبيَّن أنَّ سببَ النَّهي هوَ أنَّها مَا جاءَت لتُقاتِل المُسلمِين ، فبأيِّ حقٍّ تُقتَل ؟! وذَلك ما رَواه أبو داود (2669) وصحَّحه الألبانيُّ عن رَبَاح بنِ رَبيعٍ قَالَ : " كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ ، فَرَأَى النَّاسَ مُجتَمعِينَ عَلَى شَيْءٍ ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ : انْظُرْ عَلاَمَ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ ؟ فَجَاءَ فَقَالَ : علَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ ، فَقَالَ : مَا كاَنَتْ هَذِهِ لِتُقاتلَ ! قَالَ : وعَلى المُقَدِّمَةِ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ : قُلْ لِخَالِدٍ: لاَ يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً ولاَ عَسِيفًا "
والأَصلُ في مَنع النَّاس إذَا كانُوا مُختلِطين الجَانِي والبَريء هوَ قَولُ الله عزوجل : ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُم عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَ الهَدْىَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلَُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَ نِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فيِ رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَو تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [ الفتح ]
فهؤلاَءِ كفَروا وصدُّوا أهلَ الإيمانِ بما فيهم رَسول الله صلى الله عليه وسلم عن المَسجدِ الحَرام، وحالُوا دونَ رُجوعِهم إلى وطَنِهم، معَ ذَلكَ فقَد جعَلَ اللهُ اختلاَطَ بعض المُسلمين بهم سَبباً في مَنع رَميِهم وقِتالِهم فهَل من مُعتبِر ؟!
وتَشبيهُه برَميِ التُّرس في غيرِ مَحلِّه ، لأنَّه لاَ يَكادُ يوجَد التُّرسُ اليَومَ ، ولاَ نَكادُ نَعرفُ اليَومَ أنَّ الكفَّارَ جعَلوا مُسلمين واجهةً في حربٍ بحيثُ لاَ يَتمكَّن المُسلمون من إِصابتِهم إلاَّ بَعدَ إِصابةِ الوَاجهةِ ، والتُّرسُ الَّذي جاءَ فيهِ كلاَمُ العُلماءِ هوَ في أكثَر صُوَره ، أن يَتحصَّنَ الكفَّارُ بحِصنٍ ثمَّ يَجعَلونَ المُسلمين الأُسارَى في الوَاجهةِ ، فلو ترَكوهم لرَماهم الكفَّارُ وقتَلوا بعدَهم الأُسارَى ، ولو رَماهم المُسلِمون لأَمكنَ أن يُصيبوا إِخوانَهم الأُسارَى معَهم لكن لاَ يَستطعون التَّخلصَ مِن الكفَّارِ إلاَّ بذَلكَ ، ولو تركوهم لاستَأصَلوهم واستَأصَلوا الأُسارَى ، ولاَ ريبَ أنَّ الحالةَ الثَّانية حالةُ اضطِرَارٍ وهيِ أخفُّ المَفسدتين ، إذْ لاَ مفرَّ من وُقوع إِحداهما ، فأينَ هَذه الصُّورة من فِعل التَّفجريِّين الجبُناء الَّذينَ يُفجِّرونَ ليُصيبوا الأَبرياءَ ثمَّ يَختفونَ ويُولُّون الأَدبار ؟!
والأَصلُ فيهِ النَّهي عن القِتالِ عندَ اختلاَطِ المُسلمِين بالكفَّار خَشيةَ إصابةِ المُسلمِينَ، كما في الآيةِ السَّابقةِ، قالَ ابنُ كَثير في تَفسيرِه :وقَولُه : " ﴿ وَلَوَ لاَ رِجَالٌ مُّؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤمِنَاتٌ﴾ أي : بينَ أَظُهرهم ممَّن يَكتمُ إيمانَه ويُخفِيه مِنهم خِيفةً على أنفسِهم مِن قَومِهم ، لَكُنَّا سَلَّطناكم علَيهم فقَتَلتُموهم وأَبَدتُم خَضراءَهم ، ولَكن بينَ أَفنائِهم مِن المُؤمنين والمُؤمِناتِ أَقوامٌ لاَ تَعرفونَهم حالةَ القَتل ، ولهذا قالَ : ﴿لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئَوهُم فَتُصِيبَكُم مّنْهُم مَّعَرَّةٌ ﴾أي : ﴿ إثمٌ وغَرامةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخلَ اللهُ فيِ رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ أي : يؤخِّر عُقوبتهم ليُخلِّص مِن بينِ أَظهُرهم المُؤمِنين ، وليَرجعَ كَثيرٌ مِنهم إلى الإسلاَم ، ثمَّ قالَ﴿ لَوْ تَزَيَّلُوا ﴾ أي : تَميَّزَ الكفَّارُ مِن المُؤمنينَ الَّذين بينَ أَظهُرهم﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا منْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ أي : لسلَّطْناكم علَيهم فلَقَتلتُموهم قَتلاً ذَريعاً " .
قالَ القرطبيُّ عندَ تَفسيرِ الآيةِ السَّابقةِ بعدَ أن نقَلَ عن مالِك رحمه الله استِدلاَلَه بها في المَنع رَمْي التُّرس ، قالَ : " قَد يَجوزُ قَتلُ التُّرس ولاَ يَكونُ فيهِ اختلاَفٌ إن شاء الله ، وذلكَ إذَا كانَت المَصلحةُ ضَروريَّةً كُلِّيَّةً قَطعيَّةً .
فمَعنَى كَونِها ضَروريَّةً: أنَّها لاَ يَحصلُ الوُصولُ إلى الكفَّارِ إلاَّ بقَتْل التُّرس.
ومَعنَى أنَّها كُلِّيَّةً:أنَّها قَاطعةٌ لكلِّ الأمَّة حتَّى يَحصلَ مِن قَتل التُّرس مَصلحةُ كلِّ المُسلمِين، فإنْ لم يَفعَل قَتَل الكفَّارُ التُّرس واستَولوا على كلِّ الأُمَّة.
ومَعنَى كَونِها قَطعيَّةً : أنَّ تلكَ المَصلحةَ حاصِلةٌ مِن قَتْل التُّرس قَطعًا .
قالَ عُلماؤُنا: وهَذهِ المَصلحةُ بهذِه القُيودِ لاَ يَنبَغي أن يُختلَف في اعتبارِها، لأنَّ الفَرضَ أنَّ التُّرس مَقتولٌ قَطعًا: فإمَّا بأَيدِي العدوِّ، فتَحصُل المَفسدةُ العَظيمةُ الَّتي هيَ استِيلاَءُ العدوِّ على كلِّ المُسلمِين.
وإمَّا بأَيدِي المُسلمِين فيَهلِك العدوُّ ويَنجُو المُسلِمون أَجمعونَ .
ولاَ يَتأتَّى لعاقِلٍ أن يَقولَ : لاَ يُقتَل التُّرسُ في هَذه الصُّورةِ بوَجهٍ ، لأنَّه يَلزمُ مِنه ذَهابُ التُّرس والإسلاَم والمُسلِمين، لكن لمَّا كانَت هَذهِ المَصلحةُ غَيرَ خاليةٍ مِن المَفسدةِ نفَرَت مِنها نَفسُ مَن لم يُمعِن النَّظرَ فيهَا ، فإنَّ تلكَ المَفسدةَ بالنَّسبةِ إلى مَا حصَلَ مِنها عدَمٌ أو كالعدَم ، واللهُ أَعلمُ "
فأينَ هيَ الضَّرورةُ هنا ؟!
وأينَ هيَ المَصلحةُ الكلِّيَّةُ بحيثُ لو لم يُفجِّر المُفجِّرونَ لقُتلَ سائرُ المُسلمِين؟!
وأينَ هيَ المَصلحةُ القَطعيَّةُ الحاصلةُ للمُسلمِين جَميعاً ، وهم لم يُحصِّلوها ولو لأَنفسِهم؟!
فإنَّهم يُفجِّرون ثمَّ يَختَفونَ اختِفاءَ الجَبانِ الذَّليلِ ، وعدوُّهم يَزدادُ بتَشغيِبهم هَذا تمكُّناً من مَنصبِه وأخذاً بالحِيطةِ لنَفسِه!
إنَّ أميرَهم في خَفاءٍ !
ورايتَهم في عَماءٍ !
ومُقاتلَهم يَرمِي إِخوانَه قَبْل الأَعداءِ !
أهَذا جِهادٌ أم تَهوُّرٌ وغَباءٌ ؟!
وقد ورَدَ أيضاً مَا يدلُّ على تَضييقِ عمليَّةِ رَمْي التُّرس ، وذَلك في قصَّة قَتْل أبي رافِع عبدِ الله بن أبي الحُقَيق اليَهوديٍّ الَّذي كانَ يَشتمُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم ويُؤذِيه ويُحرِّضُ على قَتلِه ، ورِوايتُها في صَحيح البُخاري (4039) أنَّ عَبدَ الله بنَ عَتيك رضي الله عنه المنَتَدب لقَتلِه قالَ :
" فَانتَهَيْتُ إلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِن البَيْتِ ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ ! قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبه ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وأَنَا دَهِشٌ ! فَما أَغْنَيْتُ شَيْئًا وصَاحَ، فَخَرَجْتُ مِن البَيْتِ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمََّّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوتُ يَا أبَا رَافِعٍ ؟ فَقَالَ : لأُِمِّكَ الوَيْلُ ! إِنَّ رَجُلاً في البَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ ! قَالَ : فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ ، ثُمََّّ وَضَعْتُ ظبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِه حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ ، فَعَرَفْتُ أنِّي قَتَلْتُه " .
وهُناكَ رِوايةٌ تَزيدُ هَذا البَحثَ وُضوحاً ، رَواها الواقِديُّ في المغازي (1/392،394) وابن هشام في السيرة (2/275) والبَيهقي في دلائل النبوَّة (4/34) بإسنادٍ حَسنٍ عن عبدِ الله بن كَعب بن مالِك قالَ : " فخرَجوا إلَيه ، فلمَّا جَاؤُوه صَعدوا إلَيه في عُلِّيَّةٍ (1) له ، فنوَّهَت بهم امرَأتُه فصاحَت، وكانَ قد نَهاهُم رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ بَعثَهم عن قَتل النِّساءِ والوِلدان ، فجَعلَ الرَّجلُ يَحملُ علَيها السَّيفَ ، ثمَّ يَذكرُ نَهيَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم عن قَتْل النِّساءِ فيُمسِك يدَه ، قالَ : فابتَدروه بأَسيافِهم وتَحامَل علَيه عَبدُ الله بن أُنَيس في بَطنِه بالسَّيفِ حتَّى قَتلَه "، قال ابنُ تَيمية في الصَّارم المَسلول (2/258) بعدَ ذِكرِ القصَّة : " وإنَّما ذَكَرنا هَذا رَفعاً لوَهم مَن قد يَظنُّ أنَّ قتلَ النِّساء كانَ مبُاحاً عامَ الفَتح ثمَّ حَرُم بعدَ ذلكَ ، وإلاَّ فلاَ ريبَ عندَ أَهْل العِلْم أنَّ قتلَ النِّساءِ لم يَكُن مُباحاً قطُّ ، فإنَّ آياتِ القِتالِ وتَرتيبِ نُزولِها كلُّها دَليلٌ على أنَّ قتْل النِّساءِ لم يَكُن جائزاً ، هَذا معَ أنَّ أُولئك النِّساءَ اللاَّتي كنَّ ي حِصن ابن أبي الحُقيق إذ ذَّاكَ لم يَكن يَطمعُ هؤلاَءِ النَّفرُ في استِرقاقِهنَّ ، بل هنَّ مُمتنِعاتٌ عندَ أَهْل خَيبر قَبل فَتحها بمدَّةٍ ، مع أنَّ المَرأةَ قد صاحَت ، وخافُوا الشَّرَّ بصَوتِها ، ثمَّ أَمسَكوا عن قَتلِها لرَجائِهم أن يَنكفَّ شرُّها بالتَّهويلِ علَيها " .
إنَّ الشَّاهدَ من هَذهِ القصَّةَ أنَّ الصَّحابيَّ وجدَ اليَهوديَّ وَسطَ أَهلِ بَيتِه، فلِماذا حرَصَ على ألاَّ يَقتلَ غَيرَه ؟! معَ أنَّ عِيالَه كلَّهم يَهودٌ والبَيتُ مُظلمٌ لاَ يُمكنُه أن يُميِّزَ المَطلوبَ من غَيرِه ، وكانَ لاَ يسَعُه أن يَقتلَ الرَّجلَ حتَّى يُصيبَ مَن معَه والوَقتُ حِرجٌ وضيِّقٌ جدًّا ، وقد أَخطأَ ضَربَه مرَّتَين، وخَوفُ مَجيءِ مدَدِ اليَهوديِّ قَويٌّ ، لأنَّه في حِصنِه وقَريتِه ، والمَرأةُ كانَت تُريدُ أن تُشغِّب علَيهم ؟ لِماذَا لم يَفعَلْ مُمارسو التَّفجيراتِ العَشوائيَّةِ اليَومَ ؟! قالَ ابنَ حجَر في الفتح (6/147) في فَوائدِ القصَّة : " وقَالَ مَالِكٌ والأَوْزَاعِيُّ : لاَ يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ بِحَالٍ حتَّى لَوْ تَتَرَّسَ أَهْلُ الحَرْب بالنِّسَاءِ والصِّبْيَانِ أَوْ تَحَصَّنُوا بِحِصْنٍ أَوْ سَفِينَةٍ وجَعَلُوا مَعَهُم النِّسَاءَ والصِّبْيَانَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهم ولاَ تَحرِيقُهم "
فأينَ أَهلُ التَّفجيرِ عن هَذه السِّيرةِ النَّبويَّةِ العَطِرة، وهَذا الوُقوفِ عندَ الأَمْر النَّبويِّ من هَذا الصَّحابيِّ الشُّجاع المِغوارِ ؟!
وأينَ طاعةُ التَّفجيريِّين رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم كما أطاعَه أَصحابُه رضي الله عنهم في أصعبِ حالةٍ وأَحرَجِها ؟!
فعُلِم بهَذا كلِّه أنَّ مَسألةَ رَمْي التُّرس مَسألةٌ ضيِّقةُ النِّطاقِ، فكيفَ بالتَّفجيرِ العامِّ؟! على أنَّها في وَقتِنا هَذا عِبارةٌ عن تخيُّلاتٍ وأَوهامٍ لاَ واقعَ لها، واللهُ المُستعانُ.
وأمَّا الاستِدلاَلُ لها بَرْمي أَهل الطَّائفِ بالمَنجَنيقِ ، فقَد ردَدتُ على ذَلكَ في كِتابي : تخليص العِبادِ من وَحشيَّة أبي القَتادِ الدَّاعي إلى قَتْل النِّسوانِ وفلَذاتِ الأَكْبادِ ( ص261 من الطبعة السَّادسة ) ونقلتُ تَضعيفَ أَهل العِلم لها .
الجَوابُ الحاسِمُ لبَعض الشُّبَه القِتاليَّة
تَنبيهانٌ مُهمَّانِ:
التَّنبيهُ الأَوَّل:
لقَد رَددتُ في هَذا الفَصل على مَسألةِ تَشبيهِ التَّفجيرِ العامِّ برَمْى التُّرس ، كما رددتُ على مَسألةِ الاغتِيالاَتِ وغَيرِهما بأَجوبةٍ تَفصيليَّةٍ لكن باختِصارٍ ، معَ أنَّه كانَ يَسعُني أن أُجيبَ في ذلكَ بجَوابٍ واحدٍ حَاسمٍ ، ألاَ وهوَ أن أَقولَ : إنَّ هَذه العمليَّات القِتاليَّةَ يُتكلَّمُ فيها عندَ تَوفُّرِ أمرَين :
أحدُهما: إثباتُ شَرعيَّةِ القِتالِ في الوَاقعةِ المُعيَّنةِ، لأنَّ تلكَ المَسائلَ المَردود علَيها مُتفرِّعةٌ عنه.
وثَانِيهما: أن تكونَ تلكَ بأَمرٍ مِن السُّلطانِ، وقد مرَّ دَليلُه قريباً
إنَ تلكَ القُيودَ التَّفصيليَّةَ الَّتي سبَقَ نقلُها في هَذه الفُروع الجِهاديَّةِ ذكَرَها العُلماءُ تِباعاً لفَرضيَّةِ الجِهادِ في الواقعةِ المعيَّّنةِ،أي حينَ يَكونُ الجِهادُ مشروعاً وكانَ رَميُ التُّرس مثلاً بأَمْر وتَقديرِه مع أَهْل الحلِّ والعَقدِ في هَذا الإختِصاص، وهَذانِ الأَمرانِ لاَ يَتكلَّم فيهما إلاَّ أُولُو الأَمرْ :
العُلماءُ والأمراءُ كما مرَّ قريباً، فأمَّا العُلماءُ فهُم الَّذين يَملكونَ القُدرة العلميَّةَ على الحُكم في الوَقائع والنَّوازل بما تَستحقُّه من تَشريع الجِهادِ أو عَدمِه، وأمَّا الأُمراءُ فهُم يَملكونَ النَّظرَ في الجِهةِ العَسكريَّةِ وقُدراتهم مع مَن معَهم مِن ذَوي الاختصاص كما يَملِكونَ حقَّ الأَمرَ والنَّهي.
وأمَّا إذَا حكَمَ أُولُو الأَمر بعدَم مشروعيَّةِ الجِهاد في الوَاقعةِ المُعيَّنةِ فلاَ كلاَمَ في التُّرس وقُيودِه وكَذا الاغتِيالاَت ومَا يَتبعُها ، لأنَّه يُقالُ : أَثبِتِ الأَصلَ ثمَّ أَتبِعْه بالبَحثِ العِلميِّ عن حُكْم الفَرع، أو يُقالُ: أَََثبتِ العرش ثم انقُشْ، وينبغي أن يُتنبَّهَ لهَذا ، لأنَّه الجَوابُ الحَاسمُ للمَسألةِ دونَ احتياجِ إلى التَّفصيلاَت السَّابقةِ ، فإنَّ كَثيرًا ممَّن يَطرقُها يَظلُّ يَستدلُّ لها أو علَيها غافلاً عن أصلِها الَّذي
هو حُكمُ تشريعِ القِتالِ في الواقعةِ المَبحوثةِ، فإنَّ القِتالَ حينَ لاَ يُشرَع في وَاقعةٍ مَا يَسقطُ بَحثُ رَمُي التُّرس وغَيرِه تَماماً، لأنَّه لاَ يُسألُ عنه وأَصلُ القِتالِ غيرُ مُثبتٍ، ولذَلكَ أَنصحُ كلَّ مَن يُفتَح معَه الكلامُ عن فُروعٍ جِهاديَّةٍ كهَذهِ أن يَكونَ يَقظًا حتَّى لاَ يُستدرَج لبَحثٍ فَرعيٍّ وأَصلُه غيرُ مَحرَّرٍ ولاَ مُقرَّرٍ ، ثمَّ يَخرجُ مُختلِفًا مع مُجادلةِ حولَ الخَيالاَتِ ، فمضن قالَ : لديَّ الأدلَّةُ على جَواز التَّفجيراتِ أو الاغتِيالاَتٍ، فقُلْ له قبلَ أن يَستكثِرَ أو يُثرثِر : وهَل حَكَمَ العُلماءُ الأَكابرُ على قِتالِكم مِن أصلهِ بأنَّه جِهادٌ ، أم أنَّكم تَنطلِقونَ من فَتاوَى الأَصاغرِ في المَواقع العَنكبوتيَّة؟! ولاَ يُزادُ على هَذا .
أنَا أعلمُ هؤلاَءِ المُقاتِلينَ اليَومَ الَّذينَ يَقومونَ بما ذُكِر يَعتبِرونَ العُلماءَ خَونةَ فلذَلكَ اتَّخذوا لهم رُؤوسًا غيرَهم يَرجِعونَ إليَهم في المَسائِل العِلميَّة ، كما أنَّهم يَعتبِرونَ السَّلاَطينَ اليومَ كَفَرَةً ، فلذَلكَ اتَّخذوا لهم أُمراءً يَأتمرونَ بأَمرِهم وإن كانُوا في الوَاقع مُتعدِّدِين بتَّعدُّدٍ جَماعاتِهم المختلِفَةٍ الآراء .
ولمَّا كانَ طَلبةُ العِلم الَّذينَ يَرجِعونَ إِليهم إن صحَّ اعتِبارُهم طلَبةٌ لاَ يَعرِفُونهم العُلماءُ في الغالبِ لانقِطاع أُصولهم العِلميَّةِ فَضلاً عن أن يَحظَوا مِنهم بتَزكيةٍ، ولمَّا كانَ أَميرُ هؤلاَءِ المُقاتلِين اليومَ بل أُمراؤُهم غَيرَ مُعترَف بهم عندَ العُلماءِ ، فلاَ داعيَ لبَحثِ تلكَ المَسائل ، وإنَّما بحَثتُها مِنَ قَبلُ بالتَّنفُّل، وعلى افِتراضِ التَّسليم والتَّخيُّل .
فعلى أَصحاب هَذه الأَفكارِ إِثبات المُقدِّماتِ الآتيةِ:
أ - أنَّ العُلماءَ خَونةٌ بالدَّليلِ الوَاضح لاَ الأَحاجِي المُختَرعة والحِكاياتِ المَقطوعةِ الأَسانيدِ.
ب – أنَّ الحكَّامَ كَفَروا بالدَّليلِ الواضِح أَيضاً لاَ العَواطف.
جـ - أنَّ قِتالَهم جِهادٌ مَشروعٌ.

د – لو فُرِض ذَلك ، هُنالكَ فقَطْ يُنظَر في القُيود الَّتي نَقلتُها آنفاً عن القُرطبيِّ وغيرِه : هَل تَنطبقُ على الفُروع القِتاليَّةِ المُراد بَحثُها ؟
وإذ لم يَفعَلوا إلى الآن وأَهلُ العِلم يُخالِفونَهم إلى الآن ، فلاَ داعيَ للبَحثِ معَهم في مِثل مَا سَبَقَ ، وتَبقَى إذاً تلكَ الدِّماءُ الَّتي يَتقرَّبونَ بها إلى الله دِماءَ فِتنةٍ ، ويومَ القِيامةِ يَتعلَّقُ أَصحابُها بأَعناقِهم يَقولُ أحدُهم : " أَيْ رَبِّ سَلْ هَذا فيمَ قَتلَني ؟! " كماصحَّ ذلكَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رَواه النَّسائي (3999) وابن ماجَه (2621)، نَسألُ اللهَ العافيَةَ.
والخلاَصةُ أنَّ هؤلاَءِ أسَّسوا حُكمَهم على سِلسلةٍ من المُخالفَاتٍ :
- فخالَفوا العُلماءَ في تَخوينهم .
- وخالَفوا العُلماءَ في تَكفيرِ حكَّامِهم.
- وخالَفوا العُلماءَ في ادِّعاءِ مشروعيَّةِ بل وُجوبِ الجِهادِ فيما هُم فيهِ.
- ثمَّ خالَفوا العُلماءَ في الأَحكام القِتاليَّةِ الأَخيرةِ، والفُقهاءُ يَقولونَ : مَا بُنيَ على فاسِدٍ فهوَ فاسِدٌ ، لأنَّ اللهَ يَقولُ : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيـَنَهُ عَلَى تَقْوىَ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرُ أم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيـَنَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فيِ نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِى القَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ التوبة ]
التَّنبيهُ الثَّاني:
قِتالُ المُسلمِين أَهْلَ البَغي والخَوارجَ متَى أَذن فيهِ الإمامُ لاَ يَدخلُ تحتَ قِتالِ الفِتنةِ، ودَليلُه قولُ الله تَعالى : ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ [ الحجرات ]
وروَى البخاري (2691) ومسلم (1799) عن أنَس رضي الله عنه قَالَ: " قِيلَ للِنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ الله بنَ أُبيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ورَكِبَ حِمَاراً، فَانْطَلَقَ المُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلمَّا أتَاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِلَيْكَ عَنِّي، والله لَقَدْ أَذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ ! فَقَالَ رَجُلٌ مِن الأَنْصَارِ مِنْهمْ: والله ! لَحِمَارُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ ! فَغَضِبَ لِعَبْدِ الله رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتمَهُ، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالجَرِيدِ والأَيدِي والنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ:
﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [ الحجرات ] ، قالَ ابن المُنذر في الإشراف على مذاهب العُلماء (8/217): " وإذَا اعتَزلَت جَماعةٌ من الرَّعيَّة إمامَ المُسلمِينَ ومنَعوه حقًّا من الحُقوقِ، ولم يَعتلُّوا فيه بعلَّةٍ يَجبُ على الإِمام النَّظرُ فيه، ودَعاهم الإِمامُ إلى الخُروج ممَّا يجِبُ علَيهم، فلم يَقبَلوا قولَه وامتنَعوا من أَداءِ ذلكَ إلى الإِمام ، فحقٌّ على إِمام المُسلمِين حَربُهم وجِهادُهم ليَستخرج مِنهم الحقَّ الَّذي وجَبَ علَيهم ، وحقٌّ على الرَّعيَّةِ قِتالُهم مع إمامِهم إذَا استَعان الإِمامُ بهم ، كما فعلَ أبو بَكرٍ الصِّديقُ رضي الله عنه في قِتالِ مَن منَعَ الزَّكاةَ ... " ، إلى أن قالَ : " فَهذَا مع دلاَئل سُننِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم كالإِجماع من المُهاجرين والأَنصارِ على أنَّ الصِّدِّيقَ قامَ في ذلكَ بحقٍّ وجَبَ علَيه القِيامُ به (2)، وأمَّا عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه فقَد بلَغَه عن القَوم الَّذينَ قاتَلوا كلاَمًا قبلَ أن يَقتُلوا عبدَ الله بنَ خبَّابٍ فلم يُقاتِِلْهم ، فلمَّا قَتلوا عبدَ الله بنَ خبَّاب قالَ لهم : أقِيدوني من ابن خبَّابٍ (3) ،قالُوا: كلُّنا قتَلَه ! فحِينئذٍ استحَلَّ قِتالَهم فقتَلَهم "
ثمَّ استدلَّ أيضًا بالحَديثِ الَّذي فيه الأَمرُ بقِتالِ الخَوَارج ، لأنَّ الغرضَ هوَ التَّنبيه فقَطْ .
واستَدلَّ ابن المُناصف في الإنجاد في أبواب الجهاد (2/652) بما نقَلتُه آنفًا عن ابن المُنذر ، وفي نُصرةِ الرَّعيَّةِ إِمامَهم على هَذا القِتالِ استدلَّ (2/653) بقَوله تَعالى : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ﴾[ المائدة ] ، وبحَديثِ عَبدَ بنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ في أُمَّةٍ قَبْلي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، ولَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " خرَّجَه مُسلمٌ (50) ، فجعَلَ الحَديثَ دَليلاً على قِتالِ أهل البَغي كما جعلَه دَليلاً على قِتالِ الخَوَارج .
لكن قد يُترَك قِتالُهم إذَا كانَ مُؤدِّياً إلى تَرويع عامَّةِ البلاَد ، وهَذا يَعرفُه أهلُ العِلم بالتَّشاورِ مع أُولى الأَمْر ، ونَظيرُه فِعلُ الصَّحابةِ زمَنَ اختلاَفِ ابن الزُّبِير رضي الله عنه مع بَني أميَّة ، فإنَّه قد مرَّ نقلُ امتِناعِهم من نُصرةِ إِحدَى الطَّائفَتين ، وأنَّهم اعتذَروا عن ذَلكَ بخَوفِ إراقةِ دِماءِ الأَبرِياء ، واللهُ وليُّ التَّوفيقِ .
الحواشي:

(1): العُلِّيَّة والعِلِّيَّة: هيَ الغُرفةُ كما في لسان العرب لابن منظور كلمَة ( علاَ ) .
(2): صرَّحَ بأنَّه إِجماعٌ ابنُ المناصِف في الإنجاد (2/656)
(3): أي طلَبَ مِنهم قاتِلَ ابنِ خبَّابٍ ليَقتصَّ منه .

أحمد سالم 12 Aug 2010 10:02 PM

نداء الشيخ إبن عثيمين لمقاتلي الجزائر


السُؤال يا شيخ : ما حُكمُ ما يُنسبُ إليكُم ـ حفظكُم الله ـ مِن تأييد الجماعات المُسلَّحة الخارِجة على الحُكومة الجزائرية وأنّكُم معهُم إلا أنكُم عاجِزون على التصريحِ بذلِك لأسبابٍ أمنيّة وسياسية ؟
الشيخ : هذا ليسَ بِصحيح ولا يُمكِن أنْ نؤلِّب أحداً على الحُكومة لأنّ هذا تحصُلُ بِهِ فتنة كبيرة إذ أنّ هؤلاءِ الذين يريدون أن يقابلُ
الحكومة ليسَ عِندهم القدرَة ما يُمكِن أنْ يَغلِبوا الحكومَةَ بِه فلا يَبقى إلا القتل وإراقَةَ الدّماء والفِتنة كما هو الوَاقع ، وما أكثَرَ الذي يُنسَبُ إلينا هُنا في السعودية أو خارِج السعودية وليسَ لهُ أصل عِندنا ، والحَامِل لِذلك والله أعلم أنّ الناس لهُم أهواء فإذا هوّوا شيئاً نسبوهُ إلى عالِم مِن العُلماء مِن أجلِ أنْ يكونَ لهُ قبول وهذِهِ مسألة خطيرة ، وليسَ الكذِبُ عليَّ أو على غيري مِن العُلماء بِغريبٍ إذا كانَ الكَذِب وقَع على الله عزّ وجلّ ، قال الله تعالى ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ﴾ فأرجوا مِن إخواننا في الجزائر وغيرِ الجزائر إذا سمِعوا عَنَّا شيئاً تُنكِرُهُ أفئِدَتهُم أنْ يتَّصِلوا بِنا ويَستَفهِمُ فرُبَّما نُسِبَ إلينا ما لم نقُلهُ

كتاب: فتاوى العلماء الأكابر فضيلة الشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائري حفظه الله

أحمد سالم 16 Nov 2010 10:38 PM

شريط للشيخ العبيلان حفظه الله بعنوان : التوجيهات الإسلامية في حقن الدماء الجزائرية

أحمد سالم 17 Nov 2010 02:38 PM

فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء فل الجزائر ( الكتاب الثاني عن ملف الجزائر'


تأليف: مجموعة علماء


ترجمة، تحقيق: عبد المالك بن احمد بن المبارك رمضاني الجزائري


المؤلف:
هذه رسالة خاصة بأهل الجزائر ، جمعت فيها فتاوى لثلاثة من أهل العلم الكبار من أهل السنة والجماعة ، لا يشك منصف في رسوخ أقدامهم في العلم وتفانيهم في النصح للمسلمين وهم :

فضيلة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز فضيلة الشيخ : محمد ناصر الدين الألباني فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين

وإنني اقتصرت على نقل فتاوى هؤلاء الأكابر الفضلاء لأن سفاكي الماء في الجزائر - باسم الدين - كانوا قد أشاعوا عنهم تأييدهم لهم كذبا وزورا!! وزعموا أنهم العلماء المرتضون عندهم!!

فعساهم يرضون بهم مفتين هاهنا، ، إن كان فيهم بقية إنصاف ؟!

وهؤلاء العلماء لم يدخروا واسعا في بيان الحق في هذه الفتنة العارمة التى تلاحقت حلقاتها كتلاحق خرزات العقد إذا قطع.

أحمد سالم 08 Dec 2010 08:52 PM

الكتاب الاول عن ملف الجزائر مدارك النظر في السياسة

مدارك النَّظر في السّياسة
بين التطبيقات الشّرعية والانفعالات الحَمَاسية
تأليف
عبد المالك بن أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري
قرأه وقرّظه
العلاّمة الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني
والعلاّمة الشيخ: عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر




فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء فل الجزائر ( الكتاب الثاني عن ملف الجزائر'


تأليف: مجموعة علماء


ترجمة، تحقيق: عبد المالك بن احمد بن المبارك رمضاني الجزائري


المؤلف:
هذه رسالة خاصة بأهل الجزائر ، جمعت فيها فتاوى لثلاثة من أهل العلم الكبار من أهل السنة والجماعة ، لا يشك منصف في رسوخ أقدامهم في العلم وتفانيهم في النصح للمسلمين وهم :

فضيلة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز فضيلة الشيخ : محمد ناصر الدين الألباني فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين

وإنني اقتصرت على نقل فتاوى هؤلاء الأكابر الفضلاء لأن سفاكي الماء في الجزائر - باسم الدين - كانوا قد أشاعوا عنهم تأييدهم لهم كذبا وزورا!! وزعموا أنهم العلماء المرتضون عندهم!!

فعساهم يرضون بهم مفتين هاهنا، ، إن كان فيهم بقية إنصاف ؟!

وهؤلاء العلماء لم يدخروا واسعا في بيان الحق في هذه الفتنة العارمة التى تلاحقت حلقاتها كتلاحق خرزات العقد إذا قطع.

تلخيصُ العِباد من وحشيَّة أبي القَتَادة الكتاب الثالث عن ملف الجزائر'

تلخيصُ العِباد من وحشيَّة أبي القَتَادة
الدَّاعي إلى قَتل النِّسوان وفَلَذَات الأكباد
رد على أبي قتادة الفلسطيني في استباحته دماء الأطفال والنِّساء من المسلمين وغيرهم
وبيان أن الإسلام برئ من ذلك



لفضيلة الشيخ
عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائري
حفظه الله ورعاه

أحمد سالم 12 Dec 2010 09:01 PM

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

هذه سلسلة سلفية متواصلة من طرف مشايخنا الأجلاء حول التنديد بالتفجيرات التي حدثت بالجزائر، وإليك أخي القارئ مقالٌ نافعٌ إن شاء الله لشيخنا الفاضل الدكتور رضا بوشامة الجزائري سلمه الله كتبه على إثر التفجير الذي حدث بالعاصمة يوم 11/12/2007 وضعته بحلة جميلة للإستفادة منه والله الموفق للخيرات.
الرابط :http://www.gbland.info/up12/15.pdf

http://www.tasfiatarbia.net/vb/showthread.php?t=1008

أحمد سالم 15 Dec 2010 11:42 AM

نـــداء إلى المقاتلين في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذا اللقاء والذي يعرض لأول مرة بين الشيخ محمد ابن صالح العثيمين رحمه الله وبين بعض الأخوة من الجزائر في منزل الشيخ رحمه الله تناول موضوع الفتنة في الجزائر حيث وجه الشيخ ابن العثيمين كلمة للمقاتلين في الجزائر
الشيخ رحمه الله كره أن تظهر صورته في المادة وتم تسجيل اللقاء وكان مرئيا . كانت الكامرا موجهة إلى إحدى زوايا منزل الشيخ رحمه الله وغرفة اللقاء ولم يظهر أي شخص في اللقاء بناءا على رغبة الشيخ رحمه الله
فأعلى الله قدرك يا ابن عثيمين وكتب الله اسمك في عليين
الملف بصيغة DAT حجمه كبير نوعا ما
هذا هو الرابط
http://www.ryadussalihin.org/vcdar/N...e_utheymin.DAT

http://www.tasfiatarbia.net/vb/showthread.php?t=914

أحمد سالم 14 Jan 2011 12:03 AM

http://www.neelwafurat.com/images/lb...137/137790.gif

أحمد سالم 14 Jan 2011 09:30 PM

http://www.fatwa1.com/anti-erhab/mad...ges/madark.jpg

أحمد سالم 02 Feb 2011 12:41 AM

الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله على أحداث الجزائر في " جريدة المسلمون " العدد : ( 540 ) في 11/1/1416هـ ، فقال : (( إن الذين قتلوا من الجزائريين خلال ثلاث سنوات ... عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى ... ... الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع ... وقد علمتُم الآن أن هذه الأمور لا تمت إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ولا نؤيد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بد أنّ هناك أصابع خفية داخلية أو خارجية تحاول بث مثل هذه الأمور )) ا هـ

أحمد سالم 02 Feb 2011 12:51 AM

تفريغ لمحاضرة مهمّة للشيخ محمد سعيد رسلان بعنوان: و في أحداث الجزائر عبرة

منقول
التفريغ

http://www.archive.org/download/fi_a...ra/jazaier.pdf

أو
http://www.archive.org/download/fi_a...ra/jazaier.doc

للإستماع للمحاضرة


خلفة أسامة الميلي 02 Feb 2011 11:11 AM

بارك الله فيك

أحمد سالم 02 Feb 2011 08:10 PM

يقول الشيخ عبد المالك الرمضاني في كتابه فتاوى العلماء الأكابر حول إراقة الدماء في الجزائر:
ولا يَغُرَّنَّكم انتسابُ أولئك إلى (السلفية)، فليس لهم منها إلاَّ الاسم، وإلاَّ فكيف تستقيم لهم هذه الدعوى وهم في وادٍ والعلماء السلفيون في وادٍ، كما ستراه في هذه الفتاوى؟!......إلى أن قال:ونحن إذ لا نتبرَّأ من (السلفية)؛ لأنَّها الدينُ الحقُّ، فإنَّنا نبرأ إلى الله من (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) ومن كلِّ حامل سلاحٍ اليومَ في بلادنا ضدَّ النظام أوالشعب.
أقول هذا ليَعلَم الخَلْقُ أنَّ في انتساب هؤلاء الثُوار إلى السلفية تشويهاً للسلفية، كما أنَّ انتساب المسلمين المنحرفين إلى الإسلام تشويه للإسلام، وصدٌّ عن سبيل الله، وتنفيرٌ من الفرقة الناجية.
لكن السلفية هي السلفية، كما أنَّ الإسلام هو الإسلام، وإن تلبَّس به مُحرِّفُه
.

أحمد سالم 03 Feb 2011 11:13 AM

عنــوان المحاضرة : نـــداء إلى المقاتـلين في الجزائــر.


الشـيخ : محمـد بن صالـح بن عثيمـين ـ رحمه الله تعالى ـ


الجودة عالية بصيغة real player
رابط المادة الصوتية





وقــت المحاضرة : 39 دقيقة .

أحمد سالم 03 Feb 2011 11:52 AM

كلمة عن أحداث ألجزائر

الشـيخ : مقبل إبن هادي الوادعي رحمه الله تعالى



http://africabride.fi5.us/play-239.html

أحمد سالم 03 Feb 2011 05:03 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلفه أسامه الميلي (المشاركة 22291)
بارك الله فيك

آمين ؛ و فيك بارك الله

أحمد سالم 04 Feb 2011 11:23 AM

هذه مكالمة مع شخص - اتصل بالشيخ محمد ناصر الدين الألباني ليستفتيه حول الجهاد المزعوم آنذاك

فهي صفعة أخرى للأفاكين الذين يبهتون الشيخ قائلين إنه هو الذي افتى بالجهاد في الجزائر


وهذه مكالمة أخرى: (المقطع الصوتي)

الشيخ: نعم،

السائل: السَّلام عليكم و رحمة الله،

الشيخ: وعليكم السَّلام و رحمة الله و بركاته،

السائل: كيف حالك يا شيخ؟

الشيخ: الحمد لله، بخير،

السائل: عندنا بعض الأسئلة، بارك الله فيك.

الشيخ: تفضل،

السائل: إذا أُعلن الجهاد في الجزائر، هل يجب الجهاد كما هو الحال في أفغانستان؟

الشيخ: من الذي سيعلن الجهاد في الجزائر، القوي أم الضعيف؟

السائل: الضعيف،

الشيخ: إيه، و الضعيف يستطيع أن يجاهد؟

السائل: لا يستطيع،

الشيخ: سامحكم الله،

السائل: اللهم آمين،

الشيخ: سامحكم الله،

السائل: اللهم آمين،

الشيخ: ما اعتبرتم بما وقع؟

السائل:نعم؟

الشيخ: ما اعتبرتم بعد بما وقع في الجزائر؟ و قبل الجزائر سوريا، و قبل سوريا الحجاز،

السائل: صحيح، كله صحيح يا شيخ،

الشيخ: من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه،

السائل: صحيح

الشيخ: لماذا لم يقم الجهاد في مكة المكرمة في عهد النبوة و الرسالة؟

السائل:صحيح، هذا ما عندنا يا شيخ،

الشيخ: إي، جزاك الله خير،

السائل:بارك الله فيك،

الشيخ: فيك بارك،

السائل: السَّلام عليكم و رحمة الله و بركاته،

الشيخ: وعليكم السَّلام و رحمة الله و بركاته و مغفرته.



[من الشريط: 565، الدقيقة: 07]

منقول

أحمد سالم 08 Feb 2011 10:33 PM

قال الشيخ محمّد بن صالح بن عثيمين رحمه اللّه:(إنه في عصرنا الحاضر يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسيف ونحوه،لضعف المسلمين ماديًّا ومعنويًّا وعدم إتيانهم بأسباب النصر الحقيقية،ولأجل دخولهم في المواثيق والعهود الدولية،فلم يبق إلا الجهاد بالدعوة إلى الله على بصيرة،فإذا تفرغ لها قوم وعملوا فيه جاز إعطاؤهم من نصيب المجاهدين)مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله (18/388

أحمد سالم 08 Feb 2011 10:56 PM

إنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين
http://www.rayatalislah.com/kalimat_chahr4.php
للشيخ رضا بوشامة
حفظه الله تعالى





إن مما يؤسَف له ما آلت إليه الأوضاع في عاصمة الجزائر وبعض المدن من خروج شباب طائش وأصحاب عقول ضعيفة متظاهرين ومنددين بارتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، فخربوا ودمروا وعاثوا في الأرض فسادا، وإنَّ منهم لفريقا استغلوا هذه الأمور لارتكاب جرائمهم من النهب والسرقة، فارتكبوا بذلك اعتداءات كثيرة على الممتلكات العامة والخاصة، وفوتوا على الناس في تلك الليالي مصالحهم الدينية والدنيوية، فزرعوا الرعب في قلوب الآمنين، وأخافوا من كان من السائرين في تلك الأحياء التي وقعت فيها أعمال الشغب والفساد.




وكل ما وقع من ذلك وغيره كان من تسويل الشيطان، ومن الجهل بطرق التغيير، ولا يرضاه ذو عقل سليم ومنهج قويم، وهو مخالف لأمر الله وشرعه من النهي عن الإفساد في الأرض، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد﴾ [البقرة:205]، وقال تعالى :﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾ [القصص:77]، بل إن الإفساد في الأرض من أعمال اليهود أعداء الله، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾ [المائدة:64].


فالله تعالى نهى عن الفساد، وكلُّ من قام بهذه الأعمال داخل في هذه الآيات والله لا يحب ولا يُصلح عمل المفسدين.

ولو كان هؤلاء الخارجون خرجوا غيرة على الدين مطالبين بحقوق المسلمين لما جاز لهم ذلك، فكيف بهم إذا أفسدوا من أجل ملء بطونهم؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «معلوم أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أُمرنا به؛ ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غيرَ منكر.
وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبَّات، فالواجبات والمستحبات لا بدَّ أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بُعثت الرسل ونزَلت الكتب، والله لا يحب الفساد؛ بل كلُّ ما أمر الله به فهو صلاح.


وق د أثنى الله على الصلاح والمصلحين، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذَمَّ المفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدةُ الأمر والنهي أعظمَ من مصلحته لم تكن مما أمرَ الله به، وإن كان قد تُرك واجب وفُعل محرم؛ إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده، وليس عليه هُداهم، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105]، والاهتداء إنَّما يتِمُّ بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضرَّه ضلالُ الضُّلاَّل، وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد.


فأمَّا القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرَر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وذلك أدنى ـ أو ـ أضعف الإيمان، وقال: ليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل»([1]).


وقال أيضا: «جماع ذلك داخل في القاعدة العامة: فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات أو تزاحمت؛ فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد.


فإنَّ الأمرَ والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فيُنظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثرَ لم يكن مأمورا به؛ بل يكون محرَّماً إذا كانت مفسدُته أكثرَ من مصلحته؛ لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسانُ على اتِّباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تُعوِزَ النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام.


وعلى هذا إذا كان الشخصُ أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرِّقون بينهما؛ بل إما أن يفعلوهما جميعا؛ أو يتركوها جميعاً: لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر؛ بل ينظر: فإن كان المعروف أكثر أُمر به؛ وإن استلزم ما هو دونه من المنكر. ولم يُنه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصدِّ عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات.


وإن كان المنكر أغلب نُهى عنه؛ وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف. ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمراً بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله.
وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما.


فتارة يصلح الأمر؛ وتارة يصلح النهي؛ وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين؛ وذلك في الأمور المعينة الواقعة.


وأما من جهة النوع فيُؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقاً، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يُؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويُحمد محمودها، ويُذَمُّ مذمومها؛ بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه.


وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق؛ فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونيَّة؛ وإذا تركها كان عاصيا، فترك الأمر الواجب معصية؛ وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية. وهذا باب واسع...»([2]).


ثم ذكر أمثلة من سنته صلى الله عليه وسلم حيث ترك تغيير بعض المنكر لاستلزام وجود منكر أعظم منه.


وقال ابن القيم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروفِ ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنَّه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضُه ويمقتُ أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنَّه أساسُ كلِّ شرٍّ وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها وقالوا: أفلا نقاتلهم، فقال:«لا ما أقاموا الصلاة»، وقال: «مَن رأى من أميره ما يَكرهُه فليصبر ولا ينْزِعنَّ يداً من طاعة»، ومَن تأمَّل ما جرى على الإسلام من الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله r يرى بمكة أكبرَ المنكرات ولا يستطيع تغييرَها، بل لما فتح الله مكةَ وصارت دار إسلام عزَم على تغيير البيت وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنَعَه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشيةُ وقوع ما هو أعظم منه: من عدم احتمال قريش لذلك لقُرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثِي عهدٍ بكُفرٍ، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء ...»([3]).


وليعلم هؤلاء ومَن كان على شاكلتهم ورضي أعمالهم أن الزيادة في السلع ابتلاء من الله الرزاق ذي القوة المتين، وكلُّ ما يقع لهذه الأمة من الفتن والمصائب والإحن إنَّما هو بسبب الذنوب والمعاصي التي ينغمس فيها الكثير ممن يشتكي الفقر والحرمان، ولم يسلط الله علينا هذه الفتن المصائب إلاَّ لفَسادِ أَعمالِنا، والجَزاءُ مِن جِنس العمَل، وهذه سنة الله في خلقه، قالَ تَعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾ [الشورى:30]، وقالَ تَعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران:165]، وقالَ تَعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء:79]، وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون﴾ [النحل:112].


وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ولَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المُؤنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ» الحديث، أخرجَه ابنُ ماجَه (4019) وصحَّحه العلامة الألبانيُّ.
فمن وقف عند هذه الآيات المنزلة من عند الملك العلام الخبير المتعال علم علم اليقين أنَّ الرزق بيده سبحانه، ومن أراد انخفاض الأسعار فما عليه إلا بالاستغفار، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأعراف:96]، وقال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾[نوح:10 ـ 12].


كيف يرجو الرزق من كان منغمسا في ألوان المعاصي والرذائل، بدءا بالشرك الذي ضرب أطنابه، والبدع التي يفتخر بها الجم الغفير من الناس، بل صارت مدعَّمة من الحكومات والأفراد والجماعات، ناهيك عن الكبائر التي تُقترف جهارا نهارا، ومن قرأ الجرائد وزار المحاكم عرف تنوع وكثرة الجرائم، بل لا يكاد يسلم أحد ـ إلا من رحم الله ـ من ارتكاب ما حرم الله، نسأل الله العافية والسلامة، ولا يمكن سرد تفاصيل ما يقع في مجتمعنا فالعاقل يُدرك بُعدنا عن الله وعن دينه، فكيف نُرجوا كثرة الخيرات؟! ولولا أن الله يعفو عن كثير لما سقى منا أحدا شربة ماء.


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/20): «وَقَدْ ذَكَرْتُ في غَيْرِ هَذَا [الموضع] أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ (كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُمْ)، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾، وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله ومُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ، ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالاَتِ الله إلَيْهِمْ، بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولاَ بُخْلاً ولاَ خَشْيَةً لَهُمْ ولاَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله، ولاَ يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولاَ عَلَى العَامَّةِ، ولاَ لِلحَسَدِ ولاَ لِلكِبْرِ ولاَ لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولاَ لِلْعَامَّةِ، ولاَ يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ».


وما أحسن كلام تلميذه ابن القيم الذي نختم به هذه الكلمة عسى الله أن ينفع قارئها إذ يقول في كتابه «مفتاح دار السَّعادة» (1/253) وكأنه يتحدَّث عن زماننا وأبناء جنسنا: «وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ(*)، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها، ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً وبَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء، فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ، بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ، ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس، وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ، كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ.


خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ *** ولاَزَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم».


نسأل الله بمنه وكرمه وإحسانه أن يحفظ على هذه الأمة أمنها واستقرارها، وأن يردها إلى دينها ردا جميلا، ويدفع عنها الفتن والإحن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) مجموع الفتاوى (28/126).
(2) مجموع الفتاوى (28/129 ـ 130).
(3) إعلام الموقعين (4/338 ـ 339).
(*) من الشَّوب، وهو الخَلطُ.

أحمد سالم 08 Feb 2011 11:05 PM

الكتاب فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر نبذة عن الكتاب فتاوى كبار العلماء في هذا العصر عن أحداث الجزائر
المـؤلـف عبد المالك بن أحمد الجزائري


قرأه الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
وهذا ما جاء في مقدمة الكتاب
اطَّلَعَ الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ حفظه الله ـ على محتوى الكتاب، ووافق على طبع فتاواه المدرجة فيه، بعد تهذيبِها من قِبَله، وذلك بتاريخ: ليلة الخامس عشر من ربيع الأول 1421هـ، وذلك في بيتِه العامر في مدينة عنيزة بالقصيم.
وسيجد القارئُ توقيعات الشيخ على كلِّ فتاواه في محلِّها.

أحمد سالم 09 Feb 2011 11:33 PM

فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
بقية السلف حفظه الله
عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
وإمام وخطيب بالمسجد الكبير بعنيزة وأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم
سألتُ فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن مسألة الخروج على الحكام فقال:‎
أوَّلًا: لا يجوزُ الخروجُ على الأئِمَّة ومنابذتُهم إلا حين يكفرون كفرًا صريحًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إلا أن تروا كفرًا بواحًا ... الحديث متفق عليه .
ثانيًا: العلم بكفرهم، والعلماء هم الذين يقدّرونه، وأنا لا أَقْدر على أن أحكم على حكوماتكم؛ لأنَّنِي لا أعرفها، وفي الحديث السابق: عندكم فيه من الله برهان .
ثالثًا: تحقّق المصلحة في ذلك وانتفاء المفسدة ، وتقديرها لأهل العلم أيضًا.
رابعًا: القدرة لدى المسلمين على إزاحة الحاكم الكافر.
ثم قدّم نصيحة ذهبيّة ـ حفظه الله ـ فقال ما معناه: (( وعلى كل حال، فهذا الكلام نظريّ؛ لأنّ الغالب أنّ الشّوكة [ص-76] والقوّة لهذه الحكومات، وأنا أنصح بالرويّة والدعوة بالحكمة وترك الدّخول في هذه المواجهات ... إلخ )) .
* * *
قيد خامس مهمّ الغالب على مُحْدِثي الثورات أن يَدخلوها من باب التصعيد السياسي، فما تكاد تقوم فتنةُ إراقة الدِّماء إلاَّ على أنقاض السياسة، ولَمَّا كان الغالبُ على الحُدثاء في أسنانهم وعلمِهم وُلوجَ هذا الباب من غير تهيُّب ولا تورُّع فإنَّ الشيخَ اشترط فيمن يُمارس السياسة أن يكون من أهل العلم الذين بلغوا درجة الاستنباط؛ بدليل قوله: (( السياسة لها قوم، والدين له قوم؛ وقد أشار الله إلى هذا في قوله تعالى: (3 وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )... [النساء 83].
وليس قولي هذا فصل السياسة عن الدين أبدًا! الدينُ نفسُه سياسة )) .

من كتاب : فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر
للشيخ : عبد المالك رمضاني الجزائري



أحمد سالم 09 Feb 2011 11:39 PM

فتواه في المظاهرات * سُئل"الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله" أيضًا في محرّم (1416هـ) عمَّا يأتي:
ما مدى شرعية ما يسمّونه بالاعتصام في المسـاجــد وهم ـ كما يزعمون ـ يعتمدون على فتوى لكم في أحوال الجزائر سابقًا أنَّها تجوز إن لم يكن فيها شغب ولا معارضة بسلاح أو شِبهِه، فما الحكم في نظركم؟ وما توجيهكم لنا؟
فأجاب:
(( أمَّا أنا، فما أكثر ما يُكْذَب عليَّ! وأسأل الله أن يهدي من كذب عليَّ وألاّ يعود لمثلها.
والعجبُ من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئًا؟
بالأمس تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا أربعين ألفًا! أربعون ألفًا!! [ص-78] عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى!
والنار ـ كما تعلمون ـ أوّلها شرارة ثم تكون جحيمًا؛ لأن الناس إذا كره بعضُهم بعضًا وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح ـ ما الذي يمنعهم؟ـ فيحصل الشرّ والفوضى ...
وقد أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصبر ، وقال: من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية .
الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نُظْهر المبارزة والاحتجاجات عَلَنًا فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ما هي إلا مضرّة ...
الخليفة المأمون قَتل مِن العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن ، قتل جمعًا من العلماء وأجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أن أحدًا منهم اعتصم في أي مسجد أبدًا، ولا سمعنا أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية ... .
[ص-79] ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيِّدها إطلاقًا، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور )) .

من كتاب : فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر
للشيخ : عبد المالك رمضاني الجزائري

أحمد سالم 09 Feb 2011 11:40 PM

وهذه أسئلةٌ وَجَّهتُ بها إلى فضيلة الشيخ محمد بن عُثيمين، وقد قُرئت عليه عصر يوم الجمعة بتاريخ (13 من صفر 1420 هـ)، الموافق لـ (28 ـ 5 ـ 1999 م)، في بيته بمدينة عنيزة، فكان منها ما يأتي:
سؤال: (( ما حكمُ ما يُنسبُ إليكم ـ حفظكم الله ـ من تأييد الجماعات المسلَّحة الخارجة على الحكومة الجزائرية، وأنَّكم معهم إلاَّ أنَّكم عاجزون عن التصريح بذلك؛ لأسباب أمنية وسياسية؟
الجواب: هذا ليس بصحيح! ولا يُمكن أن نؤلِّب أحدًا على الحكومة؛ لأنَّ هذا تحصل به فتنة كبيرة، إذ أنَّ هؤلاء الذين يريدون أن يُقابلوا الحكومة ليس عندهم من القدرة ما يمكن أن يغلبوا الحكومةَ به، فما يبقى إلاَّ القتل وإراقة الدِّماء والفتنة، كما هو الواقع.
وما أكثر ما يُنسب إلينا هنا في السعودية أو خارج السعودية، وليس له أصلٌ عنَّا!
والحامل لذلك ـ والله أعلم ـ أنَّ الناس لهم أهواء، فإذا هَوَوْا شيئًا نسبوه إلى عالم من العلماء، من أجل أن يكون له قبول، وهذه مسألة خطيرة.
وليس الكذب عليَّ وعلى غيري من العلماء بغريب إذا كان الكذب وقع على الله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ) [الزمر 32] .
فأرجو من إخواننا في الجزائر وفي غير الجزائر إذا سمعوا منَّا شيئًا تنكره أفئِدتُهم أن يتَّصلوا بنا، ويستفهموا، فرُبَّما نُسب إلينا ما لم نَقُله.
سؤال: تنطلق بعض الجماعات في محاربتها لأنظمتها من قاعدة تقول: (( إنَّ محاربة الدول الإسلامية أَوْلَى من محاربة الدول الكافرة كفرًا أصليًّا؛ لأنَّ الدول الإسلامية مرتدَّةٌ، والمرتدُّ مقدَّمٌ في المحاربة على الكافر، فما مدى صحة هذه القاعدة؟
فأجاب الشيخ بقوله: هذه القاعدة هي قاعدة الخوارج الذين يقتلون المسلمين ويَدَعون الكافرين، وهي باطلة .
والواجب أن تلتمس العذر لكلِّ من أخطأ من المسلمين، ما دام يمكن أن يكون معذورًا، حتى تبقى الألفة والمودَّة والصفاء، وتتمُّ الأمور على ما ينبغي.
فهذا القول لا أساس له من الصِّحة .

من كتاب : فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر
للشيخ : عبد المالك رمضاني الجزائري


أحمد سالم 09 Feb 2011 11:41 PM

سؤال: بدأ الوضع في الجزائر يتحسَّن، ونعرف جماعات غفيرة من الشباب يريد وضع السِّلاح، والرجوع إلى حياته الطبيعية، لكنه لا يدري: هل يُسلِّم نفسه أو يبقى معتصمًا بالجبال، علمًا بأنَّ الحكومةَ قد أمَّنت التائبين من حملة [ص-80] السِّلاح؟ نرجو النصيحة لهذه الجماعات للعودة بالأمة إلى أمنِها وتديُّنها، ودُمتم ذخرًا للمسلمين.
الجواب فضيلة الشيخ محمد بن عُثيمين، : نصيحتي لإخواني الذين حملوا السلاح ويحملونه الآن أن يضعوا السِّلاح، وأن يدخلوا من هذا الباب الذي فتحته الحكومة.
ونصيحتي للحكومة ألاَّ تؤذي هؤلاء الذين وضعوا السلاح، وألاَّ تمسَّهم بعذاب، وألاَّ تحرمهم من حقوقهم الوظيفية والاجتماعية ما داموا أهلًا لذلك، بمعنى أنَّها تعفو عن كلِّ ما سلف، وكأن شيئًا لم يكن، حتى تطيب النفوس، وتهدأ الأمور، فما من قلب من قلوب بني آدم إلاَّ وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، يُصرِّفه تعالى كيف يشاء، فلا ييأس هؤلاء المقاتِلون، والحكومة يجب أن ترحمهم، وأن تعفو عنهم ما سلف، حتى تهدأ الأمور وتستقرَّ إن شاء الله )) .

من كتاب : فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر
للشيخ : عبد المالك رمضاني الجزائري

أحمد سالم 09 Feb 2011 11:46 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء
فقد سُئل بـمكة يوم (26) من ذي الحجة (1414هـ) ـ وهو مسجل في التوعية الإسلامية ـ عمّا يأتي :



يا شيخ! سؤال أخير ـ بارك الله فيكم ـ: لعلّ بعض الإخوة مِمَّن يَميل إلى السلفية ويحبّ العلماء يصغي إلى كلام العلماء، فماذا تنصحون من تورّط في هذه الاغتيالات أو شيء من هذا يا شيخ؟
الجواب: (( أنصحهم بالتوبة إلى الله وأن يلتزموا الطريقة التي سار عليها السّلف الصّالِح بالدعوة إلى الله [ص-36] بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، الله يقول: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ) [فصلت 33]، فلا يوَرّطون أنفسهم في أعمال تسبّب التّضييق على الدعوة وإيذاء الدّعاة وقلّة العلم، لكن إذا كانت الدعوة بالكلام الطيب والأسلوب الحسن كثر الدّعاة وانتفع الناس بهم، وسمعوا كلامهم واستفادوا منهم وحصل في المساجد وفي غير المساجد الحلقات العلميّة والمواعظ الكثيرة حتى ينتفع النّاس.
الله يهدي الجميع، نسأل الله للجميع الهداية والتّوفيق )) اهـ

من كتاب : فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر
للشيخ : عبد المالك رمضاني الجزائري

رابط الموضوع : ################

أحمد سالم 10 Feb 2011 11:17 AM

فتاوى العلاَّمة عبد العزيز بن باز رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء
فقد سُئل بـمكة يوم (26) من ذي الحجة (1414هـ) ـ وهو مسجل في التوعية الإسلامية ـ عمّا يأتي :
السؤال الأول:
الجماعة الإسلامية المسلّحة بالجزائر قَوَّلَتْكم أنَّكم تؤيّدون ما تقوم به من اغتيالات للشرطة وحمل السّلاح عمومًا، هل هذا صحيح؟ وما حكم فعلهم مع ذكر ما أمكن من الأدلّة جزاكم الله خيرا؟
الجواب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز:
(( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلّى الله وسلّم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد نصحنا إخواننا جميعًا في كل مكان ـ أعني الدّعاة ـ نصحناهم أن يكونوا على علم وعلى بصيرة وأن ينصحوا الناس بالعبارات الحسنة والأسلوب الحسن والموعظة الحسنة وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، عملا بقول الله سبحانه: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [النحل 125]، وقوله سبحانه: ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) [العنكبوت 46]، فالله جلّ وعلا أمر العباد بالدعوة إلى الله وأرشدهم إلى الطريقة الحكيمة، وهي الدعوة إلى الله بالحكمة يعني بالعلم: قال الله، قال رسوله، وبالموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن، عند الشّبهة يحصل الجدال بالتي هي أحسن والأسلوب الحسن حتى تزول الشّبهة.
وإن كان أحد من الدّعاة في الجزائر قال عنّي: قلت لهم: يغتالون الشّرطة أو يستعملون السّلاح في الدعوة إلى الله هذا غلط ليس بصحيح بل هو كذب .
إنَّما تكون الدعوة بالأسلوب الحسن: قال الله، قال رسوله، بالتّذكير والوعظ والتّرغيب والتّرهيب، هكذا الدعوة إلى الله [ص-33] كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكّة المكرمة قبل أن يكون لهم سلطان، ما كانوا يَدْعُون الناس بالسّلاح، يدعون الناس بالآيات القرآنية والكلام الطيّب والأسلوب الحسن؛ لأنَّ هذا أقرب إلى الصّلاح وأقرب إلى قبول الحق.
أمَّا الدعوة بالاغتيالات أو بالقتل أو بالضرب فليس هذا من سنّة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من سنّة أصحابه، لكن لَمَّا ولاَّه الله المدينة وانتقل إليها مهاجرًا كان السّلطان له في المدينة وشرع الله الجهاد وإقامة الحدود، جاهد عليه الصلاة والسلام المشركين وأقام الحدود بعد ما أمر الله بذلك.
فالدّعاة إلى الله عليهم أن يَدْعُوا إلى الله بالأسلوب الحسن: بالآيات القرآنية والأحاديث النّبوية، وإذ لم تُجدِ الدعوة رفعوا الأمر للسّلطان ونصحوا للسّلطان حتى ينفّذ، السّلطان هو الذي ينفّذ، يرفعون الأمر إليه فينصحونه بأنّ الواجب كذا والواجب كذا حتى يحصل التّعاون بين العلماء وبين الرؤساء من الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريّات، الدّعاة يرفعون الأمر إليهم في الأشياء التي تحتاج إلى فعل: إلى سجن، إلى قتل، إلى إقامة حدّ، وينصحون ولاة الأمور ويوجّهونهم إلى الخير بالأسلوب الحسن والكلام الطيّب، ولهذا قال جلّ وعلا: ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت 46]، فلو ظلم أحد من أهل الكتاب أو غيرهم فعلى وليّ الأمر أن يعامله بما يستحق، أما الدّعاة إلى الله فعليهم بالرّفق والحكمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزَع من شيء إلا شانه ، ويقول عليه الصلاة والسلام: مَن يُحْرَم الرّفق يحرم الخير كله .
فعليهم أن يَعِظوا الناس ويذكّروهم بالعذاب والأحاديث ومن كان عنده شبهة يجادلونه بالتي هي أحسن: الآية معناها كذا، الحديث معناه كذا، قال الله كذا، قال رسوله كذا، حتى تزول الشّبهة وحتى يظهر الحق.
هذا هو الواجب على إخواننا في الجزائر وفي غير الجزائر ، فالواجب عليهم أن يسلكوا مسلك الرسول عليه الصلاة [ص-34] والسلام حين كان في مكّة والصّحابة كذلك، بالكلام الطيّب والأسلوب الحسن؛ لأنّ السلطان ليس لهم الآن لغيرهم، وعليهم أن يناصحوا السلطان والمسؤولين بالحكمة والكلام الطيب والزّيارات بالنيّة الطيبة حتى يتعاونوا على إقامة أمر الله في أرض الله، وحتى يتعاون الجميع في ردع المجرم وإقامة الحق.
فالأمراء والرّؤساء عليهم التّنفيذ، والعلماء والدّعاة إلى الله عليهم النصيحة والبلاغ والبيان. نسأل الله للجميع الهداية )).



السؤال الثاني:
قامت الجماعة الإسلامية المسلّحة بتهديد أئمّة وزارة الشّئون الدينيّة بالجزائر، الذين لا يصرّحون بسبّ الحكّام على المنابر؛ إمّا توقيف صلاة الجماعة والجمعة وإمّا القتل بحجّة أنّه موظّف لدى الطّواغيت، وقد نفّذوا القتل في مجموعة من الأئمّة الذين لم يستجيبوا لهم كما تعطّلت صلاة الجماعة في بعض المدن فما حكم هذا الفعل؟
الجواب: (( ما يصلح هذا! هذا أيضا غلط، هذا ما يصلح! الواجب على الدّعاة أن ينصحوا الناس بالكلام الطيب ينصحوا الخطباء وينصحوا الأئمّة حتى يستعملوا ما شرع الله.
أمَّا سبّ الأمراء على المنابر فليس من العلاج، فالعلاج الدّعاء لهم بالهداية والتّوفيق وصلاح النّيّة والعمل وصلاح البطانة، هذا هو العلاج،لأنّ سبّهم لا يزيدهم إلا شرّا، لا يزيدهم خيرًا، سبّهم ليس من المصلحة، ولكن يُدعَى لهم بالهداية والتّوفيق والصّلاح حتى يقيموا أمر الله في أرض الله وأنّ الله يصلح لهم البطانة أو يبدلهم بخير منهم إذا أبوا، أن يصلحهم أو يبدلهم بخير منهم، أما سبّهم ولعنهم أو سب الشّرطة أو لعنهم أو ضربهم أو ضرب الخطباء كل هذا ليس من الإسلام .
الواجب النصيحة والبلاغ والبيان قال الله جلّ وعلا:( هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ) [إبراهيم 52]، فالقرآن بلاغ والسنة بلاغ، قال جلّ وعلا: ( وأُوحِيَ إليّ هذا القرءانُ لأُنْذِرَكم به ومَن بَلَغ ) [الأنعام 19]، قال جلّ [ص-35] وعلا: ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ) [إبراهيم 44]،( إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [هود 12].
فالعلماء هم خلفاء الرّسل، ينذرون الناس ويحذّرونهم من عقاب الله، ويرشدونهم إلى طاعة الله، ويأمرونهم بتقوى الله، ويحذّرونهم من معاصي الله، وينصحون ولاة الأمور من الأمراء وغيرهم، ينصحونهم، يوجّهونهم إلى الخير ويَدْعُون لهم بالهداية؛ لأنّ هذا أقرب إلى النّجاح وأقرب إلى الخير حتى تنتشر الدعوة، وحتى يتفقّه الناس في الدين، وحتى يعلموا أحكام الله.
أما إذا عُوملوا بالضّرب أو بالوعيد للخطباء وغيرهم كان هذا من أسباب ظهور الشّرّ وكثرة الشّرِّ وقلَّة الخير. لا حول ولا قوّة إلا بالله. نعم؟ )).



السؤال الثّالث:
كما قامت هذه الجماعة بقتل بعض النساء اللاّئي أبين ارتداء الحجاب، فهل يسوغ لهم هذا؟
الجواب: (( هذا أيضا غلط، لا يسوغ لهم هذا، الواجب النصيحة، النصيحة للنّساء حتى يحتجبن، والنصيحة لمن ترك الصلاة حتى يصلّي، والنصيحة لمن يأكل الرّبا حتى يدع الرّبا، والنصيحة لِمَن يتعاطى الزّنى حتى يَدَع الزّنى، والنصيحة لمن يتعاطى شرب الخمر حتى يدع شرب الخمر، كلٌّ يُنصح، ينصحون: قال الله وقال رسوله: بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبوية، ويحذّرونهم من غضب الله ومن عذاب يوم القيامة.
أما الضّرب أو القتل أو غير ذلك من أنواع الأذى فلا يصلح للدّعاة، هذا ينفّر من الدعوة، ولكن على الدّعاة أن يتحلّوا بالحلم والصبر والتّحمّل والكلام الطيب في المساجد وفي غيرها حتى يكثر أهل الخير ويقلّ أهل الشّرّ، حتى ينتفع الناس بالدعوة ويستجيبوا )).



السؤال الأخير:
يا شيخ! سؤال أخير ـ بارك الله فيكم ـ: لعلّ بعض الإخوة مِمَّن يَميل إلى السلفية ويحبّ العلماء يصغي إلى كلام العلماء، فماذا تنصحون من تورّط في هذه الاغتيالات أو شيء من هذا يا شيخ؟
الجواب: (( أنصحهم بالتوبة إلى الله وأن يلتزموا الطريقة التي سار عليها السّلف الصّالِح بالدعوة إلى الله [ص-36] بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، الله يقول: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ) [فصلت 33]، فلا يوَرّطون أنفسهم في أعمال تسبّب التّضييق على الدعوة وإيذاء الدّعاة وقلّة العلم، لكن إذا كانت الدعوة بالكلام الطيب والأسلوب الحسن كثر الدّعاة وانتفع الناس بهم، وسمعوا كلامهم واستفادوا منهم وحصل في المساجد وفي غير المساجد الحلقات العلميّة والمواعظ الكثيرة حتى ينتفع النّاس.
الله يهدي الجميع، نسأل الله للجميع الهداية والتّوفيق )) اهـ.


من كتاب : فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر
للشيخ : عبد المالك رمضاني الجزائري


الساعة الآن 08:49 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013